ياسر الفرح
ياسر الفرح

تميّز يمني من قلب الأردن


من قلب الأردن، أشرق نجم يمني جديد يحمل الأمل في زمنٍ كثرت فيه التحديات، الطفل النابغة عبدالوهاب معاذ الحاشدي، الذي اضطر مع أسرته للعيش في الأردن بسبب الظروف المضطربة التي تمر بها اليمن، أصبح اليوم حديث الساحة التعليمية والإنجازات العالمية، بعد أن حقق ما عجز عنه الكبار في بيئات مستقرة. التحق الحاشدي بإحدى المدارس المتميزة في المملكة الأردنية الهاشمية، وهناك، لم يُظهر فقط تميزاً دراسياً عادياً، بل لفت الأنظار بذكائه المتقد وقدرته الاستثنائية في مجال الرياضيات. ولم يكن من الغريب أن يتم اختياره مع اثنين من أبناء الأردن لتمثيل المملكة في مسابقة عباقرة الرياضيات العالمية التي أقيمت في المملكة المتحدة، وشارك فيها متسابقون من مختلف دول العالم. وفي تمثيل مشرّف ومُبهر، حصل عبدالوهاب على الميدالية الذهبية، رافعاً راية الأردن عالياً ومعبّراً عن امتنان طفلٍ احتضنته مدرسة ووطن بديل منحاه الفرصة للتألق. لكنه، وبروح وطنية نادرة، لم ينسَ وطنه الأم اليمن، البلد الذي لم يكن ممثلاً في المسابقة. وفي لفتة مؤثرة عكست عمق الانتماء، أصرّ هذا الطفل النابغة على رفع علم اليمن إلى جانب علم الأردن، ليجمع في تلك اللحظة المجد والفخر والانتماء للوطنين، ويقول للعالم إن اليمن لا يزال حياً بأبنائه. هذه الحادثة، وإن كانت فردية، إلا أنها تختزل الكثير. اليمن بلد مليء بالعباقرة والمواهب، لكنه يعاني من عوائق لا تتعلق فقط بالحروب والانقسامات السياسية، بل تُثقل كاهله آفة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي حرم مئات بل آلاف الشباب والأطفال من فرص التعليم، التمثيل، والتألق على المستويات الإقليمية والدولية. عبدالوهاب معاذ الحاشدي ليس مجرد طفل نابغة في الرياضيات، بل هو رمز لصوت يمني خافت لكنه عميق، يقول للعالم: "ما زلنا هنا، رغم كل شيء." هو نموذج يُثبت أن الفرصة تصنع الفرق، وأن الموهبة لا وطن لها، لكنها حين تجد البيئة الحاضنة تُزهر وتثمر. تحية للأردن الشقيق الذي أفسح لهذا النابغة المجال، وتحية لهذا الطفل الذي حمل اليمن في قلبه قبل علمه، ورفعه في لحظة صدقٍ وطنية نادرة، لا تصنعها المناهج، بل تُولد في النفوس العظيمة. فليكن عبدالوهاب بداية لقصص أخرى، وأمثولة تُقرأ جيداً لمن أراد أن يبني وطناً يحيا بأبنائه، لا يُطفئهم.