كتب/سناء الجاك
تفصلنا سنوات ضوئية يصعب إحصاؤها عن أي أمل بصيرورة لبنان دولة ومؤسسات ووطنا نهائيا لكل من يحملون هويته.
فالوطن/البوسطة لا يزال يسير إلى الوراء ومن دون سائق يتحكم بمساره، وعلى منحدر يصعب التنبؤ بما ينتظره في آخر المشوار. لكن الأكيد أن السياسة المتبعة لمعرقلي الحلول هي تعقيد الأزمات المتفاقمة وابتكار أزمات جديدة.
لا أحد من أركان المنظومة يريد فرملة الانهيار.. دعاة الفيدرالية يشجعون سقوط الصيغة اللبنانية لينفذوا مشروعهم، ودعاة الممانعة يتوسمون في هذا السقوط فرصة الإطاحة بالدستور وإعادة صياغة البلد على قياس فائض قوتهم. لذا يشهد المسرح اللبناني عملية إخراج الأرانب من قبعات الحواة، لتسود حركة بلا بركة، تدفع الآخرين إلى محاولات يائسة لاحتواء الفوضى بغية التمكن من إمساك زمام الأمور من جديد.
معارك دونكيشونية مرهقة لها الأولوية مع استبعاد لأي إجراءات عملانية وبسيطة لتعويم الوضع والحد من الخسائر.
وأحدث نسخة من هذه الأرانب ما تفتقت عنه بنات أفكار رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي عاد إلى بيت الطاعة، ليفاوض حليفه "حزب الله" على سلة الرئاسة، عارضا صفقة قوامها اللامركزية الموسعة التي كان يجب أن تطبق قبل أكثر من ثلاثين عاما بموجب اتفاق الوفاق الوطني في الطائف لإنهاء الحرب الأهلية، وتأسيس الصندوق الائتماني المفترض أن يقوم بتملك أو إدارة أملاك الدولة ومرافقها العامة، من مطار، مرافئ، أملاك بحرية.. بالإضافة إلى قطاعات مالية أو قطاعات منتجة، كالمصارف والاتصالات والبنى التحتية. ومن ثم توظيف أرباح هذا الصندوق لصالح الدولة، بالإضافة إلى إعادة أموال المودعين، وسد الفجوة المالية على إثر الانهيار النقدي.
باختصار، عرض باسيل على الحزب السماح له بإطلاق يده في مشروع محاصصة جديد، وذلك مقابل الموافقة على مرشح الحزب، سواء كان سليمان فرنجية أو غيره، وبعنوانين يعززان شعبيته في بيته وبيئته الحاضنة.
وبكبسة زر، تخلى باسيل عن تَقاطُعَ "التيار" مع القوى المعارضة بدعم ترشيح جهاد أزعور بعدما أدى هذا الدعم وظيفته، وعادت قنوات اتصاله مع حليفه الأزلي، ليتبين أن التقاطع لم يكن أكثر من وسيلة ضغط أثبتت فعاليتها، فيبدأ التأسيس الجدي مع مرحلة قد تحمل توافقا على موقف موحد في مقاربة الطرفين للاستحقاق الرئاسي، بالإضافة إلى تقاطعات كثيرة على صفقات دسمة، اختبر اللبنانيون مراتبها في حياتهم اليومية.
وبالطبع، لم يخذل الأمين العام للحزب حسن نصر الله باسيل، فاعتبر أن هناك "فرصة متاحة لفتح الباب لحوارات ثنائيّة جادّة ودؤوبة، قد تفتح أفقًا في جدار الانسداد القائم في مسألة الانتخابات الرئاسية، وهذا ما نعمل عليه وسنرى ما نصل إليه في الأيّام المقبلة".
ومن دون استعجال، تبشر الأجواء بأن العلاقة بين الطرفين سوف تستعيد وهجها. ليس ضروريا تحقيق نتائج فورية. وهذا يعني أن لعبة المنظومة لم تتغير، لكن التغيير يشي به الأسلوب والتكتكة للحصول على مكاسب أكبر وأكثر، فتستقيم الأمور لباسيل ولحزب الله على حد سواء.. أو أن كل التعقيدات والتجاذبات التي كانت سائدة بينهما، ليست إلا جزءا لم يتجزأ من السيناريو المعهود بموجب باطنية تحالف مار مخايل.. وهدفها أن تشتد الأزمة وتستعصي أكثر فأكثر..
وبالطبع يقتضي مثل هذه السيناريو منع فرملة الانهيار، بحيث تجد الدول التي بحثت في الدوحة قبل فترة وجيزة، وسائل حل الأزمة اللبنانية في هذا التوافق بين الطرفين واقعا يفرض نفسه، لأن لديهما القدرة على تأمين النصاب وتأمين الأصوات اللازمة لوصول مرشح "حزب الله" إلى قصر بعبدا بغطاء مسيحي.. وبرضا دولي..