تحليل.. الإتفاق السعودي الايراني الصيني

محليات
قبل سنة 1 I الأخبار I محليات

الإتفاق الذي جرى التوقيع عليه بين الدول الثلاث في شكله وموضوعه اتفاق أمني، ومن الناحية التنفيذية كان دبلوماسياً، أما نتائجه ستكون عسكرية وبالتالي اقتصادية.

 

فيما يخص الخطوات التنفيذية الأولى متمثلة في استعادة العلاقات الدبلوماسية، فهي تحصيل حاصل ، إذ لا يمكن الانخراط في هكذا اتفاقات بين بلدين لا يتبادلان السفراء ولا توجد بينهما أي شكل من أشكال العمل الدبلوماسي.

 

أركان الأتفاق

من حيث الشكل تم التوقيع على الاتفاق من قبل رئيس جهاز الأمن الوطني السعودي وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، دون إشراك أو حضور وزراء الخارجية في البلدين.

من حيث الموضوع أكد الاتفاق على تفعيل الاتفاقية الأمنية بين البلدين الموقعة في العام 2001 ، وهي اتفاقية تم توقيعها في عهد الرئيس الاصلاحي خاتمي، في مرحلة مثلت ذروة سنام العلاقة بين البلدين ، منذ ثورة الخميني في 1979 .

 

نتائج وردود الفعل السابقة:

بعد توقيع تلك الاتفاقية الأمنية وأثناء التحضير لإبرامها تزايدت الزيارات الرسمية وارتفع مستوى المسؤولين المشاركين في مباحثاتها، ناهيك عن زيادة التبادلات والمعارض التجارية التي وصلت مستويات قياسية.

وبالرغم من أن الاتفاقية يمكن تلخيصها في محاور كلاسيكية هي التنسيق الامني ومكافحة التهريب والمخدرات وتبادل المطلوبين وعدم دعم المعارضين ، إلا أن جوانب فيها أثارت الجدل ذلك الحين من ضمنها مصير الجزر الإماراتية التي تحتلها ايران.

بالإضافة الى مشاكل الدول الخليجية مع إيران، برز الحديث عن الدور الذي ستلعبه البلدان في وقف الانشطة البحرية العسكرية للدول من خارج المنطقة كما تسميها إيران ، والمقصود بها نشاط البحرية الامريكية في مياه الخليج العربي ذلك الحين.

 

مصير الإتفاقية الأمنية:

الاتفاقية الامنية سرعان ما تم تجميدها لاحقاً بعد الحرب على العراق، وتدهورت العلاقات بين البلدين جراء دعم إيران للمليشيات والجماعات المعارضة أو المسلحة في كل من العراق والبحرين ولبنان ، والحرب في اليمن وحتى في السعودية، حتى تم قطع العلاقات الدبلوماسية تماماً في العام 2016 عندما قامت مجاميع ايرانية بإقتحام السفارة السعودية في طهران وإحراق قنصليتها في مدينة مشهد الايرانية.

 

أطراف الإتفاق الجديد وأسبابه:

هناك أسباب ذاتية لتوقيع هذا الاتفاق لكلاً من الصين السعودية وايران.

أولاً الصين؛ تعد أكبر المستفيدين في العالم من أمن مياه الخليج العربي كونها اكبر مستورد للنفط الايراني المشمول بالعقوبات الأمريكية ، وهي تسعى لاستدامة هذا المورد النفطي الهام لاقتصادها، وعدم قطع سلاسل أمدادته جراء أي اضطرابات قد تحصل في الخليج، وتحديداً مضيق هرمز.

أيضاً الصين وقعت اتفاقية تاريخية مع المملكة لشراء النفط السعودي مقابل العملتين المحلية (اليوان، الريال السعودي) وهو ما يعتبر فك ارتباط عملي بين الدولار والنفط السعودي، هذه الاتفاقية لو وقعت قبل الحرب الروسية الاوكرانية، كانت امريكا ستقابلها بكثير من الصرامة كما حدث مع صدام حسين ومعمر القذافي عندما قررا فك ارتباط النفط العراقي والليبي بالدولار وعرضه للتداول باليورو والعملات الأخرى.

إذاً الصين اصبحت معنية اكثر بتأمين أمدادات النفط السعودي وعدم السماح لأي قوة دولية أو إقليمية بضرب سلاسل توريد الطاقة القادمة إليها، بشروط تصب في مصلحتها هي والمملكة على حساب المنافس الأكبر للصين وهي الولايات المتحدة الامريكية ودولاراتها.

 

ثانياً إيران؛ هي الاخرى تمتلك اسباب خاصة بها لتفعيل التعاون الأمني واتفاقية 2001 ، فالنظام الايراني يعيش اليوم حالة عزلة تامة جراء العقوبات الأمريكية القصوى عليه، و المقاطعة العربية، والحرب الروسية الاوكرانية ، وهي تحتاج لهذا الاتفاق كي تفك احدى أهم حلقات الحصار الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي المفروض عليها، جراء سياساتها الرعناء في الأقليم، وانتهاك سيادة الدول العربية، وعدم احترام مقرات البعثات الدبلوماسية الأجنبية المتواجدة على اراضيها.

إيران أيضاً التي تخوض حرباً مفتوحة مع العرب، على رأسهم السعودية، وعمليات متصاعدة عسكرية أمنية أستخباراتية سيبرانية مع اسرائيل، هذه الأخيرة التي يبدو أنها باتت تملك قائمة أهداف استراتيجية داخل إيران تسعى لضربها (مفاعلات نووية، مصانع صواريخ بالستية، ومراكز تصنيع الطائرات المسيرة) أيضاً أشخاص وشركات، يعتقد أنها المسؤولة عن تطوير القدرات الدفاعية والتكنولوجية في إيران.

ومنذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران ، لا تخفي إسرائيل نواياه وتحركاتها، لحشد الدعم الدولي والإقليمي لعمليتها العسكرية المباشرة في الداخل الإيراني، وهذا ما ينذر ببلوغ المواجهة بين البلدين مستوى الحرب المباشرة والشاملة، لهذا تسعى أيران لتصفير خلافاتها في المنطقة قبل الدخول في هذه المواجهة المرتقبة.

إيران تعاني من اضطرابات شعبية داخلية ، واضطرابات في كل الأقاليم ومن مختلف العرقيات سواء الكردية والتركمان والعرب في الأحواز، الحد الذي وصل للمواجهات العسكرية خصوصاً في كردستان إيران.

 وتبقى احتجاجات الطلبة الليبرالين بعد مقتل "مهسا أميني" في احد المعتقلات هي الأكثر أنكشافاً أمام العالم والأعلى ازعاجاً ، للسلطات الأمنية والمرجعيات الدينية الايرانية ، إذ تهدد مطالب المحتجين الليبراليين اهم أركان النظام الأيراني المحافظ، القائم على مبدأ ولاية الفقية.

وتعتقد دوائر القرار الاستراتيجي في إيران، أن التزامن في هذه الاحتجاجات، جاء بسبب الدعم السعودي، المقدم على أكثر من صعيد، وهو ما تنفيه الرياض ، لكن إيران ترى في الاتفاق مع المملكة، إمكانية تجاوز حالة الفوضى الداخلية المتصاعدة، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

 

ثالثاً السعودية؛ هي الأخيرة تملك عدداً لا بأس به من الأسباب الذاتية دفعتها نحو هذا الاتفاق ، إذ تعاني المملكة من الاضطرابات الأمنية على حدودها بسبب النشاط الأيراني ، سواءً في اليمن أو سوريا أو لبنان أو العراق.

هذا الاتفاق إن تحقق العمل به وصدقت إيران سيخفف من بؤر التوتر على حدود المملكة ويخفض من الإمكانيات العسكرية لوكلاء إيران في المنطقة (كماً ونوعاً) وسيوفر الحماية التعاقدية للمصالح والأراضي السعودية، على الأقل من الصواريخ والمسيرات الأيرانية، التي تستخدمها المليشيات المدعومة إيرانياً (الحوثيين) على الأعيان المدنية والاقتصادية السعودية.

السعودية التي تعاني حالة جفاء في العلاقات مع حلفائها الدوليين تحديداً الولايات المتحدة الامريكية، خاصة بعد فوز الإدارة الديمقراطية الحالية في الانتخابات الرئاسية الامريكية ، إذ قطعت إدارة الرئيس جو بايدن الكثير من الوعود الانتخابية لانصارها تتعهد فيها بمعاقبة السعودية، تحت شعارات حقوقية وأنسانية متعددة تتعلق بقضايا سعودية داخلية بحتة.

وتؤكد مصادر صحفية غربية، أن السعودية تتعرض لضغوط دبلوماسية كبيرة، وحظر استيراد اسلحة وتكنولوجيات أمريكية دفاعية كانت متوافرة لديها سابقاً، وذلك لدفعها إلى الانخراط في اتفاقية "أبراهام" والتي يطلق عليها اصطلاحاً التطبيع مع اسرائيل.

الرياض بدورها ترى بأن المزاج العام للشعب السعودي يرفض فكرة التطبيع، ولهذا فإن قراراً بهذا الحجم يتطلب التروي أو الموافقة على الشروط السعودية المتمثلة في نوعين:

الأول نووي: إذ تطلب الرياض دعم إنشاء برنامج نووي سعودي للإغراض السلمية، وهو ما تعترض عليه إسرائيل وترى أنها لاتثق في نوايا السعودية بعدم امتلاك سلاح نووي وبالتالي الانخراط في سباق التسلح مع كلاً من إيران وإسرائيل على حدٍ سواء، ويخشى الأمريكان عدم الموافقة على هذا المقترح من قبل المشرعين في الكونجرس الأمريكي.

الثاني استراتيجي: وهو سعودي أيضاً يتمثل في الإتفاق مع واشنطن على اعتبار المملكة العربية السعودية حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة ، وهذه الشكل من التعاون لم يمنح إلا للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالإضافة لإسرائيل وقطر والأردن ، إذ يعطي لهذه الدول حق استيراد السلاح الأمريكي عالي التقنية، وهذا الأتفاق أيضاً تعتقد الإدارة الأمريكية أنه من الصعب تمريره في الكونجرس وأن السعودية ليست بمستوى الثقة الكافية لأعتبارها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الامريكية من خارج الناتو.

إذاً لم يبقى أمام المملكة العربية السعودية إلا حل مشاكلها بمعرفتها بعيداً عن الآمال والضغوط القادمة من واشنطن.

 

في السياق:

ما رأيك باتفاق السعودية وإيران في بكين؟

 الرئيس الأمريكي جو بايدن قدم احاطته الاسبوعية للصحافة في البيت الأبيض وقبل تلقي الأسئلة من الصحفيين، هرب نحو الباب وقبل أن يغادر القاعة سمع هذا السؤال بصوت عالي، فعاد إلى الميكرفون وأجاب: أنا متأكد أن العلاقات مع اسرائيل افضل من إيران، وغادر

 

الصحافة الإسرائيلية وصفت الإتفاق السعودي الايراني الصيني بأنه بصقة في وجه اسرائيل.

 

اطراف اتفاقية ابراهام العرب، اكتفوا بالصمت، بإستثناء البحرين التي رحبت به معتبرة هذا الاتفاق يدعم الحل السلمي للنزاعات ويؤكد على حسن الجوار واحترام سيادة الدول الأخرى.

 

اليمن؛ وهي أكبر المتضررين من سياسات الحرب الإيرانية بالوكالة على السعودية، قالت أنها تتابع بحذر النوايا الأيرانية، ومدى ألتزامها عملياً بتنفيذ هذا الإتفاق.

 

يتبقى سؤال؛ لماذا اصبحت الصين طرفاً في هذا الأتفاق، ولماذا تم ترتيب طاولة الاجتماع في بكين على شكل مثلث متساوي الأضلاع، جلس المسؤولون الصينون مقابل ضلع القاعدة ، بينما كانت الاتفاقية المبرمة في 2001 قد وقعت بين السعودية وإيران في زيارات متبادلة للمسؤولين في البلدين دون جود طرف ثالث؟

وربما يكون مفتاح الإجابة على هذا السؤال، في طريقة ترتيب الكراسي داخل قاعة الإجتماع ، وأن هذه الإتفاقية ترتكز أساساً على المصالح الصينية واستثماراتها الحالية والمستقبلية في البلدين والمنطقة، وأن السعودية إيران مجرد أضلاع في مثلث العهد الصيني القادم في المنطقة المستند على الحلفاء الأقوى اقليمياً (السعودية، إيران) خلفاً للعهد الأمريكي المشرف على الأفول المعتمد على أصغر الحلفاء في المنطقة (إسرائيل، قطر).