تعزيز الهويات المحلية مهم للغاية في بناء الدولة القوية، والعكس صحيح! فالهويات المحلية تعزز التماسك والتواصل بين أفراد المجتمع، كما ان تعزيزها يساهم في نبذ المناطقية والشعور بالإقصاء والتهمش والحرمان وهذه عوامل مهمة الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.
وفي جنوب اليمن لدينا تجارب فيما يخص الهوية المحلية ومحاولة اذابتها لما اسموه الهوية الوطنية الجامعة، هذه التجارب كان لها تأثير كبير على كل نواحي الحياة وتسبب في كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية لشعب الجنوب .
التجربة الأولى:
بعد الاستقلال الأول عام 1967 تم القضاء على الهويات المحلية الجنوبية وبصورة عشوائية وغير مدروسة ومن قبل قيادات لا تمتلك الخبرة والدراية الكافية بالتخطيط ورسم السياسات الاستراتيجية.
قضوا على المشيخات والسلطنات في الجنوب، والتي كانت تشكل نواة لدولة جنوبية تتوافق مع محيطها ومع موروثها التاريخي والقبلي، لصالح حزب واحد أفكاره ومبادئه لا تتناسب بالمطلق مع هذه الهويات التي لديها ارث تاريخي وديني وثقافي مختلف تماماً عن الأفكار المستوردة.
كان القضاء على هذه الهويات المحلية كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم انهم صوروا للناس أهمية هذه الخطوة التي تساهم في بناء دولة قوية تتجاوز هذه الهويات، لكن الواقع الذي نعيشه اليوم يقول انهم بنوا دولة متصارعة غير قادرة على الصمود بسبب تخليها عن هذه الهويات المحلية، مما دفعهم الى تسليم الجمل بما حمل للمجهول وخسروا الهويات المحلية التي كانت وبلا شك سترفض ان تدخل في وحدة مع الشمال بما تملكه من إرث تاريخي وثقافي وقبلي يحصنها من الدخول في مغامرة غير محسوبة.
التجربة الثانية:
نتيجة الخطأ الكبير في القضاء على الهويات المحلية، والسيطرة على الجنوب من قبل حزب واحد بأفكار لا تتناسب مع تاريخ وارث الجنوب، تم الدخول في وحدة اندماجية مع الشمال عام 1990، هذه الوحدة أيضاً لم تراعي الهويات المحلية للجنوب، وحتى هوية الدولة الجنوبية الشابة التي استمرت 23 سنة فقط، لم يفكر الرفاق بالحافظ عليها مع انها صنيعتهم، حيث دخلوا الوحدة بدون أي ضمانات حقيقة تحافظ على هوية الجنوب ومستقبله السياسي، وهو ما دفع بالشريك الآخر لاستغلال الفرصة للقضاء على هوية الدولة التي وقع اتفاق الشراكة معها، وحتى على ما تبقى من هويات محلية، وكل ذلك بهدف الاستئثار على الجنوب ومقدراته.
تجارب فاشلة بحاجة للتقييم:
تجارب الوحدة في الجنوب فشلت سواء الوحدة الأولى بعد الاستقلال عام 1967 والتي قضت على الهويات المحلية لصالح المجهول، او الوحدة الثانية عام 1990 والتي تسببت في القضاء على الدولة الجنوبية لصالح قوى النفوذ في الشمال..
لم تكن تجارب عادية بل كانت مرحلة صراعات وحروب مدمرة قضت على مستقبل أجيال كاملة وأدخلت الجنوب في دوامة كان في غنى عنها!
لذلك هذه التجارب القاتلة بحاجة الى دراستها من قبل باحثين وكوادر متخصصة لدراستها بعمق وتمعن بهدف تقييمها والاستفادة منها لرسم مستقبل الجنوب القادم ولا سيما في هذه المرحلة الاستثنائية التي يُشكل فيها الجنوب من جديد لأن السير على نفس الطريق يعني الاستمرار بالنزيف.
#ياسر_اليافعي