د. زينب المحمود
د. زينب المحمود

العتب من المحبة

يقولون: «العتب من المحبة»، أو «العتاب للأحباب»، فعندما تمتدُّ حبال المحبة والمودة بين اثنين، يتحقق الأمل في الرضا وعودة الثقة والتماس العذر. وفي ذلك يقول الشاعر: أُعاتبُ مَنْ أَهوى على قَدْرِ وُدِّهِ ولا وُدَّ عِندي لِلَّذي لا أُعاتِبُـهُ إن الوقوع في المشكلات أمر وارد، وإن المواقف هي ميزان قوّة العلاقات أو ضعفها، وهي رهينة.

 تصرفات الأشخاص؛ فعندما يقابلك من تعاتبُه بصدر رحب، ويسمع أنّاتك، ويبكي لوجعك، وينفر مما جلب لك الضيق، فيبررُ، ويذكرُ عذره، وسبب تصرفه معك، فحتمًا ستنقشع سحابات الخلاف، وترحل قطعان الضغينة، ويزول كل ما يشوبك ويكدّر خاطرك. 

وعلى العكس من ذلك، عندما ينسحب الشخص من عتابك إياه، ويتعذر بعدم سماع هذا العتب، ويضيق صدره من مواجهتك، فتشريح حالته في هذا الموقف يدلل على رغبته بالرحيل عن رحابك، وتركك، لأنه لم يكترث بحزنك، ولم يهتمَّ بمشاعرك، وربما تكرّر المحاولة مرات أخرى ظنًا منك بأن تلك المحاولات قد تطيّب خاطرك، وتطبب قلبك، وتصلح ما بينكما من نفور، وتزيل ما اعتراكما من كدر. 

وعلى العكس تمامًا من ذلك، فعندما لا تجد العتب، أو الحوار، بل ربما الانسحاب التام، فمعنى ذلك أن القطيعة هي الحُكم الصادر بحق العلاقة بينكما. حذارِ، حذارِ، ممن وصل إلى مرحلةٍ لا يعاتبك فيها، فهو في هذه الحالة ينسج خيوط النهاية على مكث، ويحيك حلّة القطيعة على مهل؛ لأنَّ الحبَّ والودّ تجاهك قد خلا منه قلبه، وأُفرغت منه نفسه. اجعل شعارك (لم أتغير، ولن أتغير، وسأعامل الناس كما يعاملوني، ولن أندم على فراق أحد. من يريدني سيبقى إلى جانبي، ومن ستحلو حياته من دوني، فسأتمنى له حياة سعيدة).

 

 لسنا في حاجة إلى مزيد من الحزن ما دمنا موقنين بأن من أمامنا يهمل شعورنا قاصدًا، ويزيد جرعات آلامنا التي تفقدنا الأمل، وتثنينا عن السعي والعمل.إنّ فرص العيش الآمن كثيرة، فلنأخذ منها أفضلها، وأنسبها لوجداننا، فنحن مخيرون، وبأيدينا قلب الموازين لتصبح في مصلحتنا. إن التخلي هو دواء لقلبك وروحك، وليس دائمًا فيه أذًى، فإذا تعالى عليك أحد، فأهنه بالتخلي، ولا تدع الأشخاص السامّين يستأجرون مساحة من رأسك. اِرفع الإيجار، واطردهم غير مأسوف عليهم. فكسب النفس بالعدل، خير من إنفاق الوقت وهدره في غير موضعه.

 

 وكما قيل: «جاور جميل الروح، تصبك عدوى جماله». وأخيرًا، ابحث عمّن يشاركك لحظاتك، ويبادلك الشعور، ويقاسمك اللحظات مهما كانت، فأحيانًا لسنا في حاجة إلى من يمنحنا مظلة تقينا الشمس والمطر، بل نحتاج إلى من يشاركنا الحرّ والبلل، فمساحة الشعور تفوق مساحة العطاء. وختامًا، لا تعاتب من لا يرعاك، بل عليك تغيير أولوياتك فحسب.