عكس الجدل الأسري في مصر حول قائمة المنقولات الزوجية وكيف أنها إحدى الوسائل الأساسية للحفاظ على حقوق المرأة بعد الانفصال، أن فوبيا الطلاق تطارد أغلب الأسر قبل إتمام الزواج، وأن الخوف من المستقبل يسبق الحياة الأسرية المستقرة والقائمة على التفاهم والتشارك والتراحم بين الرجل والمرأة.
ارتبط الجدل الدائر بقيام والد فتاة مصرية بتصرف نبيل مع عريس ابنته، ورفض أن يقوم الشاب بالتوقيع على قائمة المنقولات الزوجية، وكتب مكانها عبارة نصها “من يُؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال.. اتق الله في كريمتنا”، وبعد انتشار الواقعة تحولت العبارة السابقة إلى قضية رأي عام لاختلاف الآراء حول موقف الأب.
وتدخلت المؤسسة الدينية لحسم الجدل المحتدم بين المؤيدين والمعارضين، حيث قال الأزهر في بيان صحافي إن القائمة الزوجية حق للمرأة، لكن تركها ليس فيه حرج طالما توافرت الثقة بين العائلتين، ودعمت دار الإفتاء نفس الرأي، مؤكدة أن الاهتمام بتثبيت أركان العلاقة الزوجية أهم بكثير من الخلاف حول المنقولات.
ومعروف لدى غالبية الأسر المصرية أن توقيع الرجل على قائمة المنقولات التي تحتوي على كل صغيرة وكبيرة في منزل الزوجية من أساسيات إتمام العلاقة، وهناك زيجات قد تفشل قبل العُرس بأيام لاختلاف أسرتي الشاب والفتاة على بعض بنود القائمة ومحتوياتها وما يجب تدوينه والترفع عنه، وقد يكون الشريكان الضحية.
محمد هاني: النماذج الزوجية السلبية كرست لدى الأسر الخوف من الطلاق
وتتشدد بعض الأسر في تضمين قائمة المنقولات لأشياء تبدو خيالية، مثل الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية والأبواب والنوافذ وكل قطعة من ملابس الزوجة التي قامت بشرائها، ليجد العريس نفسه أمام رقم خيالي يصل أحيانا إلى مئات الآلاف من الجنيهات، وهنا قد يرفض التوقيع وتحدث أزمة أحيانا ما تتسبب في انهيار العلاقة.
وتتعمد بعض العائلات ترك مسألة توقيع العريس على القائمة حتى ليلة الزفاف، حيث لا يكون أمام الشاب مفر من الإقرار بالأمر الواقع وعدم امتلاكه أي بديل سوى القبول، لكن ذلك يترك حاجزا نفسيا بين العائلتين ربما يمتد أثره لسنوات مقبلة، وقد تصل العلاقة بينهما حد الجمود والفتور.
ويبني أغلب المؤيدين لتوقيع الرجل على قائمة المنقولات وجهات نظرهم بأنها تضمن حقوق المرأة في حالة الطلاق، ولا يجب أن تتخلى أسرة الفتاة عن هذا المكتسب تحت مبررات واهية على طريقة “نشتري راجل”، باعتبار أن استكمال الحياة الزوجية بشكل خالٍ من المنغصات والمشاكل التي تقود للانفصال لم يعد مضمونا.
وتصل نسب الطلاق في مصر إلى مستويات قياسية، وهناك حالة كل دقيقتين و11 ثانية، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى عالميا، وانعكس ذلك على طقوس وعادات وتقاليد الزواج نفسها وصارت أكثر صعوبة، لأن أسرة الفتاة أصبحت تفكر في كيفية الحفاظ على حقوقها وتأمين مستقبلها من قبل أن تتحرك خطوة واحدة إلى بيت زوجها.
وأكد محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية لـ”العرب” أن تصدير النماذج الزوجية السلبية كرس لدى الكثير من الأسر فوبيا الطلاق، وتوقع انهيار العلاقة قبل أن تبدأ، لافتا إلى أن الثقة بين طرفي العلاقة مطلوبة وحتمية لعدم تأسيس الزيجة على التخوين المبكر، لكن لا يعني ذلك التغاضي عن حق المرأة.
وأشار إلى أن الثقة المفرطة قبل الزواج ليست مطلوبة لتبدل الأحوال أمام ضغوط الحياة واختلاف الطباع، والرجل قويم السلوك والأمين على المرأة لا يخشى مغبة التوقيع على ورقة تطمئن شريكة حياته وتجعلها آمنة من تقلبات الأيام، موضحا أن “أزمة الكثير من الأسر المغالاة في القائمة بدون مبرر بداعي التفاخر بين الجيران”.
وعلى النقيض يؤيد البعض تخلي أسرتي الشاب والفتاة عن القائمة طالما أن هناك ثقة بين الطرفين، وبإمكان العائلتين التدخل لحل المشكلات المستقبلية، خاصة وأن محتويات شقة الزوجية لن تكون لها قيمة تُذكر لشريكي الحياة، حال انهارت العلاقة بينهما، فلن ينظر كلاهما للمال بقدر ما سوف يبحث عن راحته النفسية.
ويقول أصحاب وجهة النظر هذه إن تعامل الأسرة مع قائمة المنقولات باعتبارها السبيل الأمثل لضمان حقوق المرأة بعد الطلاق يعكس النظرة الدونية لها، كأنها سلعة تُباع وتُشترى، مع أن هذه العائلات لو اهتمت بوضع الأساس السليم للعلاقة الزوجية لتكون قائمة على الود والثقة والاحترام فلن تحتاج الفتاة لتأمين نفسها.
ويبدوالرأي الغالب في الأوساط الأسرية أن الحفاظ على الحقوق المالية للزوجة يجب أن يسبق كل شيء، ما يعكس تصاعد هاجس العائلات ونظرتها التشاؤمية من مستقبل العلاقة مهما كانت بدأت بشكل مثالي قائم على الأصالة والنبل والشهامة من جانب الرجل وتعهداته الكثيرة بالحفاظ على شريكة حياته بعد الزواج.
وقالت صفاء محمد وهي ربة أسرة وأم لخمس فتيات إنه “مستحيل أن تزوج ابنتها قبل توقيع العريس على قائمة المنقولات الزوجية، فلم تعد الحياة الأسرية آمنة كما كانت في الماضي، وهناك قصص مأساوية لزوجات ندمن على الثقة المطلقة في شركاء حياتهن ولم يتوقعن وصول العلاقة بينهما إلى ساحات المحاكم لجلب الحقوق”.
وأوضحت لـ”العرب” أن ثقة أسرة الفتاة في العريس مطلوبة، لكن لها سقف محدد لا يجب تجاوزه بالتنازل عن الحقوق، لافتة إلى أنها تعرف سيدات تم تطليقهن بعد فترة قصيرة من الزواج، ولم يكن لديهن وثيقة تثبت امتلاكهن للمنقولات الزوجية، وفشلت العلاقة وخسرن كل شيء، وأصبحن بلا عائل أو سكن لهن ولأولادهن.
وتكمن أزمة الكثير من الأسر المصرية في أنها تتعامل مع قائمة المنقولات الزوجية باعتبارها سيفا مسلطا على رقاب الرجال، وورقة ضغط يتم استثمارها في حال وصول العلاقة مع السيدات إلى طريق مسدود، حيث تتم مساومة الزوج بها ومطالبته بكل محتوياتها كي يخسر كل شيء كعقوبة مادية له على ما اقترفه بحق الزوجة.
معروف لدى غالبية الأسر المصرية أن توقيع الرجل على قائمة المنقولات التي تحتوي على كل صغيرة وكبيرة في منزل الزوجية من أساسيات إتمام العلاقة
ويقابل بعض الأزواج ابتزاز أسرة الزوجة لهم بنوع من العناد والامتناع عن تسليم قائمة المنقولات الزوجية برفض توثيق الطلاق، وترك الزوجة معلقة، لا هي منفصلة رسميا ولا متزوجة، حيث يدفعها لرفع قضية خلع في المحكمة ليأتي الحكم لصالحها، لكنها تخسر كل شيء بما فيها كل محتويات سكن الزوجية.
وفي حال تم الطلاق بالتراضي من حق الزوجة الحصول على ما تم تدوينه في قائمة المنقولات من محتويات، وإذا رفض الرجل تلجأ أسرة الفتاة لرفع دعوى قضائية تحت مسمى “تبديد المنقولات وخيانة الأمانة”، وهنا قد يتم حبس المتهم ثلاث سنوات باعتباره رفض الالتزام بما تعهد به قبل الزواج برد ما اؤتمن عليه.
وتعج محاكم الأسرة المصرية بدعاوى قضائية مرتبطة بقائمة المنقولات الزوجية، إما للشكوى من تبديدها كوسيلة عقاب للرجل على تصرفاته المشينة بحق الزوجة، أو المطالبة باستردادها من جانبها بعد توثيق الطلاق، وغالبا ما تأتي الأحكام في صالح النساء باعتبارهن يمتلكن وثيقة موقعا عليها بخط الرجل ومثبتة بشهود.