مصر بعد السعودية تشرع في نفض الغبار عن التراث الفقهي

عربي ودولي
قبل سنتين I الأخبار I عربي ودولي

 حرّكت تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ثم شيخ الأزهر أحمد الطيب، بشأن التراث الفقهي وضرورة تنقيحه، الكثير من المياه الراكدة في حقل التجديد الديني والفكري، وأحدثت صدمة لدى جماعات الإسلام السياسي التي عولت على أن يظل الجمود مستمرا لخدمة أهدافها ومصالحها.

وقال شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الاثنين، إن التيار الوسطي وحده الجدير بمهمة التجديد الذي تتطلع إليه الأمة ولا يشوه الدين ولا يلغيه ويأخذ من كنوزه ويستضيء بهديه ويترك ما لا يناسب من أحكامه الفقهية لفتراته التي قيلت فيها.

وقرّر الأزهر إنشاء مركز دائم باسم “مركز الأزهر للتراث والتجديد” يضم علماء المسلمين من داخل مصر وخارجها ومجموعة من أساتذة الجامعات والمتخصصين في مجالات المعرفة ممن يرغبون في الإسهام في عملية التجديد.

عبدالغني هندي: الأزهر يواجه عدة أزمات على طريق التجديد، أولها قناعة قياداته

ودعا شيخ الأزهر في حلقة سابقة من برنامجه التلفزيوني “الإمام الطيّب” المذاع يوميا في رمضان، كبار العلماء إلى الاجتهاد الجماعي في 25 قضية جديدة ومعاصرة على رأسها قضايا الإرهاب والتكفير والهجرة والالتحاق بجماعات العنف المسلح وقضايا المرأة.

وتطرق في دعوته إلى قضايا لم يقترب منها من قبل، وبدا كأنه يريد التخلص من جمود أفكار قياداته التي ظلت مهيمنة على توجهات الأزهر في مسألة التجديد عموما.

ويبدو أن الشيخ أحمد الطيّب وجد البيئة مواتية لطرح الأفكار التنويرية علنا من خلال برنامج يشاهده الملايين من الناس، وأن حديث ولي العهد السعودي قبل أيام، ساعده على أن يقدم هذه الدعاوى من دون أن يلقى معارضة قوية من داخل مؤسسته التي تأثرت قياداتها بالفكر الوهابي في السعودية.

وأكد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية أن تفسير الإسلام في بلاده لم يعد مقتصرا على تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأن السعودية ملتزمة بتطبيق نصوص القرآن والأحاديث المتواترة، مشيرا إلى أن الحكومة “تنظر إلى أحاديث الآحاد حسب صحتها وضعفها ووضعها”.

وكشف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عبدالغني هندي، أن الأزهر يواجه عدة أزمات على طريق التجديد، أولها قناعة قياداته بهذا الأمر في ظل هيمنة تيارات سياسية على اتخاذ القرار الفقهي داخله، وسيكون التحدي الأول أمام تنفيذ رؤية شيخ الأزهر إداريا وليس فقهيا، لأنه سيصطدم برفض تيار لديه أجندة سياسية وآخرين يتعاملون مع مناصبهم على أنها وظيفة تقليدية غير مؤهلة للتجديد.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة الأخرى ترتبط بعملية التمويل التي تجعل من التجديد أسلوب عمل للمؤسسات المنضوية تحت لواء الأزهر، وكيفية تحقيق البعد السياسي المرتبط بمواجهة أفكار التنظيمات المتطرفة داخليا وخارجيا.

محمد أبوحامد: جمود الفكر الديني ألقى بظلاله السلبية على حركة التقدم

وبغض النظر عن وجود اتفاق بين مصر والسعودية على طرح رؤية التجديد في توقيت متقارب من عدمه، فإن هذه الأفكار ستأخذ طريقها نحو التأثير المباشر في المجتمعات العربية لما تمثله الدولتان من رمزية دينية، وأن توافق الرؤى بين المؤسسات السياسية والدينية يقلص فرص التشكيك في أي خطوات جادة لتجديد الخطاب الديني.

وتعمل مصر والسعودية منذ سنوات على سد الفجوات بين الحسابات السياسية التي تأخذ مواقف جريئة من التحديث وبين مواقف القيادات الدينية والعلماء المتخصصين التي تميل نحو الجمود، وبفعل طبيعة العلاقة بين المؤسسات المختلفة في السعودية جرت ترجمة الكثير من الرؤى السياسية إلى خطوات عملية شكلت أساسا للتجديد.

ولم يأخذ الأمر في مصر التطور نفسه لأن شيخ الأزهر رفض في مرات عديدة إعادة النظر في تنقيح التراث وتمسك برؤية المؤسسة الدينية الأكبر في البلاد، وبدا أن هناك انفصاما بينها وبين السلطة السياسية الساعية نحو التجديد، إلى أن أدرك الأزهر أن التطورات الاجتماعية في مصر ومحيطها العربي سوف تتجاوزه وقد تهزّ مكانته.

وقال الباحث في شؤون الأديان محمد أبوحامد، إن مطالبات مراجعة الخطاب الديني وتجديده باتت شعبية بعد أن أضحى الخطاب الحالي غير قادر على التعامل مع المشكلات الاجتماعية، وفي الوقت ذاته هناك مسائل فقهية عدة تم إدخالها على الفكر الديني ليست من صحيح الإسلام لخدمة تيارات سياسية، وهو ما نتجت عنه ظواهر سلبية في بعض المجتمعات العربية التي أيقنت الآن بحتمية للتجديد.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن قدرة قادة الفكر في الدول العربية على التأثير في القيادات السياسية أفسحت المجال أمام الوصول إلى المرحلة الراهنة التي انتقلت فيها رؤية التجديد إلى رأس المؤسسة الدينية في مصر.

وأشار إلى أن تحركات السعودية ومصر سوف يكون لها مردود اجتماعي وسياسي لأن هناك معاناة مشتركة من جمود الفكر الديني ألقت بظلالها السلبية على حركة التقدم في مجالات مختلفة.

ويعتقد مراقبون أن تشكيك جماعات الإسلام السياسي في المؤسسات الدينية ورؤاها الفقهية لا يمنع تأثرها بالتطور الفكري، لأن الاهتمام المتصاعد الذي تأخذه قضية التجديد وتسليط الضوء عليها من خلال وسائل الإعلام والتطرق لقضايا الإرهاب والانضمام للحركات المسلحة عوامل تضيّق الخناق على الأفكار المتشددة.

مصر والسعودية تعملان منذ سنوات على سد الفجوات بين الحسابات السياسية التي تأخذ مواقف جريئة من التحديث وبين مواقف القيادات الدينية والعلماء المتخصصين التي تميل نحو الجمود

ويقلص إعلان شيخ الأزهر عن وجود قضايا بعينها بحاجة إلى التجديد من قدرة تنظيم الإخوان وغيره من التنظيمات الإسلامية على التأثير في العامة، لأن سكوت المؤسسات الدينية كان يعني أن ما تذهب إليه القيادة السياسية له أهداف خاصة بها بخلاف الوضع القائم الذي يأتي فيه التجديد من الأزهر.

ويتطلب تحقيق نتائج إيجابية بلورة استراتيجية شاملة للتجديد، مع منهجية تعليمية لخطاب ديني متطور من خلال تطوير آليات عمل المعاهد والجامعات الدينية والانفتاح بشكل أكبر على تعديل مناهج التدريس، ويطال هذا التغيير مناهج البحث الفقهي أيضا التي مازالت رهينة ما جاء في كتب التراث.

ويمكن أن تواجه دعاوى التجديد تحديات كبيرة بسبب تغلغل تيار الإسلام السياسي في المؤسسات الدينية بكل من مصر والسعودية، وشكلت من قبل حاضنة لعناصره، ومازالت لا تقتنع بالرؤى التنويرية الحديثة.

وتدعم جدية القاهرة والرياض في التعامل مع أخطار تنظيمات الإسلام السياسي إمكانية التحرك بشكل مشترك بين المؤسسات الدينية في البلدين، وتكامل الجهود مع غيرها من التصورات الفقهية للمؤسسات الدينية في دول المغرب العربي، مع الاستعانة بمفكرين وأستاذة فلسفة إسلامية، وعدم اقتصار الأمر على الاجتهادات الدينية بعيدا عن الفضاء المجتمعي المحيط بعملية التجديد.