الوزف.. وجبة بارزة على موائد اليمنيين وفي ثقافتهم

محليات
قبل 3 ساعات I الأخبار I محليات

يرتبط اليمنيون وجدانياً بالوزف الذي رافق موائدهم في مختلف المراحل والظروف تاريخياً، ولذا يحضر في الثقافة الشعبية، وفي قصائد الشعراء، وفي الأمثال الشعبية.

يحضر الوزف على مائدة الطعام اليمنية كإحدى أهم الوجبات، خاصة لدى الطبقات الفقيرة، والوزف من لوازم الموائد بسبب طعمه الشهي، وفوائده الصحية، وسعره المقبول الذي يجعله في متناول الجميع، وإن شهدت أسعاره ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة في ظل زيادة الطلب عليه.

وكما يحضر الوزف على موائد اليمنيين، فإنه يحضر أيضاً في أشعارهم وأمثالهم الشعبية، ما يؤكد العلاقة المتينة التي تأتي امتداداً لعلاقة اليمني بالبحر، فالبلاد تملك ساحلاً يمتد على أكثر من 2200 كيلومتر على البحرين الأحمر والعربي.

والوزف هو صغار سمك السردين التي يتم اصطيادها في مواسم متعددة، أبرزها الموسم الممتد من ديسمبر/كانون الأول إلى فبراير/شباط، والتي يتم تجفيفها حتى تصبح يابسة، ليتم بيعها في الأسواق الشعبية كأحد أهم مستلزمات المطابخ.

ويتم صيد وجلب الكميات الأكبر من الوزف من مناطق مختلفة، أبرزها سواحل محافظتي الحديدة والمخا غربي البلاد، ومن سواحل مناطق رأس العارة والسقياء وخور العميرة بمحافظة لحج في جنوب غربي البلاد، وكذا من سواحل مناطق أحور وشقرة بمحافظة أبين (جنوب)، ومن سواحل محافظة حضرموت، كما يتم استيراد بعضه من الصومال.

وهناك أنواع متعددة للوزف تتباين بحسب شكله وحجمه وخلوه من الحصى التي تعلق به، ووفقاً لهذه العوامل تتباين أسعاره في الأسواق. يقول بائع الوزف، طلال بجاش، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أنواعاً مختلفة من الوزف، فهناك "المخاوي" الذي يتم اصطياده من المخا، ويعد من أفضل الأنواع، بينما الأنواع الرديئة يتم اصطيادها من ساحل الخوخة بمحافظة الحديدة، وهناك نوع يدعى "البيرمان"، وهو الأفضل من حيث النوعية، وبالتالي الأغلى سعراً، وهناك أنواع أخرى مثل "العيدة" و"السويداء الكبير" و"السويداء الصغير"، وغيرها من الأنواع التي تسمى أحياناً باسم المنطقة التي يتم اصطيادها منها.

والوزف وجبة مفضلة لذوي الدخل المحدود في محافظتي لحج وتعز جنوب غربي اليمن، ومناطق من محافظة إب في الوسط، وقد زاد الطلب عليه بشكل كبير منذ بداية الحرب المتواصلة في البلاد منذ تسع سنوات، باعتبار أنه "لحم الفقراء"، ما تسبب بتضاعف أسعاره، إذ بات يصل سعر الشوالة (الكيس) من الوزف إلى 300 ألف ريال يمني (الدولار يساوي 1850 ريالاً).

ويتم تناول الوزف بطرق مختلفة، فيؤكل مباشرة، أو ضمن مكونات السحاوق، ويسمى حينها دقوس، إذ يتم هرسه على "المرهك"، وهو حجر يستخدم لإعداد السحاوق مع الطماطم والثوم والفلفل الحار ونباتات عطرية مثل البقدونس والكزبرة، ويتم تناول الدقوس مع الخبز، أو مع وجبة العصيد.

ويمكن طحن الوزف الجاف مع الفلفل الحار اليابس، ويسمى حينها "وزف نَفح"، ويتم تناوله مع الفطير، وهو خبز يُطهى على الحطب. ويستخدم الوزف أيضاً بإضافته مطحوناً إلى الحلبة، والتي تعد مكوناً رئيسياً من مكونات مائدة الطعام اليمنية، كما يستخدم أيضاً في تحضير وجبة تسمى "القزاحي" عن طريق طبخ البصل والطماطم، ومن ثم إضافة الوزف المطحون إلى قوام الطبخة الموضوعة على نار حارة، وتقديم الوجبة التي تؤكل بالخبز.

وللوزف العديد من الفوائد الصحية، فهو غني بالبروتينات، وبه عدد قليل من السعرات الحرارية، كما يحتوي على عناصر معدنية مثل المغنيسيوم والفوسفور والكالسيوم والحديد، وهي عناصر غذائية مهمة للصحة العامة.

يقول أخصائي الغدد الصماء، عبد الدائم عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزف يحتوي على كميات من اليود، وهي مادة ضرورية لإنتاج هرمونات الغدة الدرقية، ونقص اليود يسبب تضخم تلك الغدة، وزيادته تسبب انهياراً مناعياً يؤدي إلى قصور في الغدة الدرقية".

ويبرز الوزف في الأمثال الشعبية، فيقول المثل اليمني "ما حد يُشَّرِح الوزف عند الدِّم"، ويعني أنه لا أحد يترك الوزف أمام القطط، كونها تشتهيه، ويستخدم هذا المثل في من يضع الشي في غير مكانه. ويسمى الوزف أيضاً "ساجي العيون"، تعبيراً عن جمال صغار السمك، وفي ذلك رمزية للمرأة الجميلة، وقد كان من عادة اليمنيين القدامى أن يتغزلوا بالمرأة قائلين "ساجي العيون والغُنج ما لنا به"، والذي يعني أنهم يفتنون بالمرأة الجميلة ولا علاقة لهم بالمرأة التي تمارس الغنج.

وجعل الحضور الطاغي للوزف في الثقافة الشعبية لليمنيين، الشاعر عمار الزريقي، يعلن في نهايات عام 2017، تشكيل حزب افتراضي أسماه "حزب الوزف"، ووضع له شعار "وطن بلا حيتان"، وقد بدأ الأمر بمنشورات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي بدايات 2018، زاد التفاعل مع الفكرة، خصوصاً بين المثقفين والأدباء، وبدأت تتخذ منحى الجد لتأسيس كيان سياسي حقيقي رغم كل الظروف والعوائق.

يقول الزريقي لـ"العربي الجديد"، إن "الفكرة تنطلق من الوزف الذي تأكله حيتان البحر في موطنه الأصلي، وإذا خرج إلى البر يصبح طعاماً للقطط والغربان وغيرها، بينما الوزف المحظوظ يتم صيده وتجفيفه، لكنه أيضاً يصير طعاماً لفقراء البشر بعد سحقه وطهيه، وبهذا فإن الوزف يمثل الشعب اليمني في معاناته الكبيرة داخل الوطن وخارجه، ولهذا السبب لقيت الفكرة قبولاً شعبياً، وحظيت بتشجيع نخبوي كبير لتحويلها إلى مشروع حقيقي يتولى المثقفون والأدباء قيادته".

يضيف الشاعر اليمني: "كانت الفكرة تتمحور على الرفض السائد لتحويل حياة اليمنيين إلى ما يشبه ما يجري في الأحياء البحرية الصغيرة، حيث تلتهم الحيتان والأسماك الكبيرة صغار الأسماك، والتي نعرفها شعبياً باسم الوزف. تتضمن الفكرة رمزية المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد الشعب بكل شرائحه، فالوزف تعبير عن الأغلبية المسحوقة، لا الأقلية الساحقة".