تعيش فئة كبيرة من السوريين أوضاعًا اقتصادية صعبة، جراء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث انتشرت في المدن والبلدات السورية، ظاهرة استخدام ”الحطب والمواد البلاستيكية“ للحصول على التدفئة، بسبب شح المحروقات وغلاء أسعارها خلال فصل الشتاء.
وقبل الحرب، كانت سوريا تنتج قرابة 400 ألف برميل من النفط يوميًّا، لكن خروج معظم الآبار عن سيطرة الحكومة المركزية في دمشق، تسبب ذلك بخسارة إجمالية بـ 100 مليار دولار منذ اندلاع الحرب، بحسب أرقام وزارة النفط والثروة المعدنية.
ويصل سعر ليتر ”المازوت“ في السوق السوداء لـ 4000 ليرة سورية، بينما تخصص الحكومة لكل أسرة 50 ليترا في العام بسعر 1800 ليرة لليتر.
وبسبب البرد خلال الشتاء، يضطر السوريون لإحراق الألبسة البالية والأحذية والأخشاب وغيرها من المواد القابلة للاشتعال، بهدف الحصول على الدفء.
ويقول أبو سامر لـ“إرم نيوز“: ”استخدم مدفأة المازوت، لإشعال الحطب.. وعندما لا أتمكن من تأمينه، أضع في المدفأة أي مادة قابلة للاشتعال“.
وارتفع سعر كيلوغرام الحطب هذا الموسم لأكثر من 1000 ليرة، بسبب البرد، وزيادة طلب المواطنين وأصحاب المهن الخاصة، كـ“الأفران“، التي تستخدم الحطب لصناعة الخبر.
ويؤكد أبو سامر، أن ”مصروف الحطب لا يقل عن تكلفة المازوت“. ويضيف ”راتب موظف الفئة الأولى في سوريا، لا يتجاوز 30 دولارا، هذا مبلغ لا يكفي لشراء سوى 150 كيلوغراما من الحطب شهريا“.
وزاد الطلب خلال الفترة الماضي على الحطب جراء استخدامه كوقود في أفران ”التنور“ التي انتشرت بسبب أزمات الخبز وتخفيض الكميات المخصصة لكل أسرة من أفران الدولة.
ويقول أبو خالد لـ“إرم نيوز“: ”تختص أفران التنور بإنتاج الخبز العربي الذي يفضله الناس، لكن غلاء الحطب، رفع سعر الرغيف لـ 400 ليرة سورية، وهو مرتفع بالنسبة لمحدودي الدخل“.
وتضطر أم محمد، إلى إحراق المواد البلاستيكية و“الكرتون“ الذي يجمعه أولادها من الشوارع والنفايات.
وتقول ”نحن مضطرون لتحمل رائحة النايلون الكريهة من أجل الدفء، ولعدم قدرتنا على شراء الحطب أو المازوت“.
وتشير اختبارات وزارة النقل السورية إلى أن تلوث الهواء بالعاصمة السورية دمشق قبل الحرب، تجاوز بكين وطوكيو وبرلين، إذ وصلت نسبة الغبار لـ 418 ميكروغراما/م3، والكبريت 96 وثاني أوكسيد الآزوت 122.
ويقول أبو سامر، إن ”برودة الأجواء خلال الشتاء تجعلنا نتحمل تلوث الهواء، رغم مخاطره الكبيرة على الصحة العامة، والجميع يعلم أن نسبة التلوث ارتفعت كثيرًا بعد الحرب“.
وخلال الأعوام الماضية، أصبح مألوفًا مشهد الأطفال الذين يجمعون مخلفات المواد القابلة في المدن والبلدات السورية، لاستخدامها في التدفئة.
وتقول أم محمد ”أوصي أبنائي بجلب كل شيء يمكن إحراقه في المدفأة.. ولولا جمعنا للأحذية والألبسة البالية، لكنا في عداد الموتى من البرد“.
وانتشر أسلوب التدفئة بمخلفات معاصر الزيتون بسبب شح الوقود، كما اخترع بعض الصناعيين مدافئ تعمل على حرق قشور اللوز والجوز، لكن غلاء هذه المواد وضرورة شراء مدفأة خاصة بها، جعلها مقتصرة على عدد قليل من الناس.
ويقول أبو ياسر ”كل موسم، أذهب إلى الريف لشراء كميات كبيرة من قشور اللوز وأخزنها للشتاء القادم.. جميع الناس يحاولون تجميع مواد التدفئة في الصيف تجنبًا لنقصها وارتفاع سعرها في الشتاء“.
ونالت ألواح الطاقة الشمسية دعاية كبيرة خلال الأعوام الماضية، لكن صعوبة تركيبها في الأبنية الطابقية إضافة إلى غلاء معداتها، جعلها محدودة بالمقتدرين أصحاب الدخل العالي.
ويقول أبو جميل ”الحمد لله أنني أسكن في الطابق الأخير وأملك سطح البناء.. فهذا الأمر شجعني على شراء ألواح الطاقة رغم فعاليتها المحدودة في توليد الكهرباء، بسبب غياب الشمس فترة طويلة في الشتاء“.
ويتحدث سكان المدن والبلدات السورية عن معاناتهم في الاستحمام بسبب قلة الوقود وانقطاع الكهرباء.
وتقول أم محمد ”هل يصدق أحد أننا نستخدم الأواني لتسخين الماء على المدفأة من أجل الاستحمام“.
ويضطر سكان سوريا إلى البحث الدائم لتأمين بدائل مناسبة للطاقة تحمي الأطفال من أجواء الشتاء، فالكهرباء لا تصل سوى ساعتين في اليوم، وسعر أسطوانة الغاز تجاوز 100 ألف ليرة سورية، ولا خيار أمام المواطن إلا أن يوقد شمعة في هذا الظلام!.