لا تزال الكثير من الألعاب والطقوس والعادات والتقاليد الغريبة تُمارس لدى سكان قرى ومدن إقليم كردستان العراق، ورغم أنها تعود لأجيال وأزمان سابقة، فإن بريقها يصبح أكثر لمعانا مع تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، كل ذلك بعيدا عن التكنلوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي.
تعدّ قرية "كه روان الأسفل" في محافظة أربيل من القرى التي ترى في هذه الطقوس والعادات والتقاليد هوية تراثية وشعبية، فيحرص رجالها على ممارسة الألعاب الشعبية على شكل مجموعات في ليالي الشتاء. من تقاليد القرية أثناء ممارستها لأي لعبة أن يجتمع نحو 25 رجلا في أحد البيوت، ومن ثمّ يبدؤون بممارسة ألعاب عدة، منها لعبة "القبعة"، وتتلخص اللعبة في تحديد 7 قبعات، وينقسم الحاضرون إلى فريقين، وتوضع عملة معدنية تحت إحدى القبعات من أحد الفريقين، وعلى الفريق الآخر تحديد القبعة التي تختفي تحتها القطعة المعدنية.
وفي حال فشل الفريق الخصم في معرفة مكان العملة المعدنية في 3 محاولات، فيتوجب عليه تقديم جائزة للفريق الآخر، التي تكون عبارة عن جوز أو إعداد وجبة عشاء متنوعة للفريق الخصم، حسبما أوضح زيرك عبد الرحمن أحد سكان القرية.
يذكر عبد الرحمن (35 عاما) وهو مُعلم في القرية، أن لعبة أخرى تعدّ دارجة كثيرا في القرية، وهي لعبة "الضرب بغلق العينين"، إذ يوضع أحد الرجال وسط الغرفة وتُعصم عيناه، ومن ثم يتوالى الآخرون على ضربه ضربات خفيفة من الخلف بالكوفية أو الشماغ، وهنا عليه أن يعرف من ضربه، وفي حال عَرف الشخص، يجلس الأخير بمكانه ويحدث معه كما حدث مع من سبقه. ألعاب أخرى ومن تلك الألعاب، أن يجلس شخص بوسط الغرفة، ويقوّس قدميه ويضع يديه بينهما، فيقوم شخصان آخران بضربه ضربة خفيفة بـ"النعال" على يديه، وعليه أن يمسك بإحدى اليدين بسرعة فائقة، وإذا عجز عن ذلك، سيتكرر الضرب على يديه مُجدّدا. أما إذا استطاع أن يمسك إحدى اليدين اللتين تضربانه، فيجلس مكانه صاحب تلك اليد، وتتكرّر معه اللعبة.
ممارسة هذه الألعاب حتى اليوم من قبل سكان القرية، رغم أنها تعود لمئات السنين، زادت من قوة أواصر المحبة والوئام والتآخي بينهم، وجعلتهم يتشاركون الأفراح والأتراح سوية، كما يقول عبد الرحمن للجزيرة نت. وما يميّز هذه القرية دون غيرها أن الأشخاص الذين يمارسون هذه الألعاب يكونون بعيدين عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا أثناء ممارسة الألعاب في مجالسهم، وفقا لرسول كريم (51 عاما). وعن أسباب تمسّك سكان القرية بهذه الألعاب التراثية حتى الآن رغم التقدم التكنولوجي، يؤكد كريم -وهو من وجهاء القرية- أن ممارسة الألعاب التراثية تأتي لتأكيد أهل القرية على تمسكهم بإرث الآباء والأجداد حتى في الأمور البسيطة.
ويقول للجزيرة نت إن هذه الألعاب تُمارس في ليالي الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة لمحاربة البرد القارص فيها، لأن رجال القرية عادة يكونون في الشتاء أقل انشغالا بسبب الجو البارد ومع غلق الكثير من الطرق جراء كثافة الثلوج، على عكس فصلي الربيع والصيف اللذين يكثرُ فيهما العمل بالزراعة وتربية المواشي والمهن الأخرى، وتصبح ممارسة الألعاب نفسها شبه معدومة. متعة للشباب من جانبه يقول الشاب ديلان سعدي (22 عاما) إنه يجد متعة وسعادة في ممارسة الألعاب الشعبية أكثر مما يجده في ممارسة الألعاب الإلكترونية بما فيها الألعاب الجماعية. ويؤكد للجزيرة نت أنه يشعر باستقرار أكبر على المستوى الفكري والنفسي بممارسة الألعاب والتقاليد التراثية على عكس الألعاب الإلكترونية التي تُسبب له الاضطراب باستمرار، وأحيانا يدخلُ في خلاف حاد مع رفاقه بسببها إذا خسر أو حدث خلل فني ما.