بعد طول تردد وتحفظات، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على تشكيل قوة بحرية جديدة، للمشاركة في مهمة "حارس الازدهار" ضد المتمردين الحوثيين اليمنيين في البحر الأحمر، وذلك بهدف حماية طرق أمن الشحن الدولي المدني والتجارة العالمية بين آسيا وأوروبا.
وتأتي هذه الخطوة بعد تحفظات عن الفكرة، حيث تستهدف التعاون مع التحالف القائم لتسريع الضربات العسكرية في ضوء التوترات في تلك المنطقة وتداعياتها على الاقتصاد الأوروبي، على أن تكون الخطوات التالية مناقشة وزراء خارجية دول التكتل يوم 22 كانون الثاني (يناير) الجاري ترتيبات المهمة الجديدة بهدف إطلاقها في شباط (فبراير) على أبعد تقدير... ليثير هذا التغير في الموقف الأوروبي التساؤلات حول أسبابه.
رأس السنة الصينية
يبدو واضحاً أن إعادة النظر الأوروبية في المشاركة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، يعود أيضاً لحقيقة أن رأس السنة الصينية الجديدة ستبدأ في العاشر من شباط، والشركات الآسيوية ستكون مغلقة في هذه الفترة لمدة تصل إلى أربعة أسابيع. وفي الإطار، تفيد القراءات السياسية والاقتصادية بأنه لهذا السبب ترغب الشركات الأميركية والأوروبية في ملء مستودعاتها قبل ذلك الوقت، وتكثيف العمليات ضد الحوثيين يمكن أن يساعد في ضمان النقل السريع للبضائع قبل توقف المصانع في أجزاء من آسيا مع دخولها في العطلة.
ووفقاً لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، فإن حركة سفن الحاويات في البحر الأحمر تراجعت بنسبة 70 بالمئة، وهذا له عواقب كبرى وتسبب باضطرابات في التجارة العالمية مع اتخاذ سفن الشحن طرقاً تحويلية طويلة لتفادي المخاطر هناك.
وألمانيا من أكثر الدول تأثراً في أوروبا، حيث ظهرت أولى تداعيات أزمة الشحن على شركات صناعة السيارات، مع إعلان شركة "تسلا" الأميركية توقف الإنتاج في مصنعها الموجود في ولاية براندبورغ الألمانية بسبب النقص في سلاسل التوريد، كما أنه في متاجر "أيكيا" السويدية بات يتعين على العملاء الألمان الانتظار لفترة أطول للحصول على أثاثهم. وجراء ذلك، حذر اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية من نقص الإمدادات من آسيا.
أما بخصوص مبيعات التجزئة، فرأى الخبير الاقتصادي يورغ فوندر في مقابلة مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن الوضع لا يزال تحت السيطرة لأن شركات السلع الاستهلاكية استفادت من تجربة جائحة كورونا ومدى أهمية جعل سلاسل التوريد أكثر مرونة واستقلالية عن الاضطرابات المفاجئة، وأضحى هناك المزيد من نقاط التسليم الأوروبية، ولم تعد حصرية من آسيا. موضحاً في الوقت نفسه، بأنه لا يمكن بالمطلق تغيير سلاسل التوريد العالمية الت بُنيت على مدى عقود "بين ليلة وضحاها".
وعن أهمية مشاركة دول التكتل في المهمة، اعتبر فوندر أن المشاركة الأوروبية يمكن أن تغير شيئاً ما على المدى المتوسط، وأن تسهم في إعادة الوضع نسبياً إلى طبيعته، ما يجعل التجارة بين أوروبا وآسيا مرة أخرى أسرع وأرخص كلفة، قبل أن يشدد على أهمية التخزين في المستودعات في أوروبا، والبحث أيضاً عن قنوات شراء بديلة بينها دول من شرق أوروبا.
فرقاطات وأنظمة إنذار مبكر
ورغم أنه لم يتم تحديد عدد الدول الأوروبية التي ستشارك في المهمة، إلا أنه وفقاً للمعلومات الواردة من بروكسل، فإن اللجنة السياسية والأمنية التابعة للمجلس الأوروبي والمعنية بالسياسة الخارجية والدفاعية قدمت دعمها المبدئي، وناقشت مفهوم الأزمة ووضعت المقترحات الأولية للتدخل في المهمة العسكرية في منطقة العمليات في البحر الأحمر للمساهمة بصد الهجمات التي ينفذها الحوثيون على سفن الشحن الغربية.
ويتضح أن التوجه الحالي هو لإرسال ما لا يقل عن 3 فرقاطات وتجهيز البحرية بمعدات دفاع جوي ذات قدرات متعددة، إلى جانب طائرات بدون طيار ومروحيات هجومية لمرافقة السفن التجارية في رحلتها والتصدي لهجمات الحوثيين.
ومن المقرر أن يتم تجهيز البحرية بمعدات دفاع جوي ذات قدرات متعددة، بما في ذلك أنظمة الإنذار المبكر وطائرات الاستطلاع والمراقبة عبر الأقمار الاصطناعية. وأفادت صحيفة "دي فيلت" بأن أولى الخطوات المرتقبة للمهمة البحرية الجديدة للاتحاد الأوروبي - بحسب دوائر مطلعة في برلين وبروكسل - ستتمثل في إرسال الفرقاطة الألمانية "هيسن أف 124" في الأول من شباط المقبل.
مشاركة الجيش
وفي ظل الحديث عن أن هناك دولاً ليس لديها رغبة في المشاركة بالمهمة، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تقف حجر عثرة أمام تفويض التكتل الأوروبي، أعلنت ألمانيا استعدادها واهتمامها بالمشاركة إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وكندا وأستراليا بكثافة في كيفية تعزيز الوضع والمساهمة في توفير الأمان والاستقرار للملاحة البحرية في البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين المدعومين من إيران، والتي دأبت على مهاجمة السفن مهاجمة متكررة وخطيرة، ما دفع بشركات الشحن الكبرى لتجنب هذا المسار البحري واعتماد ممرات أخرى أطول ما سيكبدها المزيد من التكاليف والوقت، إلى جانب خلق عقبات أمام الحركة التجارية مع النقص في سلاسل التوريد، وما لذلك من تبعات على الوضع الاقتصادي في أوروبا وألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا.
وبما أن مشاركة الجيش الألماني في المهمة تتطلب موافقة البوندستاغ أولاً، ربط يوهان فاديفول نائب رئيس كتلة الاتحاد المسيحي، أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ، في حديث مع شبكة التحرير الألمانية، موافقة كتلة حزبه على نشر الجيش الألماني في البحر الأحمر بشروط، موضحاً أن "تأمين طرق الشحن الدولية له أهمية كبيرة بالنسبة لألمانيا، ومنفتحون على الموافقة على فكرة المشاركة في التحالف المناهض للحوثيين، لكن بعد تقديم الحكومة الفدرالية المعلومات الشاملة والإيضاحات حول تقييمها للوضع العام في الشرق الأوسط والأهداف الاستراتيجية للنشر المحتمل للبوندسفير (قوات الجيش)".
وذكرت وزيرة الخارجة أنالينا بيربوك أخيراً أنها تأمل التوصل إلى اتفاق سريع بشأن مهمة الاتحاد الأوروبي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر، ولكنها لم ترغب في تحديد الشكل الذي قد تبدو عليه مشاركة الجيش الألماني.