اللواء سعيد الحريري
اللواء سعيد الحريري

“شكراً انتقالي”.. من الإقصاء إلى النفور!

عندما تشكَّل المجلس الانتقالي الجنوبي، كان كثيرون في الجنوب يرونه ممثلًا لقضيتهم وصوتًا لمطالبهم. لكن مع مرور الوقت، تحولت سياساته من وعود بتحقيق العدالة والكرامة إلى ممارسات إقصائية ومناطقية، جعلت حتى بعض أنصاره يفقدون الثقة به. والنتيجة؟ تحول تدريجي في المزاج الشعبي الجنوبي من الانفصال إلى إعادة النظر في الوحدة، ولو من باب البحث عن بديل أفضل من واقع المجلس الانتقالي الحالي.

 

الإقصاء.. شعار المرحلة

 

منذ سيطرته على عدن ومناطق أخرى، بدأ المجلس الانتقالي بإقصاء كل من لا يتفق مع سياساته أو لا ينتمي إلى دائرته الضيقة. فبدلًا من أن يكون كيانًا جامعًا لكل أبناء الجنوب، أصبح أداة بيد فصيل معين، يمارس سياسة التهميش ضد بقية الجنوبيين، سواء كانوا من قوى سياسية مختلفة أو حتى من مناطق لا تحظى بثقله السياسي.

 • إقصاء القوى السياسية: استهدف الانتقالي الأحزاب والشخصيات التي لا تتفق معه، ومنعها من ممارسة أي نشاط سياسي بحرية.

 • المناطقية في التعيينات: أصبحت المناصب القيادية حكرًا على مناطق محددة، مما خلق حالة من التذمر لدى أبناء الجنوب الآخرين.

 • التعامل الأمني القمعي: لجأ المجلس إلى الاعتقالات التعسفية والممارسات الأمنية القاسية ضد معارضيه، حتى من داخل الجنوب نفسه.

 

المناطقية.. سلاح دمر المشروع الجنوبي

 

المناطقية التي يمارسها المجلس الانتقالي كانت من أكثر العوامل التي أدت إلى نفور الجنوبيين منه. فبدلًا من تقديم نموذج لحكم عادل يشمل كل أبناء الجنوب، تحوّل المجلس إلى كيان مناطقي بامتياز، يقصي كل من لا ينتمي إلى دائرته الضيقة، مما جعل الجنوبيين يشعرون أن مستقبلهم تحت حكم الانتقالي لن يكون إلا تكرارًا لمظالم الماضي، لكن بوجوه جديدة.

 • صراعات داخلية متفاقمة: أصبح الجنوب اليوم ساحة لصراعات بين الفصائل التي يفترض أنها تتبنى القضية نفسها، بسبب احتكار القرار والمناصب من قبل فصيل معين.

 • تهميش أبناء المحافظات الأخرى: رغم أن الانتقالي يرفع شعار تمثيل الجنوب، إلا أن أبناء بعض المحافظات يشعرون بأنهم مستبعدون تمامًا من المعادلة، مما دفعهم لإعادة التفكير في خيار الوحدة كبديل عن حكم مناطقي ضيق الأفق.

 

التحول في المزاج الجنوبي.. من الانفصال إلى الوحدة

 

نتيجة لهذه الممارسات، بدأ كثير من الجنوبيين يدركون أن خيار الانفصال في ظل حكم المجلس الانتقالي لن يكون الحل الذي حلموا به، بل قد يكون كارثة أخرى. ولهذا، شهدت الساحة الجنوبية تحولات ملموسة في المواقف، حيث بدأ البعض يفضلون البقاء في إطار الوحدة، ولكن بوضع جديد يضمن لهم العدالة، بدلاً من الدخول في مشروع انفصالي قد ينتهي بحكم استبدادي مناطقي لا يقل سوءًا عن أي حكم آخر.

 • رفض متزايد للانتقالي داخل الجنوب: كثير من الشخصيات والقبائل الجنوبية باتت تعارض الانتقالي علنًا بسبب سياساته الإقصائية.

 • عودة الروح الوحدوية لدى البعض: لم يعد خيار الوحدة مرفوضًا كما كان سابقًا، بل أصبح يُنظر إليه كبديل عن مشروع انفصالي فاشل يكرس التمييز والمناطقية.

 • ضعف التأييد الشعبي للمجلس: رغم محاولاته السيطرة على الجنوب، فإن التأييد الشعبي للمجلس الانتقالي يتراجع بشكل واضح، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في الجنوب.

 

رؤية شخصية: من داعية انفصال إلى مؤمن بالوحدة

 

وأنا العبد الفقير، كاتب هذه الأسطر، كنت من أبرز دعاة الانفصال عندما كان حراكنا السلمي نقيًا، يعبّر بصدق عن تطلعات أبناء الجنوب. كنا نحلم بجنوب يسوده العدل، وتحكمه قيم الشراكة والكرامة. لكن عندما تحول المشروع الجنوبي إلى لعبة مناطقية، تقوم على الإقصاء والاستحواذ، أيقنت أن الوحدة—إذا قامت على أسس عادلة—هي صمام الأمان لكل أبناء الوطن.

 

لكن هذه الوحدة ليست وحدة “الضم والإلحاق”، ولا يمكن أن تكون عودة “الفرع إلى الأصل”، بل يجب أن تكون شراكة حقيقية بين الجميع، تضمن لكل المناطق حقوقها، وتحقق المواطنة المتساوية، بعيدًا عن المركزية المدمرة والمناطقية المقيتة.

 

خاتمة: “شكراً انتقالي!”

 

إذا كان المجلس الانتقالي قد نجح في شيء، فهو أنه أظهر للجنوبيين الوجه الحقيقي لمشروعه، وأثبت أن الانفصال على يديه لن يكون تحقيقًا لحلم الدولة الجنوبية العادلة، بل بداية لحكم مناطقي جديد أكثر ظلمًا وإقصاءً.

 

وبهذا، فإن كثيرًا من أبناء الجنوب اليوم يقولون: “شكراً انتقالي، لقد جعلتنا نعيد التفكير في خيار الوحدة!”

 

اللواء الركن : سعيد الحريري