​قيس سعيّد يوحّد المعارضة التونسيّة ضدّه... لكن إلى متى؟

محليات
قبل شهرين I الأخبار I محليات

بضعة أسابيع تفصل تونس عن انتخاباتها الرئاسية الرابعة منذ أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، التي يحاول الجميع الاستفادة منها من أجل التموضع في المشهد السياسي الذي لم يهدأ منذ إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

 

وتحشد المعارضة التونسية بكل تياراتها صفوفها بعد فترة طويلة من الغياب عن المشهد السياسي، ما يدفع إلى التساؤل: هل سيكون هذا التوحد، إذا جاز التعبير، بوابة للأحزاب والمنظمات لاستعادة حضورها مستقبلاً في المشهد العام في البلاد، أم أنها محاولة ظرفية للاستفادة من هذا الاستحقاق السياسي؟

 

وجمعت معارضة الرئيس قيس سعيّد بين عائلات سياسية مختلفة، إذ توحدت مواقف كثير من أحزاب اليمين مع أحزاب الوسط وحتى مع اليسار. وتجمع أغلب الأحزاب الناشطة حالياً على معارضة المسار الانتخابي الحالي، وأعلنت رفضها توجهات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مؤكدة أنها حادت عن دورها كطرف محايد.

 

ومنذ الإعلان عن قائمة المرشحين للرئاسة، يعرف المشهد السياسي في تونس توتراً، ودخلت هيئة الانتخابات في صراع قانوني مع المحكمة الإدارية بعد رفضها تطبيق قرارات الأخيرة بإعادة أسماء إلى السباق الرئاسي.

 

لكن هذه الوحدة بين مختلف مكوّنات المعارضة لم تكن كافية لاتخاذ موقف مشترك من الانتخابات الرئاسية أو تقديم مرشح موحد يقف الجميع وراءه، ما يؤشر، في رأي محللين، إلى أنها "وحدة هشة ومناسباتية".

 

وتقول المحللة السياسية ضحى طليق لـ"النهار العربي" إن الاستحقاقات السياسية الكبرى، على غرار الانتخابات الرئاسية، عادة ما تكون مناسبة مهمة تسعى من خلالها الأحزاب التي تكون في سبات عميق للعودة للمشهد السياسي من جديد.

 

وتشير إلى أن مثل هذه المناسبات هي فرصة يرغب الجميع في الاستفادة منها للتعبير عن آرائه ومواقفه، أملاً في كسب شرعية وجماهيرية جديدة بعدما فقدت تعاطف الشارع معها.

 

لكنها ترى أن هذا مؤشر غير جيد "ففي تونس تكوّن بعد أحداث 2011 أكثر من 200 حزب ومئات المنظمات والجمعيات الحقوقية، غير أنه لم يكن لأغلبها أي وجود ملموس على الأرض... ولكن اليوم وبمناسبة الانتخابات الرئاسية يعود بعض منها، وهو لا يملك خزاناً انتخاباً عدا أعضاء مكتبه السياسي، للإدلاء بدلوه في ما يتعلق بالشأن العام".

 

إلى ذلك، تؤكد أن أغلب الأحزاب السياسية في تونس لا تمتلك بدائل ولا تملك برامج قادرة على إقناع الشارع التونسي، لذلك فإن توحّدها لن يستمر بعد الانتخابات الحالية، وتضيف: "سيذهب كل في سبيله بعد نهاية الانتخابات، ولن تكون التكتلات الحالية بأي شكل من الاشكال أرضية لبناء ائتلافات أكبر في المستقبل قادرة على تقديم مشاريع تجد صدى لدى التونسي".

 

تجمعات وتكتلات

وقبل نحو شهر أسست ثمانية أحزاب سياسية في تونس مع سبع جمعيات "شبكة للنضال المدني"، والأسبوع الماضي أعلنت أكثر من 10 منظمات وجمعيات و8 أحزاب سياسية إحداث "الشبكة التونسية للحقوق والحريات" التي ستنظم يوم 13 أيلول (سبتمبر) الجاري أول تحركاتها الاحتجاجية، وفق ما أكده لـ"النهار العربي" عضو الشبكة وكاتب عام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان محيي الدين لاغة الذي أوضح أن الهدف من هذا التحرك هو "التنديد بما آل إليه المسار الانتخابي"، مضيفاً أن ''الشبكة ستدعم كل تحرك يتبنى توجهاتها في الدفاع عن الحريات".

 

ويقول حسامي الحامي، رئيس "ائتلاف صمود" المشارك في هذه الشبكة، لـ"النهار العربي"، إن "الوضع الذي تعيشه الصحافة والأجسام الوسيطة صعب، فالحقوق المدنية والسياسية مهددة، لذلك تم التفكير في تأسيس هذه الشبكة التي تجمع أحزاباً ومنظمات تتقاسم المواقف ذاتها مما يحدث"، مضيفاً أن "هذه الشبكة لا تطرح نفسها بديلاً سياسياً بل هي إطار للتعبير عن رفض ما يحدث والدفاع عن الحقوق".

 

وهذه أول تكتلات المعارضة والجمعيات الحقوقية في تونس منذ أحداث 25 تموز (يوليو) 2021، إذ يعرف المشهد الحزبي في تونس حالة تشرذم وانقسام.

 

وعدا "جبهة الخلاص" التي تأسست بعد أحداث تموز (يوليو) وضمت أحزاباً وشخصيات متحالفة مع "حركة النهضة" الإسلامية، وكان لها عدد من التحركات الاحتجاجية خلال العامين الماضين، ظل المشهد السياسي في تونس في حالة جمود واقتصر نشاط جل من تبقى من أحزاب على إصدار بيانات وتصريحات بين الفينة والأخرى.

 

قطيعة مع الشارع

ومنذ أحداث 21 تموز (يوليو) 2021، بدأت المعارضة تفقد مكانها في المشهد السياسي، وتدريجياً خفت صوتها ولم تعد لديها قدرة على حشد الشارع التونسي، وكثيراً ما كانت التحركات الاحتجاجية القليلة التي دعت إليها ضعيفة من حيث المشاركة الشعبية.

 

ولم يعد التونسي يلقي بالاً للحراك السياسي في بلده، ويشعر جزء كبير من التونسيين بالإحباط من الطبقة السياسية برمّتها ويُحمّلها مسؤولية الفشل في إيجاد حلول لأزماته الاجتماعية والاقتصادية.

 

وتقول المعارضة إن السبب في تراجع حضورها في المشهد السياسي هو تضييق السلطات على نشاطها وعلى حرية العمل السياسي عامةً، لكن الرئيس سعيّد كان يرد على هذه الاتهامات نافياً أن تكون هناك محاولات لإقصاء أي طرف، ومشدداً على أن الحريات مكفولة بالدستور.