حرب اليمن تزيد حالات انتــحـــار الأطفال

محليات
قبل 5 أشهر I الأخبار I محليات

يشهد اليمن ارتفاعاً في حالات انتحار الأطفال نتيجة الحرب التي فرضت عليهم العيش في ظروف صعبة وسط انعدام الأمان والموت والعنف، عدا عن اضطرارهم إلى تحمل مسؤوليات كثيرة.

قبل فترة، أقدمت الطفلة حنين (11 عاماً) على الانتحار بعدما رمت نفسها من الدور الخامس في العمارة التي تسكن فيها مع أسرتها في حي السنافر التابع لمديرية المنصورة في مدينة عدن جنوب غرب اليمن. وكان السبب تراجع معدلها في المدرسة بمقدار درجتين فقط عن المعدل النهائي الذي اعتادت الحصول عليه خلال سنوات دراستها السابقة.

أحد أقارب حنين الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، يقول  إن "حنين تنتمي إلى أسرة فقيرة، وتحرص الأم دائماً على متابعة بناتها في المدرسة، وسألت حنين عن دفتر العلامات الدراسية، فأجابتها بأن المدرسة لم تعطهم النتائج بعد. ذهبت الأم إلى المدرسة لتتأكد، وأخبرت التلميذات حنين أن أمها موجودة في إدارة المدرسة، فعادت الطفلة إلى البيت وصعدت مع دفاترها وكتبها وحقيبتها إلى الطابق الخامس، وقالت لشقيقتها (15 عاماً) إنها سترمي الحقيبة ونفسها من فوق، وهذا ما حصل فتوفيت على الفور".

أما الطفل زياد (اسم مستعار)، الذي لم يتجاوز عمره التسع سنوات، ويعيش في منطقة اشتباكات بين الجيش اليمني وجماعة أنصار الله الحوثيين، فقد قتل والده خلال قتاله على الجبهة.

ولأن زياد أكبر أخواته، اضطر إلى تحمل مسؤولية أسرته التي فقدت معيلها. ترك الدراسة واضطر إلى العمل لتأمين قوت أسرته، إلا أنه شعر بأنه غير قادر على تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه. واقع جعل زياد يعاني من أزمة نفسية واكتئاب. حاول الانتحار قبل أن ينقذه أبناء المنطقة الذين جمعوا مبلغاً من المال وأخذوه إلى الطبيب النفسي لتلقي العلاج.

خضع للعلاج وتماثل للشفاء، وبقي تحت رقابة واهتمام أبناء المنطقة الذين أنشأوا مشروعاً صغيراً لزياد هو عبارة عن محل لبيع الخضار والفاكهة.

 

استمرار الحرب في اليمن منذ تسع سنوات ضاعف من حجم الآثار النفسية التي انعكست على سلوكيات الأطفال، وتسببت لهم بصدمات نفسية وصولاً إلى الانتحار.

ويقول الطبيب المتخصص في الاضطرابات النفسية والعقلية وعلاج الإدمان، سعيد القدسي، الذي أشرف على علاج زياد، لـ "العربي الجديد"، إن هناك عدداً من الأسباب التي قد تدفع الطفل للانتحار، مثل تحمل المسؤولية في سن الطفولة، أو تعاطي الطفل للمواد المخدرة مثل الحشيش ومخدر الشبو أو المواد المنبهة مثل القات، والصحبة السيئة، أو تعرض الطفل للتحرش أو الاغتصاب، بالإضافة إلى انفصال الأبوين وإهمال الأطفال وعدم مراقبتهم".

يضيف القدسي أن "الحروب تؤثر بشكل كبير على نفسية الطفل، إذ تحرمه من عيش طفولته بسلام. في المقابل، يعيش ظروفاً قاسية تجعله عدوانياً.

 

وفي النتيجة، يعجز عن متابعة تعليمه وتطوير نفسه، ويشعر بخوف وقلق واكتئاب. ويعاني بعضهم تأخراً في النمو العقلي والبدني والعاطفي، وصعوبة في الاندماج في المجتمع، وعجزاً عن بناء روابط عاطفية مع الآخرين، ويصبحون غير قادرين على التعامل مع المجتمع".

كما يشير القدسي إلى أن حماية الأطفال من الانتحار تتم من خلال توفير الرعاية الصحية المناسبة، واحتواء الأطفال، ومراقبة الأهل، وتوفير التعليم المناسب وبيئة العيش الخالية من أي عوامل يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية للطفل.

مشاهد الحرب التي تشهدها البلاد عمّقت ثقافة العنف لدى الأطفال الذين يقلدون مشاهد الحرب، عدا عن نظرتهم السوداوية لكل ما حولهم.

 

كما أن الحرب تؤدي إلى ابتعاد الأطفال من التعليم، وتفقدهم الشعور بالأمان، وتزيد من مشاعر الإجرام والانتقام لديهم. ويتعرض مئات آلاف الأطفال في اليمن لتأثيرات نفسية مختلفة نتيجة الحرب، ويعانون من القلق والخوف المستمر والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، والاضطراب الانفجاري المتقطع، والانفصام، والصدمات النفسية والعصبية، ولما سبق تأثير كبير على الأطفال على المدى الطويل، ما قد يدفع الأطفال إلى الانتحار. 

 

من جهته، يقول مسؤول العلاقات العامة في وزارة الداخلية اليمنية، العقيد فيصل العديني،، إنه ما من إحصائيات دقيقة عن عدد حالات انتحار الأطفال في اليمن، وخصوصاً أنه لا يتم التبليغ عن معظم هذه الحوادث. وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية، إلا أن وسائل الإعلام تنشر أخباراً تتعلق بإقدام أطفال على الانتحار مراراً.

في يناير 2022، أقدم طفل يدعى س. أ (15 عاماً)، في عزلة خولان بمديرية مذيخرة جنوب غربي محافظة إب وسط اليمن، على الانتحار في ظروف غامضة. وفي مارس/ آذار 2022، أقدم طفل على الانتحار في إحدى مناطق يافع التابعة لمحافظة لحج جنوبي البلاد، بسبب تعرضه للضرب من قبل أسرته.

وفي قرية ذي يزن في مديرية الشعر في محافظة إب وسط البلاد، عثر على طفلين مشنوقين في ظروف غامضة. الطفل علي عبد الإله محمد عبده المحن (13 عاماً) اختفى فجأة قبل العثور عليه مشنوقاً في سيارة والده.

 

كما عثر على الطفل محسن محمد بن محمد المحن (12 عاماً)، أحد أقارب المحن، مشنوقاً ومعلقاً في إحدى ستائر المنزل الذي تسكن فيه أسرته وقد لُفت الستارة حول عنقه.

وفي مايو 2022، عثر على الطفل أ. ع (12 عاماً) مشنوقاً في منطقة الحمادي في مديرية مذيخرة جنوب غربي محافظة إب.

وفي سبتمبر 2022، أقدم طفل يدعى م.أ (12 عاماً)، وهو من أبناء منطقة صهبان في مديرية ريف إب، على الانتحار من خلال إطلاق النار من بندقية على قلبه ليتوفى على الفور.

 

وفي أكتوبر عام 2022، انتحر الطفل محمد مطيع محمد هادي (12 عاماً) في منطقة الحبيلين في محافظة لحج. ونهاية عام 2022، أقدمت الطفلة رغد على الانتحار في منطقة حوض الأشراف وسط مدينة تعز.

وفي يناير 2023، انتحر طفل في عزلة العزاعز التابعة لمديرية الشمايتين بريف تعز، وآخر من خلال إطلاق النار على نفسه في منزله في منطقة عصيفرة شمال مدينة تعز.

وفي نهاية يناير 2023، أقدم الطفل كريم عبد الكريم محمد (12 عاماً)، القاطن في حي الجمهوري في تعز، على الانتحار عن طريق خنق نفسه بقطعة قماش.

كما أقدم الطفل عمار خالد إسماعيل (16 عاماً)، والقاطن في حارة الدار في بئر باشا، على الانتحار عن طريق لف حبل على رقبته وربطه على خشبة باب في حوش المنزل، ما أدى إلى وفاته على الفور. وفي فبراير 2023، أقدم الطفل مطيع خالد البحري (16 عاماً) على الانتحار شنقاً في منطقة حبابة في مديرية ثلاء في جنوب مدينة عمران شمالي البلاد.

وفي إبريل 2023، أقدم الطفل م. س (عشر سنوات) على الانتحار في حي مذبح وسط صنعاء، بعدما شنق نفسه تحت عمارة سكنية. وفي يوليو 2023، أقدم طفلان على الانتحار في مدينة يافع محافظة لحج في حادثتين منفصلتين. كما شنق الطفل بدر عبد الرب قاسم (12 عاماً) نفسه بواسطة حبل معلق ما أدى إلى وفاته.

 

كما أقدم الطفل محمد ياسر محمد أحمد الذي يسكن في قرية آل بن سعن في لبعوس، على الانتحار عن طريق لف حبل على رقبته ما أدى إلى وفاته على الفور.وفي يوليو 2023، أقدم الطفل أحمد الحسيني (14 عاماً) على الانتحار بسبب وضع أسرته المعيشي وعجزها عن توفير الطعام، وذلك في محافظة عمران شمالي البلاد.

 وفي أغسطس 2023، عثر أهالي منطقة وادي حنا في مديرية جبل حبشي في ريف تعز على الطفل إبراهيم محمد أمين (12 عاماً)، مشنوقاً فوق شجرة أمام أحد المنازل، وذلك بعد أيام على إقدام طفلة على شنق نفسها في منطقة العدف في المديرية ذاتها. كما أقدم طفل (13 عاماً)، وهو من قرية جوحان قدس في ريف تعز، على الانتحار.

 

إبراهيم الزبيري، عم الطفل جهاد الذي انتحر في قرية جوحان في عزلة قدس بريف تعز، يقول لـ "العربي الجديد" إن الطفل جهاد (13 عاماً) كان يلعب مع أقرانه في القرية، ودخل في عراك مع أطفال من أقاربه. وحين عاد إلى المنزل، تعرض للضرب من قبل والدته فأقدم على الانتحار، مشيراً إلى أن المنطقة شهدت عملية انتحار مشابهة في القرية المجاورة قبل بضع سنوات.

إلى ذلك، تقول رئيسة منصة إكسير المتخصصة في قضايا الطفولة، آية خالد، لـ "العربي الجديد"، إن وسائل التواصل الاجتماعي هي أحد أسباب إقدام الأطفال على الانتحار، بالإضافة إلى الألعاب الإلكترونية، إذ يحاول الطفل تطبيق ما يلعبه أو يعيشه، عدا عن أعمال العنف والجرائم التي تتكرر بشكل يومي، بالإضافة إلى سهولة الحديث في البلاد عن الموت والقتل والانتحار".

وتشير إلى أن الطفل اليمني اليوم يعيش واقعاً سيئاً على كل المستويات، وأسوأ بيئة حالياً للأطفال هي البيئة اليمنية. طفلنا اليوم يعيش واقعاً صعباً على المستويات النفسية والصحية والتعليمية والاجتماعية. الطفل اليمني يدفع ثمن حرب لا علاقة له بها، وقد حرم من كل الحقوق البسيطة المكفولة له قانونياً وحقوقياً. وكل يوم وضعه يسوء أكثر نتيجة استمرار الحرب".

 

وترى أن حماية الأطفال تتمثل في تجنيبهم الصراعات التي لا علاقة لهم فيها. "نرجو أطراف الصراع إخراج الأطفال من الدائرة المستهدفة في الحرب. فالطفل يحتاج إلى بيئة أسرية وجو عائلي هادئ يمكنه من العيش باستقرار بعيداً عن الحرب في الخارج. يحتاج الطفل إلى حضن أسرة من دون خلافات مستمرة تفقده توازنه العاطفي".

من جهته، يقول ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في اليمن، بيتر هاوكنز: "قُتل وجُرح أكثر من 11000 طفل في اليمن (3774 قتيلاً و7245 جريحاً حتى ديسمبر 2022) منذ تصاعد النزاع في مارس 2015، وهذه هي الأرقام التي تمكنت الأمم المتحدة فقط من التحقق منها"، لافتاً إلى أن "إجمالي عدد الأطفال المحتاجين للمساعدة في اليمن هو 11.1 مليوناً، أي أن أربعة من كل خمسة أطفال في اليمن بحاجة للمساعدة".

وبحسب تقرير أممي نشر نهاية عام 2022، أظهرت إحصاءات أن أعداد ضحايا حرب اليمن من الأطفال ارتفعت إلى 11 ألفاً بينهم أكثر من 3700 قتيل، فيما ارتفعت أعداد الأطفال المجندين إلى حوالي 4 آلاف بينهم 91 فتاة. وأشارت يونيسف في تقريرها إلى مقتل 3774 طفلاً وإصابة 7245 آخرين.