في ذكرى الوحدة.. جريمة عدوانية كبرى إعادة الإعمار أولى بالمليارات التي صرفها تجار الموت والحروب شركاء الوحدة هربوا إليها ثم هربوا منها وراهنوا على خيار القوة إيقاف الصراع الراهن يستوجب مشروعا وطنيا جامعا لكل القوى
قال الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، إن ذكرى تحقيق الوحدة اليمني أتت ومدينة عدن التي شهدت دخول الكهرباء إليها قبل مائة عام قد أصبحت تعاني من انعدام الخدمة وترزح تحت وطأة الأزمات المعيشية الطاحنة.
جاء ذلك في رسالة وجهها الرئيس علي ناصر اليوم الثلاثاء إلى كل القوى الوطنية وللشعب اليمني بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لإعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وقال فيه: "كانت اللحظة التي أُعلِنت فيها الوحدة من عدن التي كان أبناؤها وطلابها يهتفون للوحدة كل صباح، لحظة تاريخية شديدة الأهمية والخطورة بالنسبة لليمن والمنطقة وباقي الأمة العربية، وتأتي هذه المناسبة وعدن التي دخلت فيها الكهرباء قبل 100 عام تختنق بنار الحر والرطوبة بسبب حرب الخدمات الممنهجة والقاتلة، إنها جريمة عدوانية كبرى وما ينطبق على عدن ينطبق على بعض المدن في الجمهورية ونطالب اليوم وليس غدا بإطفاء الحرائق في عدن وبقية المدن اليمنية وإعادة النور والسرور الى هذا الشعب العظيم".
وأضاف: "نحن نرى أن الأولى كان أن يتم تركيز الاهتمام على إعادة الإعمار بدلاً من المليارات التي صرفت في هذه الحرب من قبل تجار الموت والحروب والسلاح. للعلم أننا قد مررنا بمثل هذه الأزمة في الثمانينات ولكننا حرصنا حينها على ألا ينقطع الضوء في المنازل ولا أن توقف الثلاجات ولا المراوح وأطفأنا حتى المكيفات واتخذنا بعض المعالجات التي حالت دون انقطاع الكهرباء آنذاك حتى أن زايد الخير رحمه الله ساهم بحل الأزمة بشكل نهائي بإقامة محطتين للكهرباء في خورمكسر والمنصورة، ونحن لا نمنّ على شبعنا بذلك فهذا واجبنا كمسؤولين في خدمة الشعب والوطن".
وخاطب الرئيس ناصر الشعب اليمني قائلا: "لقد كاد اليأس ينال من الأمة بسبب الفشل الذي منيت به محاولات التوحيد أو الوحدة خلال فترات سابقة (الوحدة المصرية السورية، والاتحادات العربية في المشرق والمغرب) إلى الحد الذي كادت تفقد الأمل بتحقيق هذا الهدف العظيم، حتى جاءت المفاجأة من اليمن التاريخ والحضارة يمن الفتوحات الإسلامية الذي لطالما فاجأ الأمة بعنفوانه حتى في أشد حالات الوهن، التي تعيد له ولها الأمل بالمستقبل، ولهذا فنحن نعتبر قيام الوحدة اليمنية بداية للثورة الحقيقية في اليمن، وبداية صياغة اليمن الجديد وطناً وشعباً وتاريخاً ومستقبلاً، وانتصاراً لإرادة شعبنا اليمني العظيم الذي بارك قيام الوحدة دون حتى الاستفتاء عليها وفقا للدستور، وكان ذلك منطقياً لأنه رأى فيها تحقيقاً لحلم عظيم وهدف نبيل لطالما عاشه وناضل في سبيله، وكان مستوعباً لدلالته الاستراتيجية الذي حمله لذلك تأييده ومباركته للوحدة، إذ رأى فيها أنها تمنحه القوة والمنعة في مواجهة المصاعب والتحديات في محيط لا يحتمل الضعف والهوان، وفي نفس الوقت فرصة تاريخية لتوظيف واستثمار عناصر قوته البشرية والمادية والثقافية، فيضع خططه التي تجعل له مكاناً مرموقاً بين الأمم والشعوب، لكن مع الأسف أن الموقعين على الوحدة هربوا إليها ثم هربوا منها، ولم يحسبوا حسابات المستقبل، فكان الحدث الوحدوي العظيم أكبر من تقديراتهم وحساباتهم الضيقة، المتمثلة في تقاسم السلطة والثروة، ورهانات الربح والخسارة الشخصية، والحزبية فجرى الالتفاف على هذا الهدف الاستراتيجي العظيم ومحاولة حرفه عن مساره والانسياق وراء الخلافات والصراعات بين الموقعين على الوحدة، وبدلاً من وضع استراتيجية للتنمية تحشد العناصر والقوة المادية والبشرية التي صنعتها الوحدة المباركة، ومعالجة الاختلالات التي رافقت قيام الوحدة التقاسمية وما أنتجته الفترة الانتقالية المحدودة، وقد راهنوا على خيار القوة واللجوء إلى السلاح وتحت ضغط القوى الوطنية والجماهير التي رأت بحدسها السياسي والوطني الخطر الذي يحيق بالوطن والوحدة، أذعنوا للاحتكام إلى الحوار الذي انبثق عنه التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمان 1994، من قبل كل الأحزاب والشخصيات الوطنية والاجتماعية وبرعاية جلالة الملك حسين رحمه الله، وكانت هذه الوثيقة تحمل مشروعا وطنيا لبناء الدولة الجديدة، لكن جرى الالتفاف عليها قبل أن بجف حبرها، من قبل الطرفين الرئيسين في الصراع اللذين لم يكونا صادقين لا في توقيع اتفاقية الوحدة ولا في توقيع هذه الاتفاقية التي اجتمعت عليها كل القوى الوطنية والاجتماعية مما أدى إلى حرب 1994م، فكان أن دفع اليمن والشعب ثمن هذه الحماقة، وكانت الكلفة غالية جداً، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم ونحن ندفع الثمن لأن بعض السياسيين بكل أسف لم يستشعروا الأهمية الاستراتيجية للوحدة، ولا قدرة شعبهم على مدى تحمل كلفة صراعاتهم وحروبهم العبثية في الوطن وعلى الوطن، وأدت رهاناتهم وأطماعهم الى النتائج الكارثية التي نراها، وأصبح في اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من برلمان وأكثر من جيش، وها هي الحرب تدخل عامها العاشر مع كل ما حملته من خسائر، وبحسب الأمم المتحدة، أودت هذه الحرب في اليمن، حتى 2021، بحياة 377 ألف شخص، وألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر قدر بـ126 مليار دولار، في حين بات 80 % من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
دون أن نرى أفقاً ملموسا لوقف الحرب ونهر الدماء ووضع نهاية للرهان على قوة السلاح بكل ما يحمله من تدمير وتمزيق لرقعة الوطن ونسيجه الاجتماعي، والرهان بدلا من ذلك على السلام بكل ما يعنيه من أمل بالمستقبل وإعادة اللحمة الوطنية التي مزقتها الحروب والسياسات الخاطئة التي تخرج على الناس من أبواب لا تؤدي إلا إلى مزيد من الضعف والشتات وإعادة إنتاج السياسات والكيانات التي ثبت فشلها وعدم جدواها في الماضي ولن يكون لها نصيب من النجاح في الحاضر ولافي المستقبل".
واستطرد: "نحن اليوم بحاجة إلى مشروع وطني، تشترك في صياغته كل القوى الوطنية والاجتماعية في اليمن دون استثناء دون إقصاء لأحد، يضع بعين الاعتبار الخيارات الكبرى سياسية واقتصادية وأمنية على رأس أولوياته وقف الحرب واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد وتشكيل حكومة انتقالية اتحادية لمدة من خمس إلى سبع سنوات يجري خلالها استعادة الدولة ومؤسساتها والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية والاتفاق على الدستور بشكله النهائي بما يستجيب لمصالح الشعب اليمني العظيم وقد حان الوقت لأن تنتهي هذه الحروب بما يؤدي لاستقرار اليمن واستثمار خيراته وثرواته الهائلة، ففي استقرار اليمن استقرار لدول المنطقة بل للعالم كله، وأكدت أكثر من مرة بأننا ندفع ثمن الموقع الاستراتيجي لليمن في باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي والقرن الأفريقي وجزيرة العرب، لهذا نناشد الأشقاء والأصدقاء دعم جهود السلام ودعم اليمن سياسياً واقتصادياً لكي يتمكن من استثمار خيراته وثرواته الهائلة، فاليمن يشكل العمق الاستراتيجي لدول المنطقة وقد عبّر عن ذلك اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية السابق رحمه الله في أحد لقاءاتي معه حين أكد حينها أن اليمن الموحد هو عمقنا الأمني والاستراتيجي بحكم وجود باب المندب وقناة السويس".
واختتم الرئيس علي ناصر محمد رسالته بالقول: "تمر ذكرى الوحدة اليمنية مع الحرب التي دخلت عامها العاشر كما أشرنا وغزة والمدن الفلسطينية تعاني من حرب الإبادة والتدمير والتجويع والتهجير منذ أكثر من 7 أشهر، حيث راح ضحيتها أكثر من 115000 بين شهيد وجريح في ظل صمت عربي وإسلامي ودولي إلا صوت الجماهير في العالم وفي مقدمتهم الطلاب، ونحن إذ نؤكد وقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الصامد منذ 1948 حتى اليوم حتى الانتصار وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ونطالب بوقف الحروب في ليبيا وسورية والسودان والصومال والعراق وإحلال السلام فيها لأن استقرار المنقطة العربية هو استقرار للعالم كله. في الختام أهنئ شعبنا اليمني العظيم بعيد الوحدة وأتمنى من الله القدير أن يعيده علينا وعلى وطننا وشعبنا وقد أعدنا لهذا اليوم ألقه وعنفوانه وتحقق فيه السلام والوئام والعدالة والمساواة والحقوق المتساوية".