تسبب حريقٌ مميت في صنعاء في مقتل العشرات من المهاجرين الإفريقيين، الأحد 7 مارس. وحسب الحصيلة الأولية، التي نشرتها وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، فقد وصل عدد الضحايا إلى 60 شخصاً؛ بينهم يمنيون، وذلك نقلاً عن مصدر مسؤول في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وحسب المنظمة الدولية للهجرة، في تصريحٍ خاص أَدلَت به إلى “كيوبوست”، فإن عدد القتلى الإجمالي غير مؤكد بعد؛ لكن المنظمة تعتقد أن مكان الحريق كان يؤوي 350 شخصاً. كما قد تمت معالجة ما يزيد قليلاً على 170 مصاباً. وحسب إفادة المنظمة لـ”كيوبوست”، فقد كان فريق من المنظمة موجوداً في المنشأة، إلا أنه لم يكن في المنطقة المجاورة لمكان الحريق بشكل مباشر. وقد انصب تركيز فِرق المنظمة، والذي شمل أطباء وممرضين ومترجمين، على إنقاذ حياة الضحايا.
لا تزال أسباب الحادث غير مؤكدة؛ حيث تروي مصادر مختلفة روايات متباينة. وحسب بعض المصادر المحلية، فإن الحريق ناتج عن قيام أحد الحراس برمي قنبلة مسيلة للدموع على المحتجزين الإفريقيين داخل مصلحة الهجرة والجوازات بصنعاء، وذلك أثناء احتجاج المهاجرين داخل عنبر احتجاز مكتظ، وقد نشب الحريق عندما قام أحد الحاضرين بوضع بطانية على القنبلة.
كانت سلطات الحوثيين تحتجز المئات من المهاجرين الإفريقيين تحضيراً لترحيلهم، حسب إفادة مسؤول أمني في صنعاء لـ”شينخوا”. لكن وزير الإعلام في الحكومة اليمنية الشرعية أكد أن الحادث جاء نتيجة محاولة الحوثيين إجبار المهاجرين؛ إما على الالتحاق بجبهات القتال، وإما السجن والترحيل. وطالب الإرياني بالضغط على الحوثيين؛ لوقف تجنيد المهاجرين الإفريقيين.
كما تتهم مصادر إثيوبية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، حسب شبكة “بي بي سي”، الحوثيين بفرض مبالغ مالية على المهاجرين مقابل ترحيلهم، وأن الحوثيين يساومون اللاجئين للانضمام إلى جبهات القتال؛ وهو ما أدى إلى إضراب المهاجرين واشتباكهم مع الحراس.
مهاجرون إثيوبيون أُجبروا على الحجر في صنعاء بسبب فيروس كورونا- “نيويورك تايمز” وحسب ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة لـ”كيوبوست”، على الرغم من وجود فريق المنظمة في المنشأة؛ فإنه لم يكن قريباً بما فيه الكفاية من منطقة الحريق لمشاهدة أسباب الكارثة. وتأمل المنظمة الدولية للهجرة أن تتمكن المجموعات ذات الصلة؛ لا سيما منظمات حقوق الإنسان، من مواصلة النظر في الحادث ونشر المعلومات المؤكدة بمجرد أن يتمكنوا من إثباتها، وكذلك الاستمرار في المطالبة بإجراء تحقيقٍ مناسب.
وحول مزاعم تجنيد المهاجرين الإفريقيين، أفادت أوليفيا هيدون، المتحدثة الرسمية لمنظمة الهجرة الدولية، في مقابلةٍ سابقة مع “كيوبوست”، أن المنظمة لا تستطيع التحقق أو تأكيد أن المهاجرين يشاركون في الصراع أو أنه تم تجنيدهم، وأن المنظمة “قيد النظر في الأمر”.
طريق محفوف بالمخاطر
تعتبر اليمن وجهة لآلاف المهاجرين الإفريقيين سنوياً، والذين يعتزم غالبيتهم السفر إلى المملكة العربية السعودية كوجهة نهائية؛ لكنهم لا يدركون مدى المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا إليها، كما لا يعلمون حقيقة أنهم سيدخلون اليمن والسعودية بشكلٍ غير نظامي.
يتعرض المهاجرون القادمون من القرن الإفريقي إلى مخاطر جمة طوال الرحلة؛ سواء أثناء تنقلهم في البر الإفريقي أو أثناء الإبحار عبر خليج عدن، أو حتى عند الوصول إلى البر اليمني. وعلى الرغم من أن المهاجرين يسلكون هذه المسارات منذ ما قبل الأزمة اليمنية؛ فإن الصراع الدائر في اليمن جعل هذه الرحلة أكثر خطورة وصعوبة أكثر من أي وقتٍ مضى.
ومع استمرار الصراع في اليمن، وضعف البنية التحتية وقدرات المجتمعات المحلية، يصبح المهاجرون أكثر عرضة لمخاطر النوم في العراء، ونقص الطعام والشراب، والتعرض للأمراض مع محدودية قدرة الحصول على الرعاية الصحية.
الكثير من رحلات المهاجرين الإفريقيين تبدأ من مناطق الحدود الصومالية- الإثيوبية، وصولاً إلى مدينة بوصاصو الساحلية؛ وهي العاصمة التجارية لمنطقة أرض البنط ذات الحكم الذاتي في شمال شرق الصومال. تتولى شبكات التهريب نقل أولئك المهاجرين بحراً عبر خليج عدن إلى سواحل اليمن الجنوبية. غالباً ما تُستخدم قوارب صغيرة متهالكة ومكتظة لهذا الغرض؛ وهو ما يعرض الكثير من المهاجرين إلى مخاطر الغرق.
ينوي معظم المهاجرين الارتحال إلى السعودية مروراً باليمن؛ إلا أن القيود المفروضة على التنقل بسبب جائحة “كوفيد-19” جعلت الكثيرين منهم -مؤخراً- عالقين داخل الأراضي اليمنية بعد فشل اجتياز الحدود السعودية. وحسب ما أفادت أوليفيا هيدون لـ”كيوبوست”، فإن المهاجرين الواصلين إلى اليمن يعانون ازدياد الاعتقالات والقيود المفروضة على التنقل، بالإضافة إلى النقل القسري إلى مناطق بعيدة عن المراكز أو الخدمات الحضرية الرئيسية. ناهيك بالانتهاكات التي يعانيها الكثير منهم على أيدي المهربين والمتاجرين بالبشر؛ ومن بينها الاستغلال والتعذيب.
وتؤكد المنظمة الدولية للهجرة أن هناك حاجة إلى تعاون أفضل لحماية المهاجرين الضعفاء بين جميع البلدان الواقعة على الطريق بين القرن الإفريقي والخليج، وأن المسؤولية لا تقع على عاتق دولةٍ واحدة، وأنه يجب إنشاء مسارات آمنة وقانونية؛ حتى لا يشعر المهاجرون أنهم لا يمتلكون غير خيار واحد للسفر عبر طرق خطرة بشكل اعتيادي.
لطالما كان اليمن بلداً مضيافاً ومتسامحاً مع المهاجرين رغم قدراته المحدودة، كما أن العلاقة بين اليمن والقرن الإفريقي هي علاقة قديمة تعود بجذورها إلى آلاف السنين؛ ولكن الصراع في اليمن والأزمة الاقتصادية والإنسانية يجعلان من هذا البلد أقل قدرة على حماية ورعاية مواطنيه، فضلاً عن اللاجئين.
كما أن أطراف الصراع، على ما يبدو، تحاول استغلال قضية اللاجئين لصالحها بطرقٍ مختلفة؛ وهو أمر يدعو إلى القلق الشديد على سلامة وأمن المهاجرين، ويسترعي انتباه المجتمع الدولي والجهات المعنية لدعم الجهود المبذولة لمساعدة المهاجرين بطريقةٍ حيادية وصارمة تبقيهم في مأمن من المناكفة السياسية والاستغلال.