استمراراً لحركة الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة الشرعية أواخر العام الماضي، وفي سياق قراراته التي بدأها بقرار إلزام البنوك بنقل مقراتها الرئيسة إلى عدن، جاءت قرارات البنك المركزي اليمني الأخيرة تأكيداً على إصرار السلطة الشرعية في ردع العبث الحوثي بالقطاع المصرفي.
آخر هذه القرارات تضمن إنهاء العمل بشبكات التحويلات المالية المحلية وحظر 12 محفظة دفع إلكتروني غير مرخصة من البنك، إضافة إلى سحب تراخيص ثلاث شركات صرافة لم تلتزم بقرارات البنك.
ترحيب مستمر
لقيت القرارات الأخيرة ترحيباً شعبياً في اليمن مثل سابقاتها، وعبر عشرات النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي عن ارتياحهم لاستمرار وإصرار البنك المركزي الشرعي في عدن على تضييق الخناق مالياً على مليشيا الحوثي، خاصة بعد إقدام الأخيرة على احتجاز 4 طائرات للخطوط اليمنية وهي في مهمة إعادة حجاج بيت الله الحرام إلى الوطن.
أما على مستوى ردود الفعل الرسمية فلم تصدر حتى الآن أي ردود فعل بعد يوم واحد من إصدار البنك لقراراته الأخيرة، لكن النشطاء المحليين اعتبروها امتدادا للقرارات السابقة التي رحبت بها جميع الأطراف الوطنية الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي والدول الداعمة للحكومة الشرعية.
وفي ورقة سياسات تحليلية قال مركز مداد حضرموت للأبحاث والدراسات الاستراتيجية إن قرارات البنك المركزي اليمني– عدن، تهدف إلى إنهاء العبث بالسلطة النقدية ومنع محاولات تشويه الجهاز المصرفي اليمني على مستوى الإقليم والعالم. وأضاف المركز إنه بتطبيق هذه القرارات، سيتم إنهاء وجود عملتين مستقلتين في دولة واحدة، مما سيخلق أزمة سيولة إضافية في مناطق سيطرة الحوثي التي تعاني بالفعل من نقص السيولة منذ شهر رمضان الماضي.
انتقادات لانهيار العملة
من ناحية أخرى ترافقت قرارات البنك المركزي مع انتقادات بعض النشطاء بسبب انهيار العملة الوطنية الريال في المناطق المحررة بالتزامن مع صدور قرارات البنك بإصلاح القطاع المصرفي.
ويركز المنتقدون على أن اليمنيين كانوا يظنون أن قرارات البنك بإصلاح القطاع المصرفي ستحل المشكلات الاقتصادية وتساوي سعر الصرف بين صنعاء وعدن، إضافة إلى إنهاء مشكلة عمولة الحوالات التي وصلت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ المرسل. كما كان يتوقع من القرارات أن توقف انهيار الريال أمام العملات الأجنبية، لكن سعر صرف الدولار ارتفع في المناطق المحررة من حاجز 1600 ريال إلى كسر حاجز 1800 ريال للدولار الواحد. في حين يرى نشطاء ومراقبون أن قرارات البنك تتطلب أن ترافقها حلول فعالة بخطة شاملة تتضمن إعادة هيكلة الاقتصاد، واستعادة الموارد وعلى رأسها إعادة تصدير النفط والغاز، وتحسين البنية التحتية وتعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
وحتى الآن لم يصدر عن البنك المركزي في عدن أي توضيح حول انهيار الريال بالتزامن مع قرارات الإصلاح المصرفي وإنهاء العبث الحوثي بهذا القطاع، وما إذا كان وراء هذا التدهور في سعر الصرف شبكات صرافة حوثية أو مرتبطة بمليشيا الحوثي بأي شكل.
إجراءات احترازية
قرارات البنك المركزي الهادفة لإصلاح القطاع المصرفي رافقتها إجراءات احترازية من قبل الجهات الحكومية في المناطق المحرر وخصوصا المناطق الواقعة في خطوط التماس مع مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. حيث أصدر محور تعز العسكري، التابع للجيش الوطني، تعليمات "حازمة" بالتزامن مع فتح المنفذ الشرقي للمدينة، وقال المحور إن تعليماته أصدرت في إطار تنفيذ قرارات وتوجيهات البنك المركزي اليمني الخاصة بالعملة، وتنظيم دخولها وخروجها من وإلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، ومناطق سيطرة جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب.
وجاءت التعليمات بعد أيام من فتح "طريق الكمب – جولة القصر" والتي سهلت العبور إلى مدينة تعز، بعد حصار تسع سنوات ظلت خلالها مليشيا الحوثي ترفض أي نقاش حول الطرق من وإلى المدينة. في حين تتخوف السلطات الأمنية والعسكرية في تعز من استغلال الحوثيين للطريق لتهريب العملة وللتخفيف من تأثيرات قرارات البنك المركزي في عدن عليها، خاصة بعد أن أعطى مهلة 60 يوماً لإيداع العملة الوطنية من طبعات ما قبل 2016 إلى أي فرع من فروعه في المحافظات.
ويرى مراقبون مصرفيون أن قرارات البنك المركزي في عدن بحصر التحويلات المالية من خلال الشبكة الموحدة لا يحمي الجهاز المصرفي فحسب، وإنما يمكن البنك المركزي في عدن من الهيمنة على السوق النقدية، ومراقبة حركة تدفقات النقد. كما يعتبرون أن قدرة البنك المركزي في عدن على الهيمنة على السوق النقدية يجعله قادرا على "كشف حجم النقود المتداولة وسرعة دورانها، وتحديد حجم النقود الفعلية التي لا يمكن حسابها بدون معرفة سرعة دوران الوحدة النقدية".
كما ستحد خطوة وقف شبكة التحويلات الداخلية من نشاط المضاربة لمليشيات الحوثي، وسيكون البنك المركزي في عدن قادرا على كشف أنشطة المليشيات ومواجهتها" بما يسهم في وقف انهيار الريال اليمني. في حين سيؤثر حصر التحويلات بالشبكة الموحدة "إيجابًا على ميزان المدفوعات اليمني عبر تدفق عائدات المغتربين والنقد الخارجي من مصادر مختلفة، أهمها الميزان التجاري"، وفقا للمختصين المصرفيين.
مخاوف أممية
وكانت مديرة عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة إديم ووسورنو قالت الأسبوع الماضي إن الحكومة والحوثيين يصدران "توجيهات متنافسة ومتعنتة بشكل متزايد" تحظر على الأفراد والشركات والمؤسسات المالية المحلية والدولية التعامل مع المصارف في المناطق المتنافسة.
وعبّرت المسؤولة الأممية في إفادة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن مخاوفها من إصدار البنك المركزي في عدن قرارات جديدة باستبعاد البنوك الموجودة في صنعاء من استخدام شبكة سويفت الدولية لنظام التراسل المالي، مما يمنع هذه البنوك من تسهيل المعاملات المالية الدولية، وهو ما حدث بالفعل من خلال قرارات البنك في 26 يونيو الجاري.
وأضافت ووسورنو: "إذا تم قطع البنوك في صنعاء ومناطق أخرى تسيطر عليها سلطات الأمر الواقع الحوثية عن المؤسسات والشبكات المالية الدولية، سنفقد القدرة على تحويل الأموال المطلوبة للحفاظ على العمليات الإنسانية المنقذة للحياة".
غرق حوثي في حلم العظمة
وبينما يصدر البنك المركزي في عدن قراراته تباعاً لتضييق الخناق على شبكات الأموال الحوثية، تغرق مليشيا الحوثي في الترويج لما تعتقده إنجازات خارقة في تصنيع الأسلحة، حيث تروج منذ الأربعاء لما تصفه بصاروخ "فرط صوتي" الذي يحتفي به الإعلام الحوثي كدليل على أنه يجعل من المليشيا "دولة عظمى" في مواجهة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
ومن جهة أخرى، اعتبر مراقبون الترويج الحوثي لما يصفه بالصاروخ "فرط صوتي" بالتزامن مع قرارات البنك المركزي إلغاء شبكات التحويلات المالية المحلية، رسالة من المليشيا بإصرارها على اختيار طريق التصعيد العسكري وإعادة إشعال الجبهات بالقتال.