أكد خبراء أن "سقوط حزب الله" مؤخراً، سيدفع طهران لإستراتيجية تحول جديدة، تتمثل بتوجيه كامل الدعم لميليشيا الحوثي في اليمن، متوقعين تصاعد أهمية عبدالملك الحوثي وجماعته بشكل عام، ضمن المحور الإيراني.
وعقب الإعلان الرسمي عن مقتل الأمين العام لميليشيا حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بدى زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، مساء أمس السبت، وهو يحاول التقاط راية الأذرع الإيرانية في المنطقة، عبر خطاب نعي، أعلن فيه استمرار "محور المقاومة بصبر وثبات" في معركته ضد إسرائيل، وأكد أن "هذه التضحيات الكبيرة لن تضيع هدرًا".
وفي ظل حالة الإرباك التي ولدتها الاختراقات الإسرائيلية لبنية ميليشيا حزب الله القيادية، التي مكنتها من أثقل شخصياته وزنًا خلال الأيام الماضية، وتوعد تل أبيب باستهداف خليفة نصر الله المرتقب؛ يرى خبراء ومحللون أن ثمّة مؤشرات قد تدفع بملف إدارة "الميليشيات الإيرانية" في لبنان واليمن والعراق وسوريا، نحو عبدالملك الحوثي، "البعيد جغرافيا واستخباراتيا".
*حسابات المصالح*
ويعتقد وكيل وزارة الإعلام لدى الحكومة اليمنية، أسامة الشرمي، أن إيران باتت تعوّل بشكل كبير على الحوثيين على حساب بقية حلفائها في المحور؛ إذ يتضح ذلك من خلال الدعم العسكري النوعي والملفت المقدم للحوثيين، بما يتفوق على قدرات حزب الله، بينما نرى تعاطيها غير المتحمس مع الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت زعيم حركة حماس على أراضيها وعدداً من قادة ميليشياتها التي تخوض المعارك بالنيابة عنها.
*قطع طرق الملاحة*
وقال الشرمي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الخدمات يقدمها الحوثيين لفائدة المصالح الإيرانية، عبر قطع طرق الملاحة الدولية وتهديد المملكة العربية السعودية واستهداف حاملات الطائرات الأمريكية، "يراها الإيرانيون أهم بكثير من إسناد الفلسطينيين أو المناوشة مع إسرائيل".
وذكر أن ذلك مؤشر واضح على أن المرحلة القادمة ستشهد دعما إيرانيا كبيرا للحوثيين، أكثر من غيرهم من الوكلاء والأذرع في المنطقة العربية.
ويرى الشرمي أن الدولة الإيرانية حاليا في طور الانتقال من آخر مراحل القيادات الثورية، إلى مرحلة جديدة تؤمن بفكرة الدولة؛ "ما سيجعلها تتعامل مع ميليشيا الحوثي كذراع يخدم مصالحها، بعيدا عن الشعارات التي ظلت ترددها على مدى 40 عاماً".
*كاريزما ضعيفة*
ويقول الباحث السياسي، حسام ردمان، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن أول المفاعيل المباشرة لرحيل حسن نصر الله، "هو تصاعد أهمية عبدالملك الحوثي وجماعته بشكل عام، ضمن المحور الإيراني".
وذكر أن الأهمية الاستراتيجية للحوثي، تنامت في منظور إيران منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،"ومن ثم بدأت طهران في منحه أدوارا إقليمية أكبر، سواء من خلال التنسيق وغرفة العمليات المشتركة مع العراق، أو عبر إسداء مهام إليه للقيام بأدوار متعلقة بالقرن الإفريقي والصومال وحركة الشباب، أو حتى مسألة تهريب السلاح إلى السودان".
وأضاف ردمان، أن رحيل نصر الله سيترك فراغا سيحاول الحوثيون ملأه بشكل كبير، في ظل مضي نسق التنامي المتصاعد لأدوارهم الإقليمية داخل محور إيران.
لكنه يرى أن مدى الكفاءة الكاريزمية لعبد الملك الحوثي أقل بكثير عن حسن نصر الله، الذي قال إنه "لا يعوض على المستوى الاستراتيجي والسياسي والكاريزمي، ولا يمكن لأحد أن يملأ فراغه في الآونة القريبة".
*مهام محدودة*
وفي أول رد على مقتل الأمين العام لميليشيا حزب الله اللبناني، أطلق الحوثيون مساء أمس السبت، صاروخا باليستيا من نوع "فلسطين 2" نحو إسرائيل، زاعمين أنه استهداف مطار "بن غوريون" أثناء وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بينما أعلنت تل أبيب اعتراضه خارج الحدود.
ويعتقد الصحفي المتخصص بالشؤون العسكرية، عدنان الجبرني، أن مسؤولية إدارة المشروع الإيراني في المنطقة العربية، ستنتقل عمليا إلى أيدي الحرس الثوري الإيراني لتنسيق الأدوار بين أقطاب المحور، بدلا عن نصر الله ولفترة ما، "لكن من المرجح أن يتصدر عبدالملك الحوثي المهام التنفيذية والتعبوية، كالخطاب التعبوي وتصدير القادة الميدانيين، خلال الفترة القريبة المقبلة".
وقال الجبرني في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الأشهر الماضية من عمر الحرب على غزة، منحت الحوثي شعورا بأنه صار يملك حضورا وشعبية لدى جمهور المحور، من خلال الدور الذي انتدبه له الإيرانيون عبر إطلاق المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل ونحو ممرات الملاحة الدولية، "وهذا ما قد يجعلهم يعتقدون أن ذلك يؤهله لتغطية بعض فراغ مقتل نصر الله".
*زعيم مؤقت*
في المقابل، يرى خبير الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الدكتور علي الذهب، أن مسألة تحديد "القائد الروحي" الجديد لأذرع إيران في المنطقة ليست بأيدي الحوثي ولا إيران نفسها، "لأن من يتولى هذه المهمة يجب أن يفرض نفسه، وأن تتوفر لديه الجغرافيا المحيطة أو القريبة من إسرائيل".
*الرهان على حجم التداعيات*
وأشار الذهب في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن الأمر مرهون بحجم التداعيات العميقة المقبلة وبمدى استطاعة حزب الله على لملمة أشلائه، فضلا عن مدى قوة الشخصية التي سيختارها لخلافة حسن نصر الله، وحجم قدرتها على تغطية الفجوة.
مستبعدا تولي زعيم الحوثيين هذه المسؤولية، "لأن قدراته أقل، ولا تتوفر فيه العوامل الأخرى المتعلقة بالجغرافيا والعقيدة، ناهيك عن كونه فرعاً من أصل، ولا يمكن للفرع أن يصبح أصلا".
وقال إن الإيرانيين "يدركون أن الحوثي زعيم لحظة، وأن بقاءه في موقعه الحالي على رأس قوة مواجهة، هو بقاء مؤقت لن يطول أمده، لأن اليمنيين غير راضين عنه، ومن ثم فإنهم لا يحبذون حدوث انتكاسة أخرى، كالانتكاسة التي خلقتها الهجمة الإسرائيلية وأودت بحياة نصر الله".