الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي اغتيل الجمعة بغارة إسرائيلية مدمّرة على ضاحية بيروت الجنوبية، زعيم نافذ يتمتع بشعبية كبيرة لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، وخصم عنيد لآخرين، يعيش منذ سنوات طويلة في الخفاء لأسباب أمنية لم تمنع الدولة العبرية من تحديد موقعه وقتله.
وأعلن حزب الله السبت في بيان نبأ مقتل نصر الله الذي كان له وقع الصاعقة على أنصاره، ويثير مخاوف حتى بين خصومه من التداعيات التي يمكن أن يتسبّب فيها على المنطقة، موردا: “التحق سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم لثلاثين عاما”.
منذ العام 2006، تاريخ الحرب التي خاضها حزب الله مع إسرائيل، لم يتعدّ عدد المرات التي ظهر فيها حسن نصر الله علنا أصابع اليد الواحدة، مثل تلك التي فاجأ فيها الآلاف من أنصاره في العام 2011، خلال مسيرة عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومشى بينهم لدقائق قليلة، قبل أن يعود ليخطب فيهم عبر شاشة عملاقة ويقول إن حزبه “يزداد تسليحا وتدريبا يوما بعد يوم”، و”المقاومة ستبقى وتستمر” في وجه إسرائيل.
وفي مقابلة مع صحيفة “الأخبار” اللبنانية القريبة من حزبه قال الزعيم الراحل في غشت 2014: “يروّج الإسرائيلي لفكرة مفادها أنني مقيم في ملجأ بعيدا عن الناس، فلا أراهم ولا أتواصل معهم، ومنقطع حتى عن إخواني”، وأضاف: “المقصود بالإجراءات الأمنية هو سرية الحركة، ولكن هذا لا يمنعني نهائيا من أن أتحرك”.
وبين الحين والآخر كانت تنشر لنصر الله صور مع قياديين من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران يزورون لبنان، وكان يتحدث بانتظام في مناسبات عدة دائما عبر الشاشة، وغالبا أمام الآلاف من مناصريه الذين تتعلق أنظارهم به ويقاطعونه بالتصفيق والهتاف “لبيك نصر الله”.
وروى مسؤولون وصحافيون التقوا بالراحل خلال السنوات الأخيرة أنهم لم يعرفوا المكان الذي اقتادهم إليه أفراد أمن الحزب، وسط تدابير مشدّدة وفي سيارات أسدلت على نوافذها ستائر سميكة.
يقول عارفوه وخبراء يتابعونه إن رجل الدين المعمّم الذي غزا الشيب لحيته الكثيفة كان حاد الذكاء، ومتبحرا لاسيما في الشؤون الدينية والسياسية، وهو خطيب مفوّه وفصيح قادر على التحدث لوقت طويل من دون أن يتردّد أو يتلعثم؛ أما خصومه فينتقدون لهجة التحدّي التي يتكلّم بها، التي تقترن غالبا برفع سبّابته اليمنى، ويعتبرونها ترهيبا للداخل اللبناني.
“النصر الإلهي” مناصرو الرجل أحاطوه بهالة إلى حدّ ظنّ كثيرون أنه لا يُمسّ، ولقبوه بـ”السيد” لنسبه المتحدّر من سلالة النبي محمد، أو “أبو هادي” باسم نجله الأكبر الذي قتل عام 1997 خلال معارك مع القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل جنوب لبنان؛ واتهمه خصومه السياسيون في لبنان بالارتهان لإيران والتحكّم في قرار السلم والحرب في البلد، مهمشا الحكومات اللبنانية.
وانتخب نصر الله أمينا عاما للحزب في 1992، بعد اغتيال إسرائيل سلفه عباس الموسوي، مع زوجته وطفله وأشخاص آخرين، في غارة جوية جنوب لبنان في فبراير من العام ذاته.
وفي عهد نصر الله طوّر حزب الله قدراته العسكرية بدعم رئيسي من طهران التي تمدّه بالمال والسلاح، وبات يمتلك أسلحة دقيقة متطورة يؤكد أنها قادرة على أن توجه ضربات موجعة لإسرائيل.
وكان نصر الله يقول إن حزبه يضمّ 100 ألف مقاتل.
ويملك الحزب مؤسسات تربوية واجتماعية وصحية تؤمن خدمات لأنصاره وتحصّن شعبيته.
وحزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة “مقاومة إسرائيل” التي احتلت مناطق واسعة في جنوب البلاد بين العامين 1978 ومايو 2000، وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.
وينظر إلى حزب الله على أنه رأس الحربة في العمليات التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من لبنان في العام 2000 بعد احتلال دام نحو عشرين عاما؛ فصارت لنصر الله مكانة كبيرة لدى أنصاره والملايين في العالم العربي، وتعزّزت شعبيته خلال حرب 2006 التي استمرت 33 يوما، وقتل فيها 1200 شخص في لبنان غالبيتهم من المدنيين، و160 في إسرائيل غالبيتهم من العسكريين؛ وبعد انتهائها ألقى خطابا أمام عشرات الآلاف من أنصاره في الضاحية الجنوبية التي تعرضت لدمار هائل، أعلن فيه تحقيق “نصر إلهي” على إسرائيل.
في إحدى مناطق بيروت قالت مهى كريت، السبت، بتأثر لوكالة فرانس برس: “لا توجد دولة في العالم وقفت في وجه إسرائيل إلا السيد حسن نصر الله”.
لكن شعبية الراحل كانت تراجعت في لبنان والعالم العربي بسبب اتهامه من شريحة واسعة من اللبنانيين ومن دول عربية، لاسيما خليجية، بالارتهان لإيران، واستخدام السلاح في الداخل والتحكّم في القرار السياسي اللبناني.
ووجهت محكمة دولية إلى حزب الله أصابع الاتهام في اغتيال رئيس الوزراء السابق والزعيم السني رفيق الحريري بتفجير ضخم في فبراير 2005 ببيروت.
واتسعت الشريحة المعارضة للرجل خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020، وتقارير عن ضلوع الحزب في عرقلة التحقيق لمعرفة ظروف الحادث المدمر.
دور إقليمي
في الدول العربية تعرّض حزب الله لانتقادات بسبب قتاله الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في النزاع الدامي المتواصل منذ 2011، ودعم المتمردين الحوثيين في اليمن، والقتال في العراق.
وغداة اندلاع الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر، إثر هجوم غير مسبوق للحركة على جنوب إسرائيل، أعلن حسن نصرالله جبهة “إسناد” لغزة وحليفته حماس. وتصاعدت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل منذ حوالي أسبوع، وبعد إعلان إسرائيل نقل تركيز عملياتها من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية.
ولم يكن نصر الله يتكلم كثيرا عن حياته الخاصة، وهو المولود في حي شعبي ببرج حمود في الضاحية الشمالية لبيروت في 31 اغسطس 1960؛ وكان واحدا من تسعة أبناء لأسرة متواضعة نزحت من بلدة البازورية جنوبي البلاد.
وتلقى الراحل العلوم الدينية لمدة ثلاث سنوات في حوزات النجف الأشرف قبل طرده عام 1978 عندما قمع الرئيس السابق صدام حسين النشطاء الشيعة؛ وانخرط في النشاط السياسي واكتسب خبرة في صفوف “أفواج المقاومة اللبنانية” (حركة أمل)، لكنه انفصل عنها مع العديد من زملائه عام 1982 وشارك في تأسيس حزب الله، إذ تولى مسؤوليات شملت تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية، وتدرج في المهام وصولا إلى الأمانة العامة.
وكان نصر الله متزوجاً من فاطمة ياسين، ولهما خمسة أبناء.