شباب خليجيون يعرضون عن تعدد الزوجات..لماذا؟

عربي ودولي
قبل 3 سنوات I الأخبار I عربي ودولي

سجلت العديد من المجتمعات الخليجية تراجعا ملحوظا في ظاهرة تعدد الزوجات مقارنة بما كان سائدا في الماضي، استجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شهدتها، ونمو الوعي العام لدى فئة الشباب الأكثر تعليما، ما أسهم في إحداث تغيير في العقلية التي تبيح الزواج بأكثر من امرأة واحدة.

كما قلص مستوى تعليم المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل وزيادة اضطلاعها بأدوار حياتية مغايرة للأدوار التقليدية التي درجت على تأديتها من تبعيتها للرجل، اجتماعيا واقتصاديا، وبدأ يتزايد أنموذج المرأة التي تشتغل وتعيل نفسها.

وتعتقد معظم النساء الخليجيات اللواتي تحدثن لـ”العرب” بأن الاستقلالية المادية للمرأة قد أصبحت اليوم أمرا ضروريا أكثر من ذي قبل، وهي بمثابة السلطة التي تجعلهن لا يقبلن بالزواج من رجل متزوج من امرأة ثانية وثالثة أو رابعة، ويحجر على أحلامهن ولا يوفر لهن المال الكافي ولا يلبي احتياجاتهن، كما أن مثل هذا النوع من الزيجات لا يفرض على الرجل التزامات مالية أو ضمانات اجتماعية لحماية حقوق الزوجات في حال فشل الزواج، إضافة إلى تفكك الأسرة وحرمان الأطفال من حنان الأب الذي قد ينقسم بين أكثر من أسرة.

فرحان العرفج: ظاهرة تعدد الزوجات تراجعت في المجتمعات الخليجية

وسبق وان كشفت دراسة  عرضت في منتدى “الأسرة العربية حول الزواج” بالدوحة، أنّ نسبة تعدد الزوجات في الكويت كانت من بين الأعلى في العالم العربي بين 2010 و2015 بمعدل 8.13 في المئة، تليها قطر بنسبة 7.88 في المئة، ثم البحرين بنسبة 5.16 في المئة، فيما لم تتوافر البيانات اللازمة لمعرفة نسب التعدد في السعودية وعمان والإمارات.

وأكدت الدراسة أن الدول جميعها لامست التنمية والتطوير ومن ثم التغيير المستمر في جوانب حياة المرأة التي تشهد المزيد من عمليات التمكين في الحياة العامة.

وبالرغم من أن ظاهرة تعدد الزوجات، لا تزال منتشرة في عدة أوساط قبلية وريفية في المجتمعات الخليجية، إلا أن الانفتاح الحضاري ساهم بشكل كبير في الحدّ من نمط الزواج المتعدد.

‏وتتفاوت النظرة لتعدد الزوجات بين الجيل الشباب باختلاف المستوى الاجتماعي والثقافي وتأخذ أحيانا أبعادا وممارسات مختلفة تبيح للبعض من الرجال مجاراة نمط الزواج المتعدد، خاصة إذا كانت الزوجة الأولى عقيمة أو تعاني من مرض مزمن.

الظروف المادية الصعبة ويرى رجل عراقي فضل عدم ذكر اسمه ومتزوج من امرأة واحدة، أن تعدد الزوجات لمن لديه الإمكانيات المادية لا مشكلات فيه، خاصة إذا وافقت الزوجة الأولى، واستطاع الزوج أن يعدل بين الزوجتين.

ويشدد قانون الأحوال الشخصية في العراق على شرط العدل من الناحية المالية بين الزوجات، حيث ينص على “إلزام الزوج بتقديم طلب للمحكمة من أجل التأكد من قدرته المالية على إعالة أكثر من زوجة وتهيئة متطلبات المعيشة الضرورية، أما الشرط الثاني فهو توفر المصلحة المشروعة كالإنجاب في ما كانت الزوجة الأولى مصابة بالعقم، وأي مصلحة يراها القاضي في الزواج الثاني مشروعة”.

ورفضت امرأة سعودية أطلقت على نفسها اسم حصة (اسم مستعار) فكرة مشاركة زوجها مع امرأة مهما كانت الأسباب، مشددة على أن الرجل مهما أخذ عهودا على نفسه بالعدل، فلن يحقق ذلك بسبب المشاغل اليومية، وسيواجه الكثير من المتطلبات المادية والنفسية ما قد يجعله مشتتا.

وقالت “شخصيا لا أؤيّد فكرة تعدد الزوجات، ولن أسمح لزوجي بالارتباط بأخرى ما دمت غير مقصرة في حقوقه. ويجب على المرأة أن تحافظ على بيتها وأسرتها ببذل ما في وسعها في سبيل راحة زوجها وحفاظا على أسرتها من الانهيار والتشتت”.

يستند البعض من الشبان الذين يؤيدون فكرة التعدد إلى أحكام الشريعة الإسلامية، التي تبيح للرجل الزواج بأربع نساء، كما يشجع عليه البعض الآخر للحدّ من ظاهرة العنوسة

وأكدت الكاتبة السعودية آمنة الذروي أن معظم الشباب من وسطها العائلي يرفضون فكرة الزواج بأكثر من امرأة واحدة، بسبب الظروف المادية الصعبة في معظم مجتمعات الخليج التي أصبح فيها الكثيرون خاصة الشباب يرفضون تعدد الزوجات.

‏وقالت الذروي لـ”العرب”، “معظم الشباب في عصرنا الراهن يتجاوزون الثلاثين من عمرهم، ولا يفكرون في الزواج وبناء أسرة والاستقلالية عن والديهم، فكيف سيفكرون في الزواج بأكثر من واحدة!”.

وأضافت “أعتقد أن صعوبة الحياة المعيشية والمسؤوليات الضخمة التي تخيفهم تجعلهم لا يفكرون مطلقا في الزواج، كما أن الرهاب من الزواج  يجعل الكثيرين يحجمون عن الارتباط، لتفادي الأفكار السلبية والصور المرسومة مسبقا عنه، والتي تثير الخوف في الشخص نفسه، ولا يستطيع السيطرة عليها”.

ولفتت الذروي إلى أن الرجل السعودي عموما ما زال يتزوج بأكثر من واحدة إذا توفرت لديه الإمكانيات المادية والأسباب الصحية والنفسية التي تشجعه على التعدد، مشيرة إلى أن هذه العوامل قد لا تتوفر أحيانا، ومع ذلك فالبعض يقبل على الزواج أكثر من مرة بدافع التجديد و”التشبب” كما يتذكرون ذلك في مجالسهم.

‏وأوضحت أن “التعدد منتشر خصوصا في صفوف الرجال ما فوق سن الأربعين عاما، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن هذه الشريحة قد تزوجت في أعمار مبكرة، أي تقريبا في التاسعة عشرة من العمر، وتحملت مسؤوليات الحياة الزوجية المعقدة، من بناء أسرة وإنجاب الأطفال والعمل المتواصل لتوفير متطلباتهم، فسحقت تحت تأثير هذه الحياة الصعبة، أو هكذا يظن البعض ممن يتقاعدون ويشعرون بالملل والضجر من روتين الحياة ما يدفعهم إلى التفكير في الزواج مرة أخرى”.

‏وتابعت مستدركة “لكن المشكلة تكمن في أن البعض من الفتيات الصغيرات في السن قد يقبلن في بعض الأحيان بالزواج من رجال كبار في السن ظنا منهن أنهن سيجدن لديهم الحياة الكريمة التي يحلمن بها، وسيحصلن على طلباتهن من أموال وملابس وسفر ويتباهين ويستعرض البذخ الذي يوفره لهن الزوج المسن والمطيع، في حين يعتقدن أن الزواج بشاب في مقتبل العمر ويمتهن وظيفة بسيطة هو بداية للمعاناة والمكابدة للمصاعب ما يجعلهن يعتقدن أنهن سيدفن معه أحلامهن وطموحاتهن”.

حل لظاهرة العنوسة

يستند البعض من الشبان الذين يؤيدون فكرة التعدد إلى أحكام الشريعة الإسلامية، التي تبيح للرجل الزواج بأربع نساء، كما يشجع عليه البعض الآخر للحدّ من ظاهرة العنوسة وتجنب العلاقات غير الشرعية.

وقال فرحان العرفج الباحث الاجتماعي السعودي المختص في شؤون الأسرة، “تعدد الزوجات أمر شرعه الله لعباده مع القدرة، وفيه مصالح كثيرة للرجال والنساء جميعا لكن التغير الاجتماعي الذي تمر بها مجتمعاتنا غير الأفكار والسلوك ومنها تعدد الزوجات”.

وأضاف العرفج في تصريح لـ”العرب”، “لو اطّلعنا ‏على التاريخ القديم لوجدنا الآباء والأجداد يعددون الزوجات رغم قلة الموارد المالية، ومع ذلك يتعايش الجميع في منزل الصغير ويكون بينهم شبه تفاهم وتآلف”.

واستدرك “لكن في ظل التغيرات الاجتماعية في العصر الراهن وما صاحبها من قناعات جديدة وقيود ومعايير في موضوع الزواج، أصبح هناك عزوف عن التعدد، وتراجعت ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، وأصبحنا نلاحظ ارتفاعا ملحوظا في نسبة العوانس بعد انخفاض معدلات الزواج الثاني”.

تتفاوت النظرة لتعدد الزوجات بين الجيل الشباب باختلاف المستوى الاجتماعي والثقافي وتأخذ أحيانا أبعادا وممارسات مختلفة تبيح للبعض من الرجال مجاراة نمط الزواج المتعدد

وذكر العرفج عدة أساب أدت إلى تراجع ظاهرة تعدد الزوجات، لعل أهمها “غلاء المعيشة وعدم القدرة على امتلاك أو تأجير مسكن، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الزواج، وخوف البعض من الخلافات والمشكلات بين الزوجات نظرا لعدم تقبل الزوجة لفكرة ارتباط زوجها بغيرها، وهذا قد تراه تقليلا من شأنها وقد تعتقد أن لديها عيبا مما جعله يتزوج عليها”.

وشدد على أن تشويه صورة التعدد من خلال ما يتم عرضه في المسلسلات وتصويره على أنه أشبه بالخيانة الزوجية، جعل الكثير من الفتيات يرفضن الارتباط من الرجل المتزوج وكذلك خوفا من الفشل.

واعتبر العرفج أن انشغال الزوج بالعمل وعدم قدرته على تحمل مسؤولية أكثر من أسرة تعد أيضا من العوائق التي جعلت الكثير من الرجال لا يفكرون في الارتباط بأكثر من واحدة.