الحرب الروسية على أوكرانيا.. هل قضت على الدّولار الأميركي؟

عربي ودولي
قبل سنة 1 I الأخبار I عربي ودولي

نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية تقريراً أشارت فيه إلى أنّ أزمة الحرب على أوكرانيا أعادت صياغة النظام الدولي وترتيب الأوضاع في العالم؛ إذ أتاحت للدول المجال للسعي وراء مصالحها الذاتية من دون الانحياز لمعسكر سياسي بعينه.

 

 

 

وحذر روبرت رابيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا أتلانتيك -في مقاله بالمجلة- من أن الدولار الأميركي بدأ يفقد بعض بريقه، جراء تفكير بعض حلفاء الولايات المتحدة في استخدام عملات بديلة له. ولفت إلى أن أغلب دول العالم لم تفرض عقوبات على روسيا، "مع أن الكثير منها أدان الغزو الروسي لأوكرانيا". ورغم أن الغرب ظل يصور الأزمة الأوكرانية على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، فإن تلك الدول تعتقد أن الأزمة تتجاوز ثنائية الديمقراطية الاستبدادية، مما قد يؤثر على أمنها القومي وكذلك الاستدامة والسلام العالميين.

 

 

ثلاثة معسكرات

ويرى الكاتب أن الأزمة الأوكرانية قسمت العالم إلى 3 معسكرات: أحدها بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وآخر تقوده روسيا والصين، وثالث واقع بين المعسكرين، وهو المعسكر الذي آثرت دوله الحياد. ووفقا للمقال، فإن كثيراً من هذه الدول "المحايدة" أصدقاء أو حلفاء للولايات المتحدة، لكنها ليست أعداء ولا خصوما لروسيا والصين بسبب الأزمة الأوكرانية أو أنظمتهم السياسية الاستبدادية.

 

وتدرك هذه الدول أنها لا تستطيع معاقبة روسيا أو الوقوف ضدها في وقت يحتدم فيه التنافس بين الدول على الموارد الشحيحة، لا سيما أن روسيا أكبر دولة في العالم تمتلك أكبر قدر من الموارد، والصين هي الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مالك للاحتياطيات الأجنبية في العالم. واستنادا إلى هذه الحقائق، فإن المصالح الذاتية لتلك الدول المحايدة في الصراع الروسي الأوكراني هي التي تملي عليها سياساتها، بعيدا عن ثنائية الديمقراطية والاستبداد. بعبارة أخرى، فإن سياسات هذه الدول لا ولن تتقاطع بالضرورة مع سياسات الولايات المتحدة.

 

 

 

 

وبرأي الكاتب، فإن العديد من تلك الدول لم تكن مرتاحة للقطب الواحد الذي انفردت به أميركا منذ نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة، وترحب ببزوغ فجر حقبة جديدة تتسم بتعدد الأقطاب والأطراف. وتعددية الأقطاب تعني نظاما تستأثر فيه بعض الدول بالنفوذ الأكبر على الصعيد الدولي في سبيل تحقيق مصالحها الذاتية، بينما تعددية الأطراف في العلاقات الدولية تشير إلى تحالف بين عدة دول تسعى لهدف مشترك. إضعاف مكانة أميركا

 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية -في مقاله- أن ثمة تصورا شائعا بأن القوة الأميركية في اضمحلال بعد إخفاقاتها في العراق وأفغانستان.

ويمضي إلى الإشارة بأن الصين تتقدم غيرها من الدول عن طريق دعم المنظمات الدولية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون -أكبر منظمة سياسية واقتصادية وأمنية إقليمية في العالم- ومجموعة البريكس (التي تضم 5 اقتصادات ناشئة رائدة كالبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا).

 

 

وتسعى هاتان المنظمتان إلى إيجاد بدائل لصندوق النقد والبنك الدوليين -اللذين يهيمن عليهما الغرب- عبر مؤسسات مثل بنك التنمية الجديد. كما تعملان على تعزيز نفوذها بقبول دول جديدة، مثل الجزائر ومصر وتركيا والمملكة العربية السعودية والأرجنتين وإيران. ولعل العنصر المحوري في هذه التطورات، بحسب مقال ناشونال إنترست، هو محاولة إضعاف الدولار الأميركي، توطئة لإضعاف مكانة الولايات المتحدة في العالم بشكل عام. ويستطرد الكاتب موضحا أن العديد من البلدان -بعضها تحفزها الصين وروسيا- شرعت في إعادة النظر في استخدام الدولار عملة تداول رئيسية لها. وفي هذا السياق، ظلت الصين منذ عام 2000 تحاول تدويل استخدام عملتها، اليوان، وقد اكتسبت محاولاتها هذه زخما في الآونة الأخيرة مع اندلاع الأزمة الأوكرانية. وساق الكاتب أمثلة على محاولات بعض الدول إيجاد بدائل للدولار الأميركي في معاملاتها الدولية، إذ تبنت روسيا اليوان عملة احتياطية، وتبعتها إيران باستخدام الروبل في تجارتها مع روسيا. وبدأت الإمارات في إصدار سندات بالدرهم، كما تقوم مصر بمقايضات ثنائية للعملات مع الصين. وأضاف بنك إسرائيل 4 عملات جديدة (الدولار الكندي والدولار الأسترالي والين الياباني واليوان الصيني) إلى مقتنياته. الأهم من ذلك -يقول الأستاذ الجامعي- أن الصين والسعودية انخرطتا في محادثات نشطة حول تسعير الرياض بعض مبيعاتها النفطية إلى بكين باليوان. ومما لا شك فيه أن السعودية إذا ما شرعت في تداول النفط باليوان، فإن هيمنة الدولار الأميركي في سوق النفط العالمية ستعاني. ووفق الكاتب، فإن جاذبية الدولار الأميركي عالميا تكمن جزئيا في قوة الولايات المتحدة الجيوسياسية والاقتصادية، وحيويتها، إلا أن هذه الجاذبية بدأت تفقد بعضا من بريقها. ومن المنطقي، في هذا الصدد، أن يصبح اليوان بديلاً عن الدولار الأميركي في عالم "متعدد الأقطاب" في غضون سنوات، وليس خلال عقود أو قرون، كما يتوقع الكاتب الذي يختم مقاله بالتحذير من أن تطورا من هذا القبيل سيوجه "ضربة قاسية" للاقتصاد الأميركي الذي ربما لا تتمكن واشنطن من التعافي منها.