كتب جورج شاهين في "الجمهورية"جزم تقرير ديبلوماسي ورد من إحدى العواصم الغربية قبل أيام، بأنّ الحرب الدائرة في غزة وغلافها، امتداداً الى مساحة واسعة من اسرائيل، هي الاولى من نوعها في شكلها ومضمونها، وهي حتى الامس القريب بلا أفق سياسي، ولن تكون لنتائجها اي ترجمة فعلية سريعة على أرض الواقع.
وإن تمّ التوافق على موعد لوقف النار فإنّه لن يعقبه اي تفاهم في المرحلة الراهنة، يتجاوز وقف العمليات العسكرية، في انتظار ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة من تطورات.
قال التقرير ما معناه، انّ وقف النار هو الإنجاز الوحيد المتاح. وقد تقرّر موعده من قبل، عندما اعطى الرئيس الاميركي جو بايدن ما يشبه المهلة منذ مساء الثلثاء الماضي بالتوقيت الأميركي لوقف العمليات العسكرية مساء الخميس، من دون ان يقدّم اي صيغة حل تتجاوز هذا الاتفاق حصراً. ولذلك انصبّت الاتصالات الاميركية مع الجانب الاسرائيلي عبر الوسيط المكلّف هذه المهمة هادي عمرو، فيما تعهّد الجانب المصري بتسويق التفاهم مع المنظمات الفلسطينية لاحترام هذه المهلة، وهي عملية انتهت بتحديد الثانية فجر امس الجمعة ساعة الصفر لوقف العمليات العسكرية.
فالتزمت به اسرائيل من طرف واحد لساعات قليلة، سبقت تأكاستند التقرير الذي صيغ بلغة "التوقعات المقدّرة" الى مجموعة من العناوين التي قد تساهم في تحقيق هذه المرحلة من أجل وقف العمليات العسكرية الى حين، من دون اي إشارة الى اي تفاهم سياسي يمكن ان يُلزم طرفي النزاع، وهو ما سمح لهما بتقدير الموقف واعلانهما في وقت واحد انتصارهما، من دون وجود اي خاسر سوى من دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم وأملاكهم ومقتنياتهم على مساحة النزاع بينهما.
على هذه الاسس يتحدث التقرير الديبلوماسي عن معطيات اخرى تناولت بداية التحضير لتفاهمات سياسية على المديين القريب والبعيد المدى، وسط غابة من الألغام المتوقعة على المستويين الفلسطيني والاسرائيلي، استناداً الى قراءة لمواقف الطرفين تلخّصها المعادلة التي لم تخرج اسرائيل منها ولا الجانب الفلسطيني.
فالدولة العبرية لن تقبل بـ"حل الدولتين" على الإطلاق، وهو ما دلّت اليه هذه العملية التي خطّط لها نتنياهو. فهو متهم اليوم من جانب كبير من المسؤولين الاسرائيليين بأنّه قرّر دعم "حماس" والمنظمات الحليفة، في مواجهة عزل فيها السلطة الفلسطينية عن مسرح العملية لأسباب عدة. واولها انّه قدّم صورة عن فقدان الشريك الفلسطيني الوحيد لإدارة "الدولة الثانية" المحكي عنها في إطار "حل الدولتين". وهو ما سيتحقق إن باتت ادارة قطاع غزة بعد إلغاء الانتخابات النيابية الاخيرة في عهدة "حماس" و"الجهاد" ولا دور للسلطة فيها.
ويوحي التقرير بصعوبة الوصول الى حل سياسي في ظلّ المعطيات القائمة حتى اليوم. فما تكرّس من امر واقع جديد لا يسهّل التفاهم الفلسطيني الداخلي حول قواسم مشتركة، بمقدار ما يعزز الشقاق بين الفلسطينيين، فيما ستسعى اسرائيل إلى معالجة ما سُمّي بـ "الحرب الاهلية" بين العرب واليهود في المدن والقرى المشتركة، وهو ما سينعكس سلباً على اي خطة سلام مقبلة بين اسرائيل والفلسطينيين، في انتظار جولات جديدة من العنف يمكن ان تشهدها المنطقة في اي لحظة.يد المنظمات الفلسطينية التي تخوض المواجهة بالموعد عينه. ولم يخف الطرفان نيتهما بربط اي تعهّد بعيد المدى بوقف النار، بالتزام الطرف الآخر بصيغة متبادلة تلخّصها مقولة كل طرف للآخر "إن عدتم عدنا".