قال صحيفة العرب اللندنية أن الشرعية اليمنية تشهد ما يشبه حالة طوارئ سياسية بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي مثّل التراجع غير المسبوق في قيمة عملة الريال المحلية مظهرا بارزا على حدّتها، وباتت تهدّد بانحدار جديد في الأوضاع الاجتماعية لسكان تلك المناطق منذرة بتفجّر موجة غضب شعبي لاحت بوادرها في محافظة تعز.
وسجّلت عملة الريال في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا خلال الأيام الأخيرة أكبر تراجع في قيمتها حيث تجاوز بيع الدولار الواحد سقف الألفي ريال يمني، ما أثار المخاوف من موجة غلاء جديدة في أسعار المواد الأساسية في تلك المناطق لن يكون باستطاعة غالبية السكان مواجهتها بمرتّباتهم الضئيلة وعائدات أعمالهم البسيطة والراكدة أصلا جرّاء الأزمة.
وشهدت مدينة تعز بجنوب غرب البلاد إضرابا جزئيا للمحال التجارية احتجاجا على استمرار تهاوي قيمة العملة، وخرج عدد من المحتجين إلى شوارع المدينة تنديدا بسوء الأوضاع الاجتماعية. وجاء ذلك بينما حمّلت نقابات أصحاب الأعمال الحكومة المسؤولية عن الوضع القائم محذّرة من أنّ انهيار قيمة العملة وما تجرّه من تدهور معيشي يقودان نحو كوارث اقتصادية اجتماعية وشيكة.
واستدعت صعوبة الوضع تدخّل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لتهدئة المخاوف التي أذكاها رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك بتحليله غير الموفّق لأسباب تدهور قيمة الريال عندما عزا الأمر إلى أسباب غير موضوعية، ملمّحا إلى وجود مؤامرة وراء ذلك التدهور.
وعقد العليمي الخميس في قصر معاشيق في العاصمة عدن، اجتماعا بلجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي يترأسها بن مبارك. وقالت وكالة الأنباء الرسمية سبأ في نسختها التابعة للشرعية إنّ رئيس الوزراء قدّم خلال الاجتماع إحاطة حول الوضع الاقتصادي الراهن والإجراءات المطلوبة للسيطرة على التضخم وعجز الموازنة العامة والتقلبات السعرية في أسواق الصرف والسلع والخدمات الأساسية.
وتضمنت الإحاطة المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية والمتغيرات الأخيرة في وضع العملة المحلية في ضوء استمرار توقف الصادرات النفطية، وارتفاع أسعار الشحن البحري وتداعياتها الكارثية على الأوضاع المعيشية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وحث رئيس مجلس القيادة خلال الاجتماع على “التسريع بتنفيذ خطة الإنقاذ الاقتصادي واتخاذ الإجراءات والتدابير الموجهة لتعزيز كفاءة إدارة المالية العامة والسياسة النقدية، والحد من تداعيات الانقسام النقدي الذي فرضته الميليشيات الحوثية كورقة حرب اقتصادية”.
ويبدو مثل ذلك الخطاب فضفاضا ومفتقرا لآليات التنفيذ العملي حيث لا تمتلك الشرعية اليمنية الكثير من الخيارات لوقف مسار الأزمة بسبب افتقارها للموارد بعد أن خسرت المورد الأهم وشبه الوحيد للعملة الصعبة بتوقف تصدير النفط إثر استهداف الحوثيين لمنفذي تصديره ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
وجعل توقفّ موارد النفط الحكومة اليمنية معتمدة في مواردها بشكل كبير على المساعدات الخارجية لاسيما الودائع السعودية في البنك المركزي. وأثنى العليمي خلال الاجتماع على “الدعم الاقتصادي والإنمائي والإنساني من جانب الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان له الدور الحاسم في استمرار وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية، والتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب اليمني”.
ولا تخشى الشرعية اليمنية فقط من تأثيرات الأزمة على علاقتها بالشارع في مناطق سيطرتها، ولكنها تخشى بالقدر نفسه على تماسكها الداخلي إذ تعلم أن صبر شريكها الأساسي المجلس الانتقالي الجنوبي على الأوضاع في مناطق نفوذه بالجنوب بدأ ينفد. ولا يريد الانتقالي رؤية الأوضاع الاجتماعية في الجنوب تسير نحو المزيد من التوتّر بما يهدد شعبيته باعتباره شريكا في الشرعية.
وسبق للمجلس أن وجّه انتقادات حادّة لحكومة بن مبارك بسبب تلك الأوضاع وبلغ بانتقاداته حدّ إنذار الشرعية اليمنية بإمكانية فك الشراكة معها واصفا تلك الشراكة على لسان بعض قياداته بأنّها “كانت أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الانتقالي ودفعته إلى أن يتحمل جزءا كبيرا من فاتورة الفساد والانتقاد والزج به في وحل نقص الخدمات وتدهور الاقتصاد”.
وبدا واضحا أن اجتماع لجنة إدارة الأزمات هدف أيضا إلى تهدئة الخواطر بعد التحليل غير الموفّق للأزمة من قبل رئيس الحكومة الذي تجاهل في اجتماع سابق الأسباب الموضوعية لها وتحدّث عن تقديرات مالية ونقدية مؤكدة تشير إلى أن الانخفاض في سعر صرف الريال غير مبرر وغير منطقي “وهو ما يؤكد أن ما حصل ليس عفويا ويؤشر إلى مخطط مرسوم”.
وأثار ذلك حفيظة الغرف التجارية الصناعية في مناطق الشرعية التي أصدرت بيانا اتّهمت فيه الجهات الحكومية المختصة بالتسبب في الكوارث الاقتصادية والاجتماعية لعدم استجابتها للأزمات واتخاذ المعالجات التي تمنع ما وصل إليه الوضع المعيشي العام.
ومما ورد في البيان “سبق أن أصدرت الغرفة التجارية الصناعية في عدن قبل ثمانية أشهر وبمشاركة فئات مجتمع الأعمال في المناطق المحررة (من الحوثيين) بيانا تحذيريا بأن الوقت يداهمنا ويتطلب الأمر سرعة العمل والاشتغال بإيجاد معالجة سريعة لانهيار قيمة الريال اليمني الذي انخفض إلى مستويات غير مقبولة مقابل العملات الأجنبية في مناطق الشرعية، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الاستنزاف للقوة الشرائية للمواطنين وخلق مزيد من الصعوبات الاقتصادية واضطرابات مالية وأمنية وسلوكية شديدة الحدة في البلاد وكذلك الدعوة لتشكيل هيئة مشاركة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والسلطات المحلية والجهات ذات العلاقة لمتابعة خطة طوارئ لإنقاذ الوضع، بما في ذلك وقف الجبايات غير القانونية التي تتعرض لها المصانع المحلية والشركات والقطاع الخاص عموما”.
وأضاف محرّرو البيان “ورغم أن الوضع حينها كان سيئا بدرجة عالية ولكن ما وصلت إليه الأمور الآن وبعد ثمانية أشهر من المعاناة أصبحت أسوأ بكثير وهذا نذير بكوارث اجتماعية واقتصادية وشيكة”.