تصريح

هل سهّل اخوان اليمن سيطرة الحوثيين على شمال البلاد؟

محليات
قبل 3 سنوات I الأخبار I محليات

يثير تصريح المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن، جمال بن عمر، حول تسهيل حزب الإصلاح دخول الحوثيين إلى صنعاء، الكثير من التساؤلات؛ ليس حول مدى دقة ذلك التصريح فحسب، بل أيضاً حول أهداف الحزب وحساباته السياسية، وتسلح اليمنيين، والكيانات اليمنية المختلفة، ودور المجتمع الدولي. وهي موضوعات لطالما أثارت الكثير من الخلاف والنقاش، وخلقت المزيد من الضبابية في الأزمة اليمنية.

وكان جمال بن عمر قد أبدى، خلال لقاء له على قناة “الشرق”، استغرابه الشديد من عدم مقاومة ما سماها الأحزاب السياسية التي لديها “أجنحة عسكرية”؛ مثل حزب الإصلاح، زحفَ الحوثيين إلى صنعاء، على الرغم من محدودية قدرة وعدد الحوثيين. وأكد أيضاً أن احتلال العاصمة اليمنية، صنعاء، لم يكن ممكناً لولا تساهل وتواطؤ الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، وبالطبع الأطراف الواقعة تحت نفوذه؛ مثل الجيش، آنذاك، كما أن حزب الإصلاح قد اتخذ قراراً رسمياً بعدم مقاومة الحوثيين.

إن فكرة وقوف حزب الإصلاح، الإخوان المسلمين في اليمن، إلى جانب الدولة، وحماية الشعار الشهير “الثورة، الجمهورية، الوحدة”، لها ما يبررها؛ حيث ساند الحزبُ الرئيسَ اليمني السابق، علي عبدالله صالح، بقوة أثناء حربه مع الجنوبيين عام 1994، وقاده إلى النصر من خلال حشد رجال القبائل المسلحين، والميليشيات المسلحة المتشددة؛ ومن بينها تنظيم القاعدة.

من جانبٍ آخر، يجيز القانون اليمني حمل السلاح دون الحاجة إلى ترخيص في أي مكان ما عدا العاصمة وعواصم المحافظات، وبترخيص في هذه الأماكن المستثناة. وبما أن أكثر من 70 في المئة من اليمن ريف؛ فإن نسبة المتسلحين وحرية حمل السلاح عالية للغاية، بالذات عند رجال القبائل، والذين يشكلون نسبة كبيرة من حزب الإصلاح. 

لكن حقيقة انتشار السلاح، ودور حزب الإصلاح، وتاريخه في حماية “الدولة اليمنية”، لم تكن كافية لإيقاف زحف الحوثي نحو صنعاء، وتوسعه حتى سيطر على كامل شمال اليمن تقريباً، ووصوله حتى إلى عدن، في الجنوب، ربما ليستأنف زحفه للسيطرة على كامل البلاد، لولا تدخل التحالف العربي.

إن من بين ما يفسر تخاذل حزب الإصلاح هو الحقيقة الفكرية والنهج الذي يتبناه الحزب، كأحد فروع تنظيم الإخوان المسلمين، في سعيه لتحقيق أهدافه؛ إذ إن من بين أهم القواعد التي يتبناها الإخوان المسلمون في سياستهم هو التعاون مع الأطراف في ما يتفقون عليه، ويقودهم هذا الأساس إلى التحالف مع الحوثيين وإيران، وحتى تنظيم القاعدة، في أي تصرف يخدم، بشكل مباشر أو غير مباشر، هدف توحيد الأمة الإسلامية، حسب رؤيتهم. ومما لا شك فيه أن الحوثيين يسعون لحكم اليمن كأساس للانطلاق في مشروع تاريخي قديم يتمثل في بناء خلافة إسلامية واسعة النطاق؛ وهو نقطة يتفق معهم فيها، إلى حد بعيد، الإخوان المسلمون.

حسابات حزب الإصلاح شملت أيضاً تصفية الخصوم السياسيين من حزب المؤتمر الشعبي العام، والنخبة الحاكمة، ودائرة الرئيس علي عبدالله صالح. فعلى الرغم من أن الحزب قام أساساً في عام 1990م لدعم النظام وليس معارضته؛ فإن علاقته وعلاقة قياداته بالنظام الحاكم تعرضت إلى التوتر منذ عام 2000 تقريباً، وذلك لأسبابٍ يتمحور معظمها حول الطموحات السياسية والقبلية. ومع تعاظم الخلافات، ازداد حنق الحزب وزعامته السياسية والقبلية؛ لعدم قدرتهم على مجابهة نظام الحكم الذي يحكم قبضته على المؤسسة العسكرية والسياسية؛ لذلك كانت ساحات “الشباب” أثناء الثورة اليمنية متنفس الغضب لحزب الإصلاح، وساحة الصراع السياسي للنخبة، وليس “ثورة الشباب” فحسب كما رُوج لها.

دوافع أيديولوجية

لكن ما يمكن اعتباره فرقاً جوهراً في مسيرة الحوثيين وحزب الإصلاح منذ بدء الأزمة اليمنية هو أن الحوثيين عملوا بدافع أيديولوجي أكثر مما هو حافز نفعي خالص؛ ففي حين كان حضور الحوثيين في ساحات الثورة محدوداً للغاية؛ فقد كانت الساحات تمتلئ بخيام شباب حزب الإصلاح الذين تم حشدهم بالمال -غالباً- الذي دفعه قادة الحزب بدعم من دول خارجية. كما تم تسخير موارد وتغطية إعلامية محلية وإقليمية هائلة لحشد المزيد من الشباب، وتغطية قضية “الثورة” وتصويرها على أنها ثورة شباب شاملة ضد نخبة فاسدة؛ لبناء دولة حديثة ديمقراطية.

الحوثيون، في الجانب الآخر، لم تكن لهم سوى خيمة واحدة يجتمعون فيها بحياء وانعزالية في ساحة التغيير في صنعاء، وسط خيام الإخوان المسلمين المسيطرة على المشهد. كما لم تكن ملصقاتهم الصغيرة التي تحمل شعارهم سوى على خيمتهم؛ لكن كانوا في كل يوم يوسعون نطاق ملصقاتهم وحجمها، وكذلك أعدادهم وعدد خيامهم، بتدرج صبور لفترة طويلة، كما كانوا يزرعون أنصارهم في خيام الشباب من الأحزاب الأخرى حتى أصبح الحوثيون هم المسيطرين، ليس على ساحة التغيير فحسب بل على الثورة اليمنية.

كان وجود الشباب اليمني في ساحة التغيير في صنعاء ملهماً للمراقبين الخارجيين، والصحافة العالمية التي أعجبت بقادة الساحات؛ مثل توكل كرمان، حتى إن جمال بن عمر أشار أكثر من مرة إلى إعجابه بالشباب، ومساندته لهم، ونالت كرمان جائزة نوبل للسلام؛ لكن النتيجة غير القابلة للإنكار هي أن زعماء تلك الثورة جميعهم أخلوا الساحات هرباً للخارج، بينما بقي الحوثيون يواصلون المسير.

هل كان بن عمر، ومعه الإعلام الغربي، يساند الإخوان المسلمين المغلفين بتسمية “حزب الإصلاح” دون أن يعلموا ذلك؟ لا يمكننا بسهولة التحقيق في المسألة، وربما من غير المجدي حتى فعل ذلك؛ لكن الواقع والنتائج تبين أن الثورة لم تكن في المسار الصحيح على الإطلاق؛ وبالتالي من البديهي ألا تكون الحلول ومحاولات التصحيح -طوال عقد من الزمان- ناجعة من الأساس.

التمويه والانتهازية سمتان أساسيتان حددتا مجريات الأزمة في اليمن، والنتيجة الكارثية التي وصلت إليها. لا شك أن عقيدة الحوثيين، وانتهازية حزبَي الإصلاح والمؤتمر، وتخاذل مجلس الأمن، لعبت دوراً محورياً في خلق هذه الحقيقة القاسية، ومع مرور الزمن تصبح معالجة الواقع بالغ التعقيد كما لم يكن من قبل.