تطرح زيارة وفد من حزب الله اللبناني إلى موسكو بدعوة من الخارجية الروسية تساؤلات عدة حول الدوافع الكامنة خلفها، لاسيما وأن رئيس الوفد النائب محمد رعد أكد أن الأزمة الداخلية في لبنان ليست في صدارة أولويات هذه الزيارة.
وقال رعد لوكالة "سبوتنيك" الروسية الاثنين بعد لقائه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "اللقاء كان بين أصدقاء، وإن الأجواء كانت ودية وصريحة جدا وبحثنا في تطورات الأوضاع الإقليمية وكيفية تثبيت الاستقرار في المنطقة، والحيلولة دون استفراد أي قوة من خلال دعمها للإرهاب بالتحكم في مصير شعوب هذه المنطقة".
وردا على سؤال إن كان وفدهم قد بحث مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية مع وزير الخارجية الروسي قال رعد "جئنا في السياق عليه".
ووصل وفد حزب الله إلى العاصمة الروسية موسكو الاثنين في زيارة تستمر ثلاثة أيام، يلتقي خلالها كبار المسؤولين الروس وتشمل جولة من اللقاءات في الخارجية الروسية والمجلس الفيدرالي ومجلس الدوما ولقاءات سياسية إعلامية أخرى.
وتأتي زيارة وفد حزب الله بعد أيام على لقاء جمع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بوزير الخارجية الروسي في دولة الإمارات، خلال زيارة أجراها لافروف إلى الخليج، حيث بحث الطرفان مجمل التطورات في الساحة اللبنانية، خاصة تعقيدات تشكيل الحكومة.
وتعتقد أوساط سياسية أن زيارة وفد حزب الله لروسيا قد تكون في علاقة بتهدئة التوترات بين لبنان وإسرائيل، التي أجرت مؤخرا مناورتين عسكريتين في المنطقة الحدودية في محاكاة لقتال مع الحزب المدعوم إيرانيا.
ووصف مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل زيارة وفد حزب الله إلى موسكو بـ"المسرحية"، قائلا "لو كانت الأمور تتعلق بتشكيل الحكومة لكان الروس طلبوا ذلك من إيران وليس من حزب الله، وعندها تطلب إيران من الحزب أن يسهل تشكيل الحكومة وينتهي الأمر".
واعتبر النائب السابق فارس سعيد أن "روسيا من خلال استدعاء وفد حزب الله لزيارتها، تريد القول إنها تمسك بأوراق تشكيل الحكومة اللبنانية، وهي حاضرة في سوريا"، مستبعدا أن "تتحول 'الشطارة' الروسية من قبل دبلوماسيتها إلى خطوات ملموسة في الملف الحكومي، لأن الروس في خلاف مع الأوروبيين والإدارة الأميركية الجديدة".
ولفت سعيد إلى أنه في حال نجحت عناصر القوة الروسية في تشكيل الحكومة من خلال تفاهم روسي إيراني، "فهل هذه الحكومة ستكون لها القدرة على فتح علاقات مع السعودية ودول الخليج؟"، معتبرا بالتالي أنه "إذا تشكلت الحكومة بتوافق روسي إيراني ستكون حكومة حسان دياب برئاسة سعد الحريري".
وقال رئيس حركة التغيير إيلي محفوظ إن "زيارة وفد حزب الله لروسيا لا علاقة لها بتشكيل الحكومة"، مشيرا في تصريح لـ"الأنباء" الإلكترونية إلى أن "الروس يرفضون وجود حزب الله في سوريا، على الرغم من أنهم برهنوا في الفترة الماضية أنهم إلى جانب إيران وحزب الله وكانوا إلى جانب النظام السوري، لكن اليوم هناك متغيرات تأتي ترجمة للاتفاقات السابقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".
وحتى الآن لا تزال فرنسا الوسيط الرئيسي في الحوار الوطني في لبنان، لكن السياسيين اللبنانيين، بمن فيهم سعد الحريري، يرحبون بأي مساعدة، بما في ذلك من موسكو التي تمتلك علاقات جيدة مع جميع القوى السياسية في لبنان.
وكانت موسكو قد أعربت في وقت سابق عن تبني المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وقالت إنها تتواصل عبر قنواتها الدبلوماسية مع الأطراف اللبنانية وتنصحها بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، وإنه لا مصلحة لأحد في الداخل بتأخير تشكيلها، لما يترتّب على ذلك من ارتدادات سلبية ستلحق الضرر بالجميع وستؤثر سلبا على الوجود المسيحي.
ويشهد لبنان احتجاجات وإقفال طرق على نحو متواصل، بعد انهيار كبير في سعر العملة المحلية وتدهور الوضع السياسي والاقتصادي.
وتعثر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، على الرغم من تكليف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بتشكيلها قبل أكثر من 5 أشهر، لاصطدامه بعراقيل توزيع الحصص الوزارية والتوازن السياسي في لبنان.
ويتبادل الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف الاتهامات بالمسؤولية عن تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية كبيرة فاقمها انفجار مرفأ بيروت وتداعيات تفشي وباء كوفيد - 19.
وعلى وقع هذا التعثر السياسي سجّلت الليرة اللبنانية انخفاضا قياسيا غير مسبوق منذ دخول لبنان دوامة الانهيار الاقتصادي قبل عام ونصف العام، ما دفع العديد من اللبنانيين إلى النزول إلى الشوارع احتجاجا على هذا الأمر، مطالبين بضرورة تحسين السياسات المصرفية وإنقاذ الاقتصاد اللبناني المتدهور.