كتب/ د.عبدالحكيم باقيس
وليد دماج واحد من أهم كتاب الرواية اليمنية في العقدين الأخيرين، من جيل كتاب الرواية الجديدة في اليمن، جيل المحنة والحرب، الذي صنع المفارقة العجيبة بين الواقع العقيم وخصوبة الإبداع، وهو كذلك شاعر قبل أن يلج بوابة الرواية التي منحته الشهرة وعززت مكانته الأدبية في المشهد الإبداعي الجديد الذي تشكل في العقدين الأخيرين، أصدر أربع روايات في عمره الإبداعي القصير (ظلال الجفر 2013، هم 2016، أبوصهيب العزي2019، وقش 2022) عشر سنوات، لكنها كانت ثرية وخصبة، وكان ـ كما أخبرني في ندوة جمعتنا قبل أيام في معهد الفنون الجميلة ـ يكتب روايته الخامسة (التلة) التي مزج فيها بين التأريخي والغرائبي.. كان يبحث دائمًا عن التجديد في الموضوعات وأساليب الكتابة، وظل في كل أعماله الروائية من المشتغلين على الفكرة ودراستها والبحث فيها وتقليبها على موقد الإبداع قبل يُلقي بها في عالم التخييل، فتصبح الرواية ثمرة بحث طويل قبل أن تخرج في كتاب، وهذا سرّ من أسرار كيمياء الكتابة عنده، فحين كتب رواية (هم) التي تتحدث عن شخصية المجنون وعوالمه الخاصة الموازية، ظل وليد دماج يذكر في شهاداته معايشته لبعض المجانين ومراقبتهم لمدة عامين، وفي قراءة لعديد من الكتابات في علم النفس والاضطرابات الذهنية، وفي روايته (وقش أوهجرة الشمس) انكب على قراءة العديد من المصادر التاريخية حول فرقة "المطرفية" ومأساتها في القرن السادس الهجري قبل أن يتناولها في عمله التخييلي الأخير، وفي أثناء تناوله لموضوع الإرهاب في (أبوصهيب العزي) كان يثير التساؤلات عن أسباب الإرهاب ودوافعه، ولم يقع في فخ التعاطي وفق نموذج القالب الجاهز الذي يتكرر في العديد من الأعمال العربية لصورة الإرهابي، لقد كان وليد ـ رحمه الله ـ تجربة روائية متفردة في الكتابة التي تصنع عوالمها الخاصة وتعبر حدود الأفكار وسجن الأيديولوجيات إلى ما يهم الإنسان وحيرته في زمن تحيطه الالتباسات. إن فقد كاتب روائي بموهبته الأكيدة يعد خسارة كبيرة في أدبنا الحديث، وكأن أعمار كتاب الرواية في اليمن قصيرة، فهل كان لنا أن تخيل محمد عبدالولي بيننا اليوم، وكيف كان سيكون تأثيره في مشهد الرواية العربية؟! أو زيد مطيع دماج وما الذي كان يمكن أن يراكمه؟! لاشك أن تخيل وليد دماج يكتب الرواية لعشرين سنة قادمة سيكون المشهد بوجوده أكثر ثراءً وخصوبة وتنوعًا. رحم الله وليد دماج.