صورة طفلة محجّبة في قصر قرطاج تغضب القوى المدنية في تونس

عربي ودولي
قبل سنتين I الأخبار I عربي ودولي

لاقت صور تكريم الرئيس التونسي قيس سعيّد بداية هذا الأسبوع في قصر قرطاج فتاةً صغيرةً تضع حجاباً كانت من بين الفائزين في مسابقة حفظ القرآن الرمضانية انتقادات واسعة من المدافعين في تونس عن مدنية الدولة.

 

 

وأعادت الصور التي تناقلها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة الجدل في ظاهرة تحجيب القاصرات، وتباينت المواقف بشأنها بين من رأى فيها إساءة للطفولة ومن اعتبرها تربية على المبادئ الإسلامية.

 

"اغتيال براءة الطفولة"

ولم ينهِ الجدلَ تأكيدُ والد الطفلة لراديو محلي أن ابنته لا ترتدي الحجاب، وأنها ارتدت لباساً تونسياً تقليدياً يتماشى مع المناسبة المتمثلة في تكريم الفائزين في مسابقة حفظ القرآن، فقد دخل "الحزب الدستوري الحر" المعارض على الخط مندّداً في بيان له الثلثاء بـ"قبول الدولة التونسية بتحجيب الفتيات الصغيرات واغتيال براءتهن وطفولتهن والسماح بنشر الفكر الظلامي الذي يعتبر الطفلة الصغيرة عورة ويبيح بطريقة ضمنية الاعتداءات الجنسية عليها".

 

وأصدر "مرصد الدفاع عن مدنية الدولة" الخميس بياناً استنكر فيه "تعدد مظاهر العودة القوية إلى أسلمة الدولة والتخلي المتسارع عن المبادئ الأساسية لمدنيتها ولقيم الجمهورية"، معبراً عن استغرابه الشديد لممارسات قال إنها "من صميم الدولة التيوقراطية كتكريم فتيات قاصرات محجبات في قصر قرطاج رمز الجمهورية المدنية".

 

وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي إن "مشهد فتاة محجبة وكأنها "عورة" في القصر الرئاسي مخيف ويذكر بأول خطاب صادم للتونسيات قسمهن إلى سافرات ومحجبات"، في إشارة إلى أول خطاب للرئيس السابق المنصف المرزوقي بعد انتخابه رئيساً للبلاد ولاقى حينها استهجاناً واسعاً من القوى المدنية.

 

وهذه ليست الحادثة الأولى من نوعها التي تثير غضب القوى المدنية في تونس، فقد لاقت السنة الماضية صور حفل في روضة أطفال احتفاء بارتداء خمس فتيات الحجاب استهجاناً واسعاً، وتعتبر هذه القوى تحجيب القاصرات اعتداء صارخاً على حقوق الطفل وتهديداً لمكاسب المرأة التونسية.

 

 

 

دوافع سياسيّة

لكن مشهد ارتداء الفتيات القاصرات الحجاب صار مألوفاً في شوارع تونس، بخاصة في السنوات الأولى التي تلت ثورة 2011 بعدما عرفت البلاد تغييرات سياسية كبرى انتهت بإسقاط نظام حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وظهور تيارات محافظة وأخرى متشددة في الساحة السياسية.

 

وأنهت أحداث كانون الثاني (يناير) 2011 الحظر الذي كان مفروضاً على الحجاب في تونس منذ ثمانينات القرن الماضي، حينما أصدر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ما يعرف بمرسوم 108 يمنع فيه ارتداء ما أطلق عليه بـ"اللباس الطائفي" في المؤسسات التعليمية وكل الدوائر والمؤسسات الحكومية.

 

ودفع الجدل حول ظاهرة تحجيب الفتيات دون سن الثامنة عشرة عدداً من الحقوقيين إلى المطالبة بسن قانون يمنعه لكن ذلك لم يحدث. 

 

وكان الرئيس السابق الباجي قائد السبسي قد عبّر صراحة بعد انتخابه عن رفضه لما وصفه بـ"المظاهر المتخلفة في معاملة الفتيات الصغيرات في بعض دور الأطفال الخارجة عن القانون والمتمردة على أساليب التربية العصرية التي وضعتها الدولة ومؤسساتها التربوية، مثل تحجّب فتيات صغيرات في مجتمع كان له السبق في تعليم الفتيات"، غير أنه لم يقترح قانوناً لحظره.

 

وكان مفتي الجمهورية السابق حمدة سعيد قال سنة 2015 إن "حجاب القاصرات أمر خارج عن السياق الشرعي وهو من أفعال البشر، وغير واجب شرعاً". 

 

آثار نفسيّة

ويحذر خبراء علم النفس من الآثار النفسية لارتداء الحجاب في سن مبكرة على الطفلة عندما تكبر. ولا تنفي مريم (20 سنة) الطالبة الجامعية ذلك. ارتدت مريم الحجاب قبل ستّ سنوات، ولا يبدو مظهرها اليوم غريباً فكثيرات مثلها يرتدينه، لكنها تتذكر سنوات المعهد حين كانت الوحيدة في فصلها من تضع غطاء الرأس: "كانت النظرات تلاحقني في كل مكان" تسرد الشابة تجربتها لـ"النهار العربي": "كنت حينها في سن الرابعة عشرة وكانت والدتي وأخواتي يضعن الحجاب، حين طلب مني والدي أن أفعل مثلهن لم أمانع، بل كنت سعيدة حينها فقد شعرت بأنني صرت كبيرة". لا تنكر مريم شعورها بأنها لم تعش طفولة عادية مثل بقية الفتيات في سنّها لكنّها لا تنوي خلعه لأنها مقتنعة بأنها "على صواب"، وفق قولها.

 

تستحضر مريم أسئلة رفيقاتها ونظراتهن المحرجة في المدرسة الثانوية، لا تنفي أنها كانت تغبطهن أحياناً لأنهن يرتدين ملابس خفيفة صيفاً لذلك لا تعتزم أن تجعل ابنتها تعيش التجربة ذاتها مستقبلاً.