صالح البيضاني
صالح البيضاني

ماذا ربح الحوثيون وماذا خسروا؟

 ​باتت الرسائل المتناقضة والمرتبكة التي يبعثها الحوثيون إلى الداخل والخارج إحدى سماتهم السياسية التي تعبّر عن غياب الرؤية الواضحة تجاه الحرب والسلام وحجم التدخل الإيراني في قرار الجماعة التي تموج من داخلها بتيارات متعددة الولاءات ومراكز القوى متقاطعة المصالح التي تشكلت خلال سنوات الحرب.

بعث الحوثيون مجددًا برسالة قوة في ذكرى انقلابهم التاسع من خلال استعراض عسكري احتوى على ما أرادوا التأكيد على أنه قوة الردع الخاصة بهم، والتي باتت حرة وطليقة، خصوصًا مع مشاركة طائرات حربية وأخرى مروحية في الاستعراض تعود ملكيتها إلى الجيش اليمني السابق. يبدو أنها نجت من “العاصفة” وظلت مخفية خوفًا من استهدافها حتى هذه اللحظة، التي أراد الحوثيون أن يوجّهوا فيها رسائل جديدة إلى الداخل قبل الخارج، بأنهم باتوا قوة يعترف بها العالم والإقليم، ويجب أن يخضع لها اليمنيون.

رسالة القوة الحوثية المزعومة جاءت بعد ساعات قليلة من لقاء نادر وغير مسبوق في مسار الأزمة اليمنية يستحق التأمل، لوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله في الرياض وفدًا حوثيًا، في إشارة واضحة إلى أن هناك تفاهمات حول الملف اليمني قطعت شوطًا متقدمًا لا رجعة عنه، أو بمعنى آخر، الإعلان شبه الرسمي عن انتهاء الحرب بشكلها القديم، وتحويل الرياض إلى وسيط وليس طرفًا في الحرب، باعتراف الحوثيين الضمني، كما عبَّرت عن ذلك صور اللقاء.

يشعر الحوثيون في هذه اللحظات بحالة من النشوة كشفوا عنها باستعراضهم العسكري الذي تلا اللقاء، وكذلك إعلان زعيم الجماعة عن تحولات جذرية وشيكة في شكل الدولة ومؤسساتها. يبدو أنها ستصبّ في اتجاه إحكام الحوثيين قبضتهم بشكل نهائي على إرث الدولة في صنعاء، وإسدال الستار على التحالف والشراكة الشكلية التي جمعتهم بحزب المؤتمر الشعبي العام، تحت ضغط الحرب ومقتضياتها السياسية والعسكرية. وهو الأمر الذي يظن الحوثيون أن أسبابه قد انتفت، وأنهم لم يعودوا في حاجة حتى إلى الشراكة الصورية مع أيّ مكونات سياسية أو اجتماعية في اليمن. ويودون استغلال اللحظة الراهنة لإنهاء مظاهر التحالفات الاضطرارية القديمة قبل الإعلان الوشيك عن اتفاق مرتقب سينهي الحرب القديمة، لتبدأ حربًا جديدة يظن الحوثيون أنها ستكون سهلة وسريعة!

تشير الصورة الأولى للمشهد اليمني في اللحظة الراهنة إلى أن الحوثيين قطفوا ثمار مغامراتهم السياسية والعسكرية التي يحتفلون بها اليوم بذكراها التاسعة، وأنهم خرجوا منتصرين من الحرب بعد أن استطاعوا تحييد التحالف العربي وتحويل الحرب إلى حرب داخلية خالصة، يعتقدون أنهم قادرون على حسمها في مواجهة خصومهم المحليين فيما تبقّى من شمال اليمن (مأرب وتعز والساحل الغربي)، وصولًا إلى المرحلة التالية المتمثلة في استهداف الجنوب عسكريًا بعد إنهاكه اقتصاديًا وخلخلته أمنيًا، واللعب بورق التناقضات السياسية والاجتماعية الجنوبية.

ضمن الحوثيون على الأقل خروج التحالف العربي من معادلة الحرب. ولكن الحقيقة هي أنهم خسروا كثيرًا من أوراق قوتهم، على الصعيدين الداخلي والخارجي. فتحول التحالف إلى “وسيط” بعد أن كان خصمًا أو طرفًا مباشرًا في دعم الشرعية اليمنية، سيسقط أهم الذرائع الحوثية في الداخل وسينهي ملف مظلوميتهم التي ظلوا يسوّقونها خارجيًا، كما سيضع الوضع الجديد الجماعة أمام تحديات كبيرة في مناطق سيطرتها على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والخدمي. هذه ملفات ظل الحوثيون يبرّرون ترحيلها بأنهم انشغلوا بأولويات الحرب وما كانوا يصفونه طوال الثماني السنوات الماضية بـ“العدوان الخارجي المدعوم أميركيا وغربيا”.

ستتغير معادلة الحرب والسلام في اليمن بكل تأكيد، لكن الحوثيين لن يجدوا في خصومهم المحليين الذين كانوا يتكئون على الدعم الإقليمي لقمة سائغة، بقدر ما سيجدون أنفسهم في مواجهة خصوم دون خيارات سوى النصر، أطراف باتت تتحمل كامل مسؤولياتها وتتحرر من أيّ ضغوط إقليمية كانت تتم استجابة لضغوط دولية. لقد كان الحوثيون محظوظين طيلة السنوات الماضية بالمواقف الدولية التي اتسمت بالضبابية وخدمت الانقلاب الحوثي وحالت في محطات كثيرة دون إلحاق الهزيمة به، كما حدث على سبيل المثال في معركة تحرير الحديدة التي لعب المجتمع الدولي دورًا حاسمًا في تعثرها من خلال ممارسة ضغوط سياسية شتى على الشرعية والتحالف العربي.

هذه ورقة ستسقط بكل تأكيد عندما يجد العالم نفسه إزاء حرب يمنية – يمنية قادمة دون تدخلات إقليمية ودون قدرة حقيقية على ممارسة ضغط من أيّ نوع على أطراف الصراع الإقليمي القديمة التي تحوّل دورها المباشر إلى مجرد وسيط، غير قادر على ردع الصواريخ والطائرات المسيّرة التي ستستخدم إذا ما نشبت الحرب القادمة من قبل الحوثيين وخصومهم على حد سواء. ولن يكون بمقدور الحوثي توسيع رقعة حربه حينها ليبتز العالم ويهدد مصالحه كما كان يحدث من قبل. كما سيفقد الحوثي مشروعية حربه عندما يكون في مواجهة أطراف يمنية أخرى، لا يمكن بعد اليوم وصفها بـ“عملاء العدوان”.

العرب اللندنية