شكوى ضد عناصر فاغنر الروسية..

هل تخلط ملاحقة مرتزقة فاغنر أوراق بوتين الجيوسياسية

عربي ودولي
قبل 3 سنوات I الأخبار I عربي ودولي

راهنت روسيا على الشركات الأمنية لتحقيق أهدافها، حيث تنتشر عناصر فاغنر اليوم في أكثر من بلد. ورغم أن موسكو لا تعترف بنشاط فاغنر رسميا، إلا أنها ستكون أمام اختبار جدي أمام المجتمع الدولي لتبرير أعمال هذه المجموعة التي تجنّد المرتزقة.

وفي خطوة غير مسبوقة، كشفت ثلاث منظمات غير حكومية الاثنين أنها قدمت شكوى في روسيا ضد مرتزقة مجموعة فاغنر في قضية قتل سوري في العام 2017 بصورة وحشية من أجل تسليط الضوء على المجموعة التي تقيم علاقات مشبوهة مع الكرملين.

وتتمتع المجموعة، التي يعتبرها المتابعون بأنها بمثابة “جيش الظل” للرئيس فلاديمير بوتين، بتسليح على مستوى عالٍ بدءا من الطائرات المسيّرة الخفيفة المخصصة للمراقبة وتوجيه المدفعية إلى القناصة ومنظومات بانتسير الصاروخية المضادة للطائرات وصولا إلى مقاتلات ميغ 29 الحديثة متعددة المهام وقاذفات سوخوي 24.

تحت المجهر

ألكسندر تشيركاسوف: هذه الدعوى مهمة لأننا نتعامل مع سلسلة كاملة من الجرائم

تأتي الشكوى ضد “جريمة حرب محتملة” ارتكبتها فاغنر، والتي يُستبعد بأن تقود إلى محاكمة في الذكرى العاشرة لاندلاع النزاع السوري الذي تدخّلت روسيا فيه في العام 2015 دعما للرئيس بشار الأسد. وتأتي أيضا في وقت رُفعت فيه شكاوى عدة أمام القضاء في أوروبا ضد مسؤولين سوريين متهمين بممارسة التعذيب.

لكن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومركز ميموريال الروسي لحقوق الإنسان أكدا في بيان أنهما قدّما “أدلة تثبت بوضوح هوية أحد المتهمين وتورطه مع مجموعة فاغنر” في تعذيب منشق مفترض عن الجيش السوري وقطع رأسه في العام 2017 في سوريا.

وأوضحت المنظمات، التي تريد لفت الانتباه إلى التجاوزات التي ترتكبها مجموعة فاغنر، أن هذه الدعوى تُعتبر “المحاولة الأولى من نوعها من قبل عائلة ضحية سورية لمحاسبة المشتبه بهم الروس على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا”.

وباتت مجموعة فاغنر في دائرة الاهتمام منذ أعلنت الولايات المتحدة في السابع من فبراير 2018 عن قتلها لما لا يقل عن مئة عنصر من الموالين للنظام في منطقة دير الزور ردا على هجوم استهدف المقر العام لقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

ويؤكد رئيس مركز ميموريال لحقوق الإنسان ألكسندر تشيركاسوف لوكالة الصحافة الفرنسية أن “هذه الدعوى مهمة لأننا لا نتعامل مع جريمة واحدة إنما مع سلسلة كاملة من (حالات) الإفلات من العقاب”.

وأُرسلت الشكوى إلى لجنة التحقيق وهي هيئة روسية مكلفة بالتحقيقات الجنائية الرئيسية، التي ينبغي أن تدرسها وتتخذ قرارا بشأن إطلاق دعوى جنائية من عدمه، لكنّ مراقبين يعتقدون أنها لا تحظى بأهمية داخل روسيا لأن السلطات تغطي على أعمالها ولا يوجد ما يوحي في ظل حكم بوتين بأنها ستعاقب من الأساس لأنها تعمل في الخفاء تحت إمرة الحكومة.

مجموعة فاغنر • عرابها إيفغيني بريغوجين رجل أعمال مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين

• قائد عمليات المجموعة يدعى ديمتري أوتكين

• تضم الآلاف من العناصر ولاسيما قدامى المحاربين من الجيش أو أجهزة الأمن الروسية

• تنشط في أجزاء واسعة من العالم مثل سوريا وليبيا والسودان وأوكرانيا

• تمتلك طائرات مسيرة ومنظومات بانتسير المضادة للطائرات ومقاتلات ميغ 29 متعددة المهام وقاذفات سوخوي 24

وكانت صحيفة “نوفايا غازيت” قد كشفت في العام 2018 عن مقطع الفيديو الذي يُظهر القتل. ويظهر في الشريط المصوّر رجال يتحدثون اللغة الروسية ويضربون ضحيّتهم بمطرقة ثم يقطعون أوصاله لينتهي المشهد برشه بالوقود قبل إضرام النار في جسده فيما كان رأسه معلّقا على عمود.

ويرى متابعون أن الملف الذي استغرق تحضيره ستة أشهر، لا يملك فرصا كبيرة ليصل إلى المحاكمة نظرا إلى تحفّظ القضاء الروسي عن التحقيق في هذه الجرائم.

وقال تشيركاسوف “للأسف لدينا تجربة سلبية كبيرة في ما يخصّ هذا النوع من القضايا في روسيا”. وندّدت منظمة ميموريال التي يرأسها وتستهدفها السلطات الروسية، خصوصا بجرائم ارتكبتها القوات الروسية في الشيشان.

ونقل بيان المنظمات الثلاث عن إيليا نوفيكوف أحد محامي الدفاع عن المدعي قوله إن “القانون الروسي ينصّ على التزام الدولة بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها مواطنون روس في الخارج”، مشيرا إلى أنه “حتى الآن لم تشرع لجنة التحقيق في أي تحقيق في الجريمة المعنية، على الرغم من أنه كان يقدّم معلومات بهذا الشأن منذ أكثر من عام”.

وقدّمت صحيفة “نوفايا غازيتا” شكوى بعدما تعرّفت على هوية أحد الرجال الذين يظهرون في الفيديو وأفادت عن تجاوزت أخرى، إلا أنها بقيت حبرا على ورق. وتأتي الشكوى ضد مجموعة فاغنر الاثنين بعد الدعاوى التي رفعها في السنوات الأخيرة المئات من اللاجئين السوريين ضد مسؤولين كبار من النظام السوري في ألمانيا والنمسا والنرويج والسويد.

وأفلت حتى الآن عناصر مجموعة فاغنر من الملاحقات لكن العرّاب المفترض للمجموعة إيفغيني بريغوجين مستهدف من جانب السلطات الأميركية والأوروبية التي فرضت عليه عقوبات، وهو مطلوب من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي. ولطالما نفى رجل الأعمال المقرّب من بوتين، دوره في مجموعة فاغنر.

وترى المنظمات غير الحكومية الثلاث أنه لا مجال للشك في ذلك، إذ أن مجموعة فاغنر مؤلفة من “مقاتلين روس يتحركون تحت القيادة الفعلية لروسيا” وهم ضالعون في “انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ضد مدنيين” في سوريا ودول أخرى. وكشفت موسكو الاثنين عن مقتل 112 جنديا روسيا في سوريا منذ عام 2015، فيما لا تزال الحصيلة في صفوف فاغنر غير معروفة.

في كل الأزمات

ليس لمجموعة فاغنر أي وجود قانوني في روسيا حيث الشركات العسكرية الخاصة محظورة. لكن المجموعة تضم الآلاف من العناصر ولاسيما قدامى المحاربين من الجيش أو أجهزة الأمن. ويقول مركز كارنيغي موسكو إن مجموعة فاغنر هي في نهاية المطاف “السر المعروف في روسيا”.

وتقوم المجموعة بدورين، الأول هو تزويد الكرملين بفرصة للإنكار عند نشر مقاتلين في مناطق حرب والثاني توفير آلة جاهزة لتعزيز نفوذها لدى الدول التي تستقبلها.

وبحسب وكالة تاس الرسمية، فإن قائد عمليات مجموعة فاغنر هو ديمتري أوتكين وليس هناك معلومات كثيرة حول هذا الرجل الخمسيني الذي كان ضابطا في الاستخبارات العسكرية الروسية، والذي حظي في ديسمبر 2016 باستقبال من قبل الكرملين في حفل تكريمي لـ”أبطال” سوريا. والتقطت صورة له مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وينتشر عناصر فاغنر في العديد من الدول ضمن سياسة روسيا الجديدة المبنية على “الحرب الهجينة” في مناطق النزاع والتوتر. ورغم أن موسكو لا تعترف بنشاط هذه الشركة رسميا، لكن هذه المجموعة تنشط تحت عدة مسميات سواء كشركات للتعدين عن الذهب والماس، أو كمدربين عسكريين، أو شركات متخصصة في الحرب السيبرانية.

ورُصد عناصر فاغنر للمرة الأولى في 2014 إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. وفي تلك المنطقة حيث تنفي روسيا أي تواجد عسكري لها، ظهر هؤلاء المقاتلون المحترفون المجهزون بشكل جيّد في صفوف المجموعات المتمردة التي تحارب السلطات الأوكرانية الموالية للغرب.

باتت مجموعة فاغنر في دائرة الاهتمام منذ أعلنت الولايات المتحدة في السابع من فبراير 2018 عن قتلها لما لا يقل عن مئة عنصر من الموالين للنظام في منطقة دير الزور

وعندما تدخلت روسيا في سوريا عام 2015 دعما للأسد، تحدث العديد من التقارير عن تواجدهم إلى جانب الجيش الروسي خصوصا في معارك كبرى مثل استعادة مدينة تدمر الأثرية، فيما تنفي موسكو ذلك في كل مرة.

وتوسعت دائرة تحرك مجموعة فاغنر لتشمل ليبيا أيضا، حيث يعتقد أن رجالا يقاتلون إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر، وأفريقيا الوسطى حيث ينشطون بين مدربي الجيش.

وتفيد المعلومات بظهورهم في ليبيا والسودان وموزمبيق وفنزويلا، غير أن الأمر يقتصر على شكوك دون ظهور أي أدلة رسمية عليها فيما تواصل السلطات الروسية سياسة الإنكار والنفي باستمرار.