في تطور دراماتيكي داخل جماعة الحوثيين، أثار تعيين محمد مفتاح قائمًا بأعمال حكومة الجماعة في صنعاء، بعد ساعات من مقتل رئيسها أحمد الرهوي، تساؤلات واسعة حول طبيعة التحولات الجارية في هرم السلطة الحوثية.
ووفقًا لتحليل صادر عن مركز SARI Global المتخصص في إدارة الأزمات، فإن هذه الخطوة تتجاوز كونها إجراءً إداريًا، لتكشف عن توجه متسارع نحو تركيز السلطة بيد الموالين المتشددين، وتعزيز القبضة الأيديولوجية على مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الجماعة.
وبحسب المركز، فإن اغتيال الرهوي بغارة إسرائيلية لا يُعد ضربة موجعة للجماعة، بل يُمنحها فرصة لإعادة ترتيب صفوفها بما يخدم مشروعها السياسي. فقد بدأت الجماعة منذ فترة بإقصاء التكنوقراط واستبدالهم بشخصيات ذات ولاء أيديولوجي، وهي سياسة تسارعت وتيرتها عقب مقتل الرهوي.
ويُعد محمد مفتاح، الذي تولّى المنصب خلفًا للرهوي، شخصية دينية تحمل خلفية فكرية متطابقة مع توجهات الجماعة، ما يجعله امتدادًا طبيعيًا لنهجها، وليس خروجًا عنه. كما أن استمرار مجلس الحكم بقيادة مهدي المشاط يعكس رغبة الحوثيين في الجمع بين خطاب الانتقام والاستقرار، لضمان تماسك الجبهة الداخلية.
وعلى الصعيد الخارجي، حذّر التقرير من أن الجماعة ستوظف حادثة الاغتيال في تصعيد حملاتها الدعائية، عبر تصويرها كعدوان خارجي يستوجب الرد. ومن المرجح أن تتخذ ردودهم أشكالًا متعددة، تشمل إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل، رغم احتمالية اعتراضها، لما تحمله من أثر نفسي ودعائي. كما يُتوقع أن تُهدد الجماعة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب باستخدام القوارب المفخخة أو محاولات الاستيلاء على السفن، وهي أساليب منخفضة التكلفة وذات تأثير كبير على حركة الشحن والتأمين البحري.
أما داخليًا، فيُرجّح أن تُكثّف الجماعة من إجراءاتها القمعية بحق المدنيين والعاملين في القطاعات الاقتصادية والمنظمات غير الحكومية، عبر تعزيز نقاط التفتيش الأمنية، وزيادة الاعتقالات التعسفية، وفرض قيود أكبر على الحركة والتواصل المجتمعي، بما يعزز قبضتهم الأمنية ويقلص أي هامش لمعارضة سياستهم.
ويشير مراقبون إلى أن تعيين محمد مفتاح، رغم كونه إجراءً داخليًا، يحمل دلالات استراتيجية على مستوى إدارة الصراع داخل الجماعة، إذ يعكس انتقالًا محسوبًا نحو مزيد من التشدد العقائدي، وتصفية ما تبقى من الأصوات البراغماتية أو التكنوقراطية التي كانت تحاول التماهي مع متطلبات الحكم المدني.
كما أن هذا التحول يعزز من مركزية القرار داخل "مكتب السيد"، ويمنح القيادة العليا للجماعة قدرة أكبر على التحكم في مفاصل الدولة، بعيدًا عن أي توازنات داخلية أو تفاهمات مع القوى المحلية الأخرى، ما يُنذر بتصعيد داخلي قد يطال حتى الحلفاء السابقين الذين باتوا خارج دائرة الثقة.
وفي ظل هذا المشهد، يرى محللون أن صنعاء تدخل مرحلة جديدة من الحكم المغلق، حيث تُدار مؤسسات الدولة من قبل نخبة أيديولوجية ضيقة، تتغذى على الخطاب الديني وتُحكم قبضتها الأمنية، ما يُقلّص أي هامش للمجتمع المدني أو الفاعلين الاقتصاديين، ويزيد من عزلة العاصمة سياسيًا واقتصاديًا.
ويُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا في الخطاب التعبوي، وتكثيفًا في الإجراءات القمعية، إلى جانب تحركات خارجية محسوبة تهدف إلى تثبيت صورة الجماعة كقوة مقاومة، رغم ما تعانيه من تحديات داخلية وتصدعات غير معلنة في بنيتها التنظيمية.