دفع ضعف المنظومة الصحية بالجنوب التونسي التي تعاني من عدة نقائص بالتوازي مع جائحة كورونا، الرئيس قيس سعيد إلى الإعلان عن إنشاء مؤسسة استشفائية بمحافظة قابس (جنوب)، في خطوة تعكس حسب مراقبين، إقرار بتراجع الخدمات الصحية ما يعمّق الفوارق بين جهات البلاد.
وكشف قيس سعيّد عن مشروع لإنشاء مؤسسة استشفائية لمعالجة الأمراض السرطانية بقابس بكلفة 15 مليون دينار، ستشرف عليها إدارة الهندسة العسكرية، مضيفا أنّه سيتولى الحديث في هذا الموضوع مع المسؤولين في الولاية (المحافظة).
ووصل سعيّد إلى قابس الأحد، على متن طائرة عسكرية، في زيارة غير معلنة، وقام بمعاينة آثار الانفجار الذي جدّ السبت بأحد مصانع الجهة وأودى بحياة 5 أشخاص.
وأكّد سعيّد أنّ مشروع المدينة الطبية بالقيروان سيتحقّق وأنّه سيتابع بصفة دورية تقدّم إعداد المشروع مع فريق دراسات الهندسة العسكرية ووزارة الصحة وعدد من الدول الأجنبية، حسب تصريحه.
وتأتي تحركات الرئيس التونسي ردّا على من وصفهم بـ ''الأبواق المسعورة والمأجورة'' والتي شكّكت في جدّية هذا المشروع الذي كان أعلن عنه العام الماضي، وشدّد على أنّه سيتحقق ''لا كما يدعي البعض أنّه من قبيل الوهم''.
وقال سعيّد ''لا نبيع الأوهام ولا الأحلام الكاذبة.. إنّنا حين نتعهد بشيء نعمل على تحقيقه بكل ما أوتينا من قوة''، مضيفا أنّ التعاليق التي صدرت عن البعض في هذا الخصوص لا تستحق الرد، مشددا على أن ''الرد سيأتي بالإنجازات وسيأتي بتحقيق إرادة الشعب التونسي".
وتفتقر محافظات الجنوب على غرار أغلب الجهات الداخلية، إلى منظومة صحية ترتقي إلى تطلعات المواطنين، عبر مؤسسات استشفائية وصحية تقدم خدمات معتبرة. ويتكون إقليم الجنوب التونسي من ستّ ولايات، وهي قابس وقفصة وتوزر وقبلي ومدنين وتطاوين.
وأفاد رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، العياشي الزمال، أن "أزمة كورونا كشفت حقيقة البنية التحتية الضعيفة لا فقط بالجنوب بل في كل الجهات الداخلية على غرار القيروان وجندوبة وسيدي بوزيد والقصرين".
ودعا الزمال في تصريح لـ"العرب"، إلى "ضرورة مراجعة المنظومة الصحية ككل وإعادة هيكلتها"، مشيرا إلى أن إقليم الجنوب يفتقر إلى مستشفيات جامعية وبنية تحتية محترمة".
وتابع "المؤسسة الاستشفائية الجديدة في قابس، من شأنها أن تقلص الضغط على بقية الجهات وخصوصا صفاقس التي تضطلع بدور صحي مهم".
ويرى خبراء الصحة أن مراجعة الخارطة الصحية بالبلاد بات ضرورة ملحة تستوجب إرادة سياسية على الرغم من الأزمة الاقتصادية.
وثمّن المستشار لدى منظمة الصحة العالمية والطبيب سهيل العلويني، في تصريح لـ"العرب" مبادرة الرئيس سعيّد، وقال "هي بادرة طيبة لمناطق تنقصها الإمكانيات ونأمل أن تفعّل"، ومضيفا "المشروع ستشرف عليه إدارة الصحة العسكرية باعتبار وجود مستشفى عسكري قديم بالجهة".
وبرأي العلويني (الرئيس السابق للجنة الصحة بالبرلمان) "لا بد أن تتوفر المستشفيات الجامعية في كل ولاية، ومن غير المعقول ألاّ توجد مؤسسة استشفائية جامعة لولايات الجنوب".
وتابع "لا بد من توفر فكرة لتأسيس أقطاب صحية حسب الأمراض والتخصصات، مع بناء خارطة صحية وفقا لقواعد علمية مدروسة، مع توفير المؤهلات الحيوية من أماكن للترفيه وفضاءات عمومية عبر تنمية مندمجة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب".
ولاحظ العلويني في معرض حديثه أن "مثل هذه المبادرات من شأنها أن تجلب أطباء الاختصاص ويتشجعهم على العمل في مناطقهم ما يساهم في إزاحة الفوارق بين الجهات، حيث لا يعقل أن يكون كل شيء مركّز في منطقة معينة".
وفي السياق ذاته، دعت إطارات طبية إلى ضرورة تلازم الجانب الصحي والأكاديمي، في مسعى لتطوير مستوى الخدمات الصحية بجهات ضعيفة تنمويا واقتصاديا.
وقال المدير الجهوي للصحة بمدنين جمال الدين حمدي، في تصريح لـ"العرب"، أن "النقائص تتعلق أساسا بالإطار البشري وطب الاختصاص، فضلا عن ضعف البنية التحتية".
وأضاف "وجود مستشفيات جامعية مع كلية الطب للربط بين الجانب الأكاديمي والعلمي سيطور مستوى الخدمات الصحية في الجنوب".
ولا زال مشروع إحداث كلية الطب بمحافظة مدنين رهين رفوف مكاتب صناع القرار، حيث أثارت المسألة جدلا واسعا.
وأكد وزير الصحة فوزي مهدي، الاثنين، أن مشروع إحداث كلية الطب بمدنين يرجع بالنظر إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مشيرا إلى أن دور وزارة الصحة يقتصر على تقديم الرأي التقني المبني على الديمغرافية الطبية وعلى تواجد أماكن مخصصة للتدريب حسب المتطلبات العلمية.
وأضاف مهدي، خلال جلسة عامة عقدها البرلمان وخصصت لتوجيه أسئلة شفاهية، أن الوزارة ستقوم بتدعيم المستشفى الجامعي بمدنين في موفى سنة 2021 بـ50 طبيب اختصاص في إطار مناظرات الإقامة في الطب لسنوات 2017 و2018 و2019.
وتواجه الصحة التونسية أزمة غير مسبوقة مع انعكاس تداعيات كورونا التي رمت بظلالها على وضعية المستشفيات العمومية بالبلاد بسبب ضعف الإمكانيات والتجهيزات، حيث كشف تفشي الوباء حجم النقائص التي تعتري المنظومة الصحية في البلاد واختلال الخدمات الاستشفائية بين مدنها رغم وعود الحكومات منذ ثورة يناير 2011 بالتدارك.
وسبق أن كشف تقرير لمنظمة أوكسفام أن تونس من بين البلدان الأقل إنفاقا في مجال الصحة، ما يضع السلطات التونسية أمام ضرورة التسريع في إصلاح القطاع ووضع استراتيجيات واضحة المعالم والأهداف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشيرا إلى أن تونس غير قادرة على مجابهة صدمة بحجم صدمة كوفيد - 19.
وفي ما يخصّ نفقات الصحّة رتّبت تونس مع الدّول الأقلّ إنفاقا على القطاع وصنّفت بالمرتبة 146، أي بين أسوأ 13 دولة، حيث أنّ ربع المتساكنين لا يتمتّعون بتغطية صحّية شاملة وهو ما يثير القلق نظرا للحالة الوبائية في البلاد.
وبدأت تونس، السبت في حملة التطعيم ضد فايروس كورونا ، بعد حصولها على دفعة أولي من لقاح "سبوتنيك V" الروسي تقدر بـ30 ألف جرعة.
وكلّفت جائحة كورونا الحكومة التونسية خسائر بقيمة 5 مليارات دينار (1.83 مليار دولار) ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.