يتميز شهر رمضان عن غيره من الشهور الأخرى وذلك لأسباب عدة لعل اهمها انه شهر الصيام والقيام الذي انزل فيه القرآن قال تعالى: {شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على على ما هداكم ولعلكم تشكرون} وقال صلى الله عليه وسلم: [إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين] كذلك يتميز هذا الشهر المبارك بأنه شهر العبادة والإستغفار وتلاوة القرآن وفيه ليلة القدر خير من الف شهر إلى جانب انه شهر الرباط والجهاد والفتوحات الإسلامية الكبرى التي خلدها التأريخ.
ورمضان يختلف من حيث الأجواء الإيمانية والعادات والتقاليد الشعبية من بلد إلى آخر ومن ذلك اليمن الذي تعيش حرب اهلية وازمات متلاحقة وحالة غير طبيعة من غلاء الأسعار وهبوط سعر العملة المحلية امام الدولار الأمريكي إلى مستويات قياسية ورغم كل ذلك إلا انها تتميز عن غيرها من البلدان العربية والإسلامية في استقبال رمضان والإستعداد له من كل الجوانب ومن ذلك قيام البعض خصوصا كبار السن بالتوقف عن ممارسة جميع الأعمال والأنشطة التجارية والتفرغ للعبادة وكذلك قيام الأسر اليمنية بالاستعداد من حيث التسوق وشراء جميع مستلزمات الشهر المبارك من السلع الغذائية وغيرها من احتياجات الأسر في الريف والمدن وما ان تبدأ اول ليلة من ليالي رمضان حتى تنقلب الأجواء راس على عقب وتتغير الطقوس اليومية المعتادة بشكل جذري فيستيقض الناس ليلا وينامون في الصباح وتبدأ حركة الأسواق التجارية والشعبية بالعمل منذ الساعة الرابعة قبل موعد الإفطار وتستمر حتى اذان المغرب حيث يذهب الجميع إلى المساجد للإفطار وأداء صلاة المغرب والعشاء والتراويح ثم يعودون لممارسة اعمالهم في البيع والشراء حتى وقت تناول وجبة السحور ثم يذهبون للمساجد لقراءة القرآن إلى ان يؤذن المؤذن لصلاة الفجر فيؤدون الصلاة جماعة بعدها ينصرفون ويعودون إلى منازلهم للنوم حتى اذان الظهر.
تقول الطبيبة الفرنسية كلودي فايان في كتابها "كنت طبيبة في اليمن" الذي صدر عام 1951: "وقد وجد اليمنيون حلا لصعوبة رمضان فهم يستيقظون الليل وينامون النهار ويسير كل شيء في هدوء ففي الصباح تخلو الشوارع وتغلق الدكاكين ويخرج العساكر من أماكنهم والنوم يداعب جفونهم ويذهبون إلى المسجد للصلاة بل إن المستشفى يخلو من المرضى الذين يرفضون العناية بهم في رمضان".
وتضيف قائلة: "ولكن الناس أجمعين يتلون القرآن حتى أولئك الذين لم أكن أصدق أنهم يعرفون القراءة ويكون السؤال عندما يلتقي الناس في الشارع هو (كيف رمضان؟) وبعد الظهر تدب الحياة في المدينة بالقدر الذي لا غنى عنه وعند الغروب تعلن المدافع انتهاء الصيام ويسرع الناس فيشربون ويشعلون لفافات التبغ ويتناولون قطعة من الخبز وبعض حبات التين ولكن لا أحد يأكل قبل أن يقتسم اللقمة الأولى مع أول من يلتقي به في الطريق في تلك اللحظة".
لا يختلف رمضان في الماضي عن رمضان في العصر الحاضر كثيرا فمازال ت العادات والتقاليد راسخة وباقية رغم تباعد الزمن ومايميز رمضان في اليمن كثيرا هو قراءة القرآن الكريم الذي يبث على جميع القنوات والإذعات المحلية وحتى في الشوارع والمنازل قبيل الإفطار بساعة بأصوات تراثية شجية رقراقة جميلة جدا تاخذ المستمع بعيدا إلى عالم آخر إضافة إلى دوي صوت مدفع الإفطار والسحور المعمول به منذ العهد العثماني وكذلك مشاهد الإفطار الجماعي والتكافل الإجتماعي والمجالس الأسرية وهو ما يعرف بالمقيل الذي يتم من خلاله تبادل الأراء والنقاشات حول الأمور السياسية والثقافية والإجتماعية واخبار ومستجدات الحرب في اليمن وغير ذلك من الأحداث الساخنة حتى على المستوى الإقليمي والدولي.
الحديث عن رمضان في اليمن حديث ممتع وذو شجون رغم اختفاء العديد من المظاهر الرمضانية بسبب الحروب والصراعات المسلحة والحالة المعيشية الصعبة للكثير من الأسر اليمنية الا ان رمضان مازال متميزا كتميز أبناء الشعب اليمني بقوته وصبره واصالته وحكمته ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عن أهل اليمن: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم.
لا اطيل عليكم وشهر مبارك وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وكل عام وانتم بخير،