وثائق إسرائيل السرية لحرب 1973

عربي ودولي
قبل سنة 1 I الأخبار I عربي ودولي

تواصل "العين الإخبارية" نشر محتويات الوثائق الإسرائيلية السرية لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بعد أن قررت الإفراج عنها لمناسبة مرور 50 عاما عليها.

 

وكشفت الوثائق التي تم نشرها خلال اليومين الماضيين أنه بينما كانت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتداول إمكانية وقوع الحرب في ساعات المساء، كان التوقع في محله، حيث في ساعات الظهر، قبل أن ينفض الاجتماع.

 

وتظهر الوثائق، التي اطلعت عليها "العين الإخبارية" مجريات يوم الحرب التي بدأت بإيقاظ رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير من نومها، عند الساعة 3:50، في منتصف يوم الغفران الذي صادف 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973.

 

وبحسب الوثائق، فقد أخبر مائير سكرتيرها العسكري إسرائيل ليئور عن تقرير من رئيس المخابرات "الموساد" تسفي زامير، والذي سمع بموجبه من مصدر موثوق أن مصر وسوريا على وشك شن هجوم عسكري مشترك على إسرائيل في المساء.

 

وفقا للمعلومات، التي وردت في الوثيقة، وتم نقلها الى مائير فإنه "سيبدأ الهجوم بقصف مدفعي وجوي لأهداف إسرائيلية في سيناء، وسيستمر بعبور القناة واحتلال شريط على طول قناة السويس، وهجمات جوية وبحرية وكوماندوز وغيرها".

 

وأضافت: "سيحاول الجيش المصري احتلال قطاع يبلغ طوله حوالي 10 كيلومترات، وسيتم تحديد قرار التقدم أبعد من ذلك بناءً على نتائج الهجوم، أما الجيش السوري فمن جانبه سيشن هجوماً على هضبة الجولان خلال ساعة بهدف الاستيلاء عليها من إسرائيل".

 

 

 

غولدا مائير: ماذا سنفعل الآن؟

وبخلاف كل التقديرات التي كانت تقدم لها في الأيام التي سبقت الحرب، فقد زعمت مائير أنها "كانت تعرف أن هذا سيحدث"؛ فاستنادا إلى الوثائق فإنه لم يفاجئ مضمون كلام يسرائيل ليئور على الهاتف رئيسة الوزراء، وكان ردها: "كنت أعرف أن ذلك سيحدث يا يسرائيل - ماذا سنفعل الآن؟"

 

غير أن الوثائق تشير إلى أن "الأخبار الواردة من الموساد أدخلت النظام العسكري والسياسي برمته في حالة من الجنون للاستعداد للمعارك التي كانت على وشك الاندلاع".

 

بعد وقت قصير، كانت مائير في طريقها إلى مكتبها في شوارع تل أبيب المهجورة، بسبب حرب "يوم الغفران"، مع عدد قليل من الأشخاص الذين كسروا الصمت المطلق وهم في طريقهم إلى دور العبادة.

 

وفي الساعة 7:30 صباحًا وصلت إلى مكتبها وحصلت من ليئور على تفاصيل تقرير زامير الكامل.

 

وبدأت مائير العمل على عدة مستويات متوازية؛ التحقق من الاستعدادات العسكرية والعمل السياسي النشط الذي يهدف إلى جعل الأمريكيين يقبلون التقييمات والمواقف الإسرائيلية، بما يمكن أن يؤدي إلى منع الحرب، وضمان توريد الأسلحة الأساسية لإسرائيل.

 

وبناءً على تعليماتها، تم إرسال برقية إلى السفارة في واشنطن وإلى وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان في نيويورك، تتضمن تفاصيل الأخبار وتعليماتهما بإبلاغ صانعي السياسة في الولايات المتحدة بما يحدث.

 

 

 

كيسنجر: لا تبدأوا الحرب

في الساعة 08:05 صباحا، عقدت مائير في مكتب رئيس الوزراء في تل أبيب مشاورات مع موشيه ديان، وزير الدفاع، ودافيد العازار (دادو) رئيس أركان الجيش، وإيلي زعيرا، رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، والوزيران يسرائيل جليلي وإيجال ألون اللذان تم استدعاؤهما من منزليهما.

 

في وسط النقاشات الأمنية كان هناك موضوعان، الأول وهو مسألة نطاق تعبئة الاحتياط التي كانت موضع جدل، حيث أيد رئيس الأركان تعبئة واسعة للتشكيل القتالي، ولم يقترح وزير الدفاع سوى تعبئة جزئية في هذه المرحلة.

 

أما المسألة الثانية فكانت إمكانية توجيه ضربة عسكرية استباقية، وقد عرض رئيس أركان الجيش المزايا الكامنة في مثل هذه الخطوة التي من شأنها تدمير سلاح الجو السوري، وإلحاق الضرر بنظام الصواريخ المضادة للطائرات، والسماح بحرية العمل للقوات الجوية عند اندلاع القتال.

 

ولكن تًرك القرار في هاتين النقطتين لرئيسة الوزراء.

 

فيما يتعلق بالتجنيد، قررت مائير دعم موقف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لأنه، على حد تعبيرها، "إذا كانت هناك حرب بالفعل، فيجب أن نكون في أفضل حال".

 

أما فيما يتعلق بالضربة الاستباقية، فقد عرضت مائير الصعوبات السياسية التي تنطوي عليها لكنها أجلت القرار لبقية اليوم.

 

وفي الواقع، قررت غولدا مائير عدم الموافقة على الضربة الاستباقية.

 

وعلى افتراض أن إسرائيل ستحتاج إلى مساعدات أمريكية كبيرة، سياسية وعسكرية، في الأيام المقبلة، فإنه -بحسب الوثائق- كانت نصيحة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر التي أعطيت لسفير إسرائيل في واشنطن، إسحاق رابين:

"ينبغي عدم الوصول أبدًا إلى وضع تتهم فيه إسرائيل بأنها هي التي بدأت الحرب، وبالتالي تقف في وضع غير مريح بشكل واضح فيما يتعلق بتلقي المساعدات السياسية والعسكرية من الولايات المتحدة".

 

 

 

في الساعة 10:15 التقت مائير بسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل كينيث كيتنغ وأطلعته على ما يحدث.

 

وردا على سؤال صريح من السفير، تعهدت مائير، وفق الوثائق، بأن إسرائيل لن تقوم بضربة استباقية "على الرغم من أن هذا كان سيجعل الأمر سهلا للغاية بالنسبة لنا"، ولكن "يجب على مصر وسوريا أن تعلما أن إسرائيل تعرف نواياهما وتنوي القيام بصد الهجوم وتوجيه ضربات مؤلمة لهم" على حد قولها.

 

وأعربت مائير عن ثقتها في أن إسرائيل ستفوز بالمعركة، واقترحت أن يحاول الأمريكيون التحدث مع المصريين والسوفييت لمحاولة منع اندلاع الحرب، كما ورد في برقية إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن.

 

  ودُعي سفراء الدول الأخرى إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية لتلقي التقارير والتحديثات.

 

 

 

أمرت مائير مدير عام مكتبها ومستشارها السياسي الذي أصبح لاحقا سفير إسرائيل لدى واشنطن سيمحا دينيتز، الذي كان في إسرائيل بمناسبة وفاة والده، بالإسراع والعودة إلى واشنطن وبذل كل ما في وسعه لتسريع توريد المعدات العسكرية إلى إسرائيل.

 

في الساعات التالية، وردت تقارير من السفارة الإسرائيلية في واشنطن بأن وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر بدأ تحركات دبلوماسية قوية لمنع الحرب.

 

وفقا لرسالة كيسنجر فإنه تم نقل تحذيرات مائير بشن هجوم استباقي إلى السوفييت، الذين وافقوا أيضًا على التعاون، وإلى المصريين.

 

وقال كيسنجر: "لقد تحملنا المسؤولية عن أنفسنا بأنه لن يكون هناك أي إجراء استباقي من جانبكم".

 

توقعات الحرب الساعة 18:00

في الساعة 12:00 بدأ اجتماع حكومي عاجل. تم نقل وزراء الحكومة إلى الاجتماع من منازلهم في منتصف "يوم الغفران".

 

وفقا للوثائق، فقد استعرض وزير الدفاع ديان، خلال الاجتماع، المعلومات المتعلقة بتوقع اندلاع الحرب في الساعة 18.00 واستعدادات الجيش الإسرائيلي للهجوم العربي، وكان ذلك بمثابة مفاجأة لعدد من الوزراء الذين لم يكونوا مطلعين على الأمر في الأيام التي سبقت ذلك.

 

وأوضحت مائير الاعتبارات السياسية التي جعلتها تقرر عدم توجيه ضربة استباقية، "حتى لا يتم تصوير إسرائيل على أنها من بدأت الحرب، ولضمان الدعم السياسي في المستقبل، على الرغم من أنني أقر وأعترف بأن قلبي منجذب جدًا إليه."

 

 خلال النقاش الذي دار في الاجتماع حول كيفية التصرف تجاه السوريين لو أطلق المصريون النار فقط، فاجأت مائير الوزراء بقولها إنه ليس من المؤكد على الإطلاق متى ستبدأ الحرب ومن الممكن أن تكون المعلومات عن اندلاعها حوالي الساعة 18:00 خطأ.

 

 

 

ولكن بدأت الحرب أثناء الاجتماع

  وبينما كانت مائير تتحدث عن توقعاتها بشأن موعد اندلاع الحرب، سمع صوت إنذار يتصاعد صعودا وهبوطا، ودخل سكرتيرها العسكري إسرائيل ليئور وأبلغ أن السوريين فتحوا النار وربما المصريين أيضا.

 

ردت مائير بالقول: "إذن ما زالوا يفاجئوننا.. ويزعجني أنهم فاجأونا"، وكررت ذلك عدة مرات في الساعات التالية، وفق الوثائق.

 

 يذكر أنه منذ لحظة وصول مائير إلى مكتبها في تل أبيب الساعة 07:30 صباح يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، بدأ مدير مكتبها إيلي مزراحي، التدوين في دفتر ورقي كل ما حدث في المكتب وكل شيء قيل هناك.

 

واستمرت هذه الممارسة طوال أيام الحرب، وباتت تقدم توثيقًا نادرًا لما حدث في المكتب خلال الأيام الفعلية للحرب، و إدارة الحرب من قبل المستوى السياسي.

 

تتيح المذكرات إلقاء نظرة على الأعمال الدرامية والمشاعر والمناقشات والعلاقات الشخصية التي رافقت هذه التحركات.

 

 

 

الحرب بدأت الساعة 14:00

قطعت صافرات الإنذار التي انطلقت في الساعة 14:00 صمت يوم الغفران.

 

وتقول الوثائق: "سمع سكان شمال البلاد جيداً صوت المدفعية السورية الذي بدا وكأنه رعد متواصل" وأضافت: "من دولة منغمسة في شؤون صوم يوم الغفران، تحولت إسرائيل فجأة إلى دولة في حالة جنون الحرب".

 

وأعلنت محطات البث الإذاعي اندلاع الحرب وزادت نداءات تجنيد الاحتياط التي أذيعت على الراديو من أجواء الحرب.

 

وفي الساعة 18:00 تم بث إعلان رئيسة الوزراء مائير في الإذاعة والتلفزيون.

 

وفي كلماتها تحدثت مائير عن اندلاع القتال، وعن حقيقة أن إسرائيل لم تتفاجأ، وعن الأخبار المبكرة التي تراكمت عن نية العرب الهجوم وتعبئة الاحتياط الجارية، وأعربت عن ثقتها في انتصار إسرائيل، وناشدت المواطنين أن يتحلوا بالصبر ويتفهموا الصعوبات التي ستنشأ وأن يتصرفوا كل واحد بأقصى ما في وسعهم.

 

 واختتمت: "نحن واثقون من كل قلوبنا بروح وقوة الجيش الإسرائيلي في هزيمة العدو".