السوشيال ميديا تعمق من طغيان العلاقات المادية على التعاملات بين الأسر

عربي ودولي
قبل 3 سنوات I الأخبار I عربي ودولي

يشير مستشارو العلاقات الأسرية إلى أن السوشيال ميديا ساهمت إلى حد كبير في تغيير نمط العلاقات بين الأسر، مؤكدين على أن هذه العلاقات أصبحت محكومة بمنطق المظاهر الخداعة وطغيان العلاقات المادية ما أثر سلبا على أفرادها.

وقالت علياء فرادي الأربعينية والأم لبنتين إنها أصبحت تحمل مشاعر الكره لزوجها نتيجة ما تراه يوميا من صور وسيلفيات لصديقاتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. وتظهر هذه الصور مدى سعادة صديقاتها ورفاههن في حين تقضي هي معظم وقتها في ترتيب المنزل والطبخ وكي الملابس ولا تجد متسعا من الوقت لتعتني بنفسها.

وأضافت لـ“العرب” أنها أصبحت غير راضية عن حياتها وأنها ترى في بنتيها وزوجها سببا لتعاستها نظرا لمقارنتها الشديدة لنفسها مع وضعيات نساء في نفس عمرها لكنهن يبدون أفضل منها وأحسن اهتماما بمظهرهن وبشرتهن وأناقتهن ولباسهن.

وأشارت إلى أنها أصبحت تطلب من زوجها أن يوفر لها مصروفا خاصا لتشتري أغراضا مثل صديقاتها لكنه كان يتجاهلها بتعلة أن صور السيلفي ليست دائما انعكاسا للواقع.

وقارن الكاتب البحريني فيصل الشيخ في حديثه عن العلاقات بين الأشخاص التي أصبحت تحكمها المظاهر الخداعة، بين شعار أحد إعلانات ماركة سيارات اقتصادية وبين حقيقة السيارة. وقال الشيخ “بإسقاط الفكرة على واقع حياتنا، هذه الحياة التي باتت في الكثير من الأمور تعتمد على المظاهر والتي بعضها خداع لا يمت للواقع بصلة، بحيث ترى ما يريدون لك أن تراه، ترى الأمور الجميلة، ترى الشكل الخارجي، وتختفي عن عيونك المجردة الكثير من الجوانب الداخلية والتفاصيل الدقيقة، والتي بمعرفتها قد يتغير مفهومك عن الجمال والكمال والفضائل وغيرها”.

وأضاف أنه من الأساسيات التي يجب أن ندركها في هذا الجانب، أن المحتوى المقدم للناس، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقدم لك الحقيقة المجردة.

وتابع “اليوم إن كنت ناشطًا في مواقع التواصل الاجتماعي فإنك غالبًا لن تقدم الصورة السلبية، بل الإيجابية فقط، ستقدم الشيء الذي يعجب الناس ويبهرهم، وهناك من يقدم المفيد والقيّم، وقليل جدًا من سيقدم لك الصورة الحقيقية المجردة”.

وقـال الدكتور ضياء المندلاوي المختص العراقي في علم النفس إن العلاقات المادية المبنية على أساس المصالح والقائمة على حاجات الأفراد وتفضيلاتهم انتشرت في الآونة الأخيرة وأصبحت مثل التجارة يجب أن تكون فيها منفعة للطرفين بشكل تبادلي، بعيدا عن العلاقات الإنسانية الأصيلة المبنية على احتـرام الآخر والتبادل الثقافي والعلمي.

وأضاف لـ“العرب” أن السوشيال ميديا أثرت بشـــكل كبير على إنتاج هذا النـوع من العلاقات، وقللت من التآلف والمحبة والعلاقات الحميمة بين الأسر و“أصبحنا نرى كل فرد يمسك بأحد الأجهزة الإلكترونية ويجلس منفردا، في عالم خاص، تتوفر فيه كافة الجوانب الإيجابية والسلبية، دون أي رقابة”.

وأكد المندلاوي أن التعامل مـــع السوشيال ميديا يعتمد علـــى ثقافة الفرد ووعيه وتنشئته الصحيحة على كيفية اســـتثمارها بشكل إيجابي. ودعا الأسر إلى ضرورة توفير جزء من وقتها للجلوس مع بعضها وتبادل الحديث، لإضفاء روح الحب والسلم الاجتماعي وتقبل الآخر، بعيدا عن العلاقات المادية.

ضياء المندلاوي: السوشيال ميديا قللت من المحبة والعلاقات الحميمة بين الأسر

وتستخدم مواقع التواصل صورا لعارضات أزياء من ذوات الوزن المثالي، وأخريات عُدلت صورهن باستخدام برامج الفوتوشوب لتبدو أكثر جمالا، لكن مثل هذه الصور تؤثر سلبيا على الاعتداد بالنفس والثقة في الذات بين النساء الشابات. والآن، باتت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا مصدرا رئيسيا للقلق بسبب ما تحدثه من تأثير مماثل.

وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي في جعل أكثر من نصف مستخدميها غير راضين عن أشكالهم، وفقا لاستطلاع شمل 1.500 مستخدم أجرته مؤسسة “سكوب” للأعمال الخيرية لخدمة المعاقين. إذ يقول نصف هؤلاء ممن تبلغ أعمارهم بين 18-34 عاما، إن هذه المواقع تجعلهم يشعرون بأنهم لا يتمتعون بأي جاذبية.

وفي دراسة أجراها باحثون بجامعة “بن ستيت” الأميركية عام 2016، توصل فريق البحث إلى أن رؤية صور السيلفي لأشخاص آخرين تقلل من الاعتداد بالنفس لدى المستخدمين، لأنهم يقارنون أنفسهم بمثل هذه الصور التي تظهر مدى سعادة أصحابها.

كما توصلت دراسة أجرتها ثلاث جامعات في الولايات المتحدة، وهي جامعة ستراثكلايد وأوهايو وإيوا، إلى أن النساء يقارن أنفسهن بشكل سلبي بصور السيلفي التي يشاهدنها لنساء آخريات.

كما توصل الباحثون إلى أن المرأة تقضي وقتا أطول من الرجل على موقع فيسبوك، وأنها تَخبر مشاعر الغيرة أكثر من الرجل بشكل كبير عندما تفعل ذلك. وخلص الباحثون إلى أنهم يعتقدون أن بيئة فيسبوك خلقت لدى النساء مثل هذه المشاعر، وعززت لديهن مخاوف بشأن مدى قوة علاقاتهن بشركائهن.

وفي بحث يضم 600 شخص بالغ، قال ثلثهم تقريبا إن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل لديهم مشاعر سلبية، وخاصة اليأس، وإن السبب الرئيسي وراء ذلك كان الحسد. وكان ذلك يظهر من خلال مقارنة حياتهم بحياة آخرين، وأن المتسبب الأكبر في ذلك كانت صور السيلفي التي يلتقطها الآخرون أثناء الرحلات.

إضافة إلى ذلك، سببت مشاعر الحسد تلك “دوامة من الحسد”، إذ كان رد فعل الناس تجاه هذا الشعور بالحسد هو إضافة المزيد من الصور إلى ملفاتهم الشخصية على الإنترنت.