دمعت عيناي عندما نقل لي أحدهم الوضع الصحي الصعب الذي يحيط بالأستاذ القدير أحمد مهدي سالم إحاطة السوار بالمعصم. دمعت عيناي قهرا و حزنا و أحدهم يخبرني بصوت مبحوح أن بوابة الإبداع في أبين الأستاذ أحمد مهدي سالم رهين محبسي العمى و لألم، يومه بلا بكره، و ليله ما طلع له نهار. لست في وارد الانشغال عن مأساته المتشعبة الأبعاد و وضعه الصحي المتعدد الاتجاهات بالتنقيب عن أفضاله الرياضية و الأكاديمية و العلمية الكثيرة، لأنني لو فعلت ذلك سأكون في حضرة أقمار لا تأفل و لا تخسف و شموس لا تكسف. لم أتردد لحظة واحدة حين اعتزمت الكتابة عن هذا الأديب الأريب الذي لم يسأم تكاليف الحياة، لكن محوري هنا يدور حول معاناة فارس اللغة و بطل اللعبة الأنيقة (كرة الطاولة) مع الأمراض المزمنة التي غيرت مجرى حياته و قلبتها رأسا على عقب. هناك في (جعار) حيث للألم الرهيب ريح صرصر، و للوجع لحن يئن، يعاني الأستاذ أحمد مهدي سالم من قلب مثقوب من وجع ساقط وضيع لا تهدأ جراحه، حتى بات ذلك الجرح أطول من الأيام. هناك في غرفة معتمة عين يمنى تحتضر تتأهب للفظ آخر بقايا نورها، العمى الكلي يقترب و شعاع النور يخبو رويدا، و كلما بكت عينه اليسرى تداعى لها جسده الواهن بالسهر و الحمى. مؤسف أن الكاتب الصحفي و الأكاديمي المرموق و لاعب كرة الطاولة المعروف و رئيس اتحاد الإعلام الرياضي بأبين سابقا الأستاذ أحمد مهدي سالم يبحث في ظل مأساته عن معروف من ذوي القربى، و هو الذي كان سباقا في الدفاع عن نجوم الرياضة و الكوادر الأكاديمية المهملة. هذا القيدوم الرياضي و التربوي كان إلى وقت قريب نخلة أبينية سامقة يتساقط منها رطب جني فيه لذة و حلاوة تفتح شهية كل مبدع، اليوم هذا القامة الرياضية و الأكاديمية يعاني من أمراض شتى، من القلب إلى العمود الفقري إلى فقدان عينه اليمنى لبريقها منذ أربع سنوات عجاف. حسب مصدر مقرب من فقيه اللغة العربية و مختارها الصحاح يقول بصوت متهدج ينضح مرارة : أطباء مستشفى مكة للعيون و دار العيون أخبروه أن يسافر بأسرع وقت إلى مصر في محاولة أخيرة لاسترجاع نور عينه، لكن ظروفه الصعبة تحول بينه و بين السفر للعلاج. في تصوري أن الأستاذ أحمد كفاءة أكاديمية و رياضية و إعلامية لها وزنها، و هو أولى من غيره بدعم حكومي من الجهات الإعلامية و الرياضية و الأكاديمية و السلطة الأبينية، فمن العيب أن تدير كل الجهات المحلية و الرسمية ظهرها لمعاناة هذا الرجل. وبصراحة و بعيدا عن اللف و الدوران، لا داعي لأن تختبئ تلك الجهات وراء الجحود و النكران و صم الآذان عن صرخة رجل يحتضر ألما، فما الحاجة لأن تذرف تلك الجهات دموع التماسيح عندما تقع الفأس على الرأس، و يغادر هذه الدنيا و قد أنارت صرخة احتضاره ما بين السماء و الأرض؟ و يا ذوي القلوب الرقيقة و الأفئدة اللينة تذكروا و أنتم في موقع المسؤولية أن العواطف كالتربة تحتاج بين وقت وآخر للتقليب و التهوية و تعريضها للشمس، و الفرصة مواتية لتقليب عواطفكم أمام حالة هذا الرمز الأبيني الكبير. كان الأستاذ أحمد مهدي و لازال يعتنق مبدأ الإيثار باعتباره (حمال أسية) لزملائه، و هو يؤمن بأن الحب لا يغذيه سوى الحب، فكلما أحببت الناس و أعطيت من قلبك أضفت إليه من قلوب الناس دما جديدا. تعاملت مع أزمة الأستاذ أحمد مهدي بطريقة قطف الكلام، لأن التوغل في سيرته الذاتية تحتاج إلى مساحة تكفي لملء المحيط الأطلسي عن بكرة أبيه و أمه. لكن يكفي أن ألخص سيرته في أنه أحد رواد الإعلام، و واحد من أهم الذين أعادوا سيرة (سيبويه) و انتصروا لقواعده في قبره، فهو مجموعة أقمار متعدد النشاطات الإبداعية، كل قمر أجمل من الآخر، استطاع خلال مسيرة علمية و عملية دامت نصف قرن و نيفا من الزمن أن يكون لنفسه اتجاها خاصا صب في مجرى إعداد جيل طيب الأعراق. و أخيرا : أحمد مهدي مفكر يصوغ فكره أدبا، و أديب يجعل من أدبه فلسفة خاصة، هو من الذين يفكرون و يثرون الفكرة، لذا كانت كتاباته الرياضية و الأدبية فيض العقول تماما كما وصف المحللون الشاعر أبا تمام. كزميل جمعه الهوى الإعلامي بالأستاذ أحمد مهدي سالم لا أملك من حطام هذه الدنيا سوى هذا الموقف، أعلنه أمام الملأ من القيادات التربوية و الرياضية و الأكاديمية و الإعلامية : أحد رموز الفكر في بوابة الإبداع (أبين) يفترسه الاحتضار في صمت، فهل تنبض قلوبكم موقفا إنسانيا يرد جميل أكاديمي و رياضي يسأل ليل الصب متى غده؟!