جاء في "فرانس 24":
كل عام يزداد عدد اللاجئين في العالم بينما يتضاءل عدد البلدان التي تستقبلهم. فوفق التقرير الأخير الذي أصدرته الخميس الماضي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فتحت الدول الفقيرة أو تلك التي هي في طريق النمو، حدودها لأكبر قدر من اللاجئين في السنوات القليلة الأخيرة بالمقارنة مع البلدان الغنية.
تبين أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن باكستان مثلا استقبلت 1,5 مليون لاجئ وتركيا 3,8 مليون وكولومبيا 1,8 مليون. فيما فتحت أوغندا وهي دولة أفريقية فقيرة أبوابها لما يقارب 1,5 شخص فروا إما من النزاعات المسلحة أو من الجفاف والمجاعة.
في أوروبا، ألمانيا هي البلد الوحيد الذي استقبل عددا كبيرا من اللاجئين، وغالبيتهم سوريون، يقارب الأعداد التي استقبلها الدول الفقيرة، ويقدر بحوالي 1,3 مليون شخص. ولم يكن ذلك ليحدث إلا بفضل السياسة الإنسانية التي اتبعتها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل.
فالسؤال المطروح هو لماذا لم تستقبل الدول الأوروبية الغنية والولايات المتحدة قدرا مماثلا من اللاجئين وفضلت أن تبقي أبوابها مقفلة في وجوهم على الرغم من المخاطر والعنف الذي يتعرضون إليه؟ حسب ميكاييل نومان، رئيس مركز التحليلات والعلوم الإنسانية بمنظمة أطباء بلا حدود، يفضل اللاجئون الذهاب إلى البلدان التي تقع بالقرب من الدول التي يعيشون فيها. وقال في حوار هاتفي مع فرانس24 "هناك تحرك جغرافي طبيعي للاجئين. فهم يفرون قبل كل شيء إلى الدول المجاورة لبلدانهم الأصلية هربا إما من العنف أو من تهديدات أخرى قد تصيبهم في أية لحظة. وهذا ينطبق مثلا على الأفغان الذين فرت غالبيتهم إلى إيران وباكستان المجاورتين وعلى الإثيوبيين الذين هربوا إلى السودان والروانديين إلى تنزانيا. إذن التصرف الأول لأي لاجئ هو الفرار إلى منطقة قريبة من تلك التي يريد الهروب منها". "اللاجئون يفضلون البلدان التي يتحدث سكانها لغتهم"
وأضاف: "الدول الغنية تقوم بكل ما في وسعها من أجل إبعاد اللاجئين الذين يتدفقون إلى حدودها وذلك إما بالاستعانة بالدول الأخرى، كالاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع تركيا أو بريطانيا مع رواندا وإما بتشديد القوانين المتعلقة بالهجرة والهادفة إلى ردع مخططات اللاجئين". وتابع نومان: "هناك عوامل أخرى تجعل بعض البلدان تستقبل عددا أكبر من اللاجئين مقارنة بالأخرى: العامل اللغوي والتقارب العائلي. فاللاجئون يفضلون دائما الدول التي يتحدث سكانها نفس اللغة التي ينطقون بها بهدف الانخراط بشكل أسهل في المجتمع. كما يلجؤون أيضا إلى العائلات والأقارب الذين يعيشون في بلد اللجوء على أمل أن يتم استقبالهم ومساعدتهم". لكن يواصل ميكاييل نومان: "عندما يشعر اللاجئون بأن حلم العودة إلى بلدانهم بدأ يتبخر فحينئذ يقررون الذهاب بعيدا".
"المنظمات غير الحكومية فشلت في الضغط على الحكومات في ملف اللاجئين" هذا، وبالرغم من الإمكانيات المالية والإنسانية التي تسخرها منظمات الإغاثة لمساعدة اللاجئين وتوفير بعض مقومات الحياة لهم كالمياه والمواد الأولية والإيواء، إلا أنها لم تتمكن من إرغام الحكومات الغربية على تبديل سياساتها إزاء هذه الفئة من الناس. ويقول ميكاييل نومان من منظمة أطباء بلا حدود في هذا الشأن: "نعم المنظمات غير الحكومية فشلت في الضغط على الحكومات في ملف اللاجئين. لكن في الحقيقة الفشل هو فشل جماعي. الإنسانية جمعاء فشلت في حل هذا المشكل. ولا ينبغي أن ننتظر كثيرا من منظمات الإغاثة لأن في نهاية المطاف تأثيرها محدود والجهود التي تبذلها من أجل التأثير على قرار الحكومات وصناع القرار غير كافية إطلاقا". تحول مسألة اللاجئين في الدول الغنية إلى رهان وطني وإلى حديث حول الهوية وردا على سؤال لماذا الدول الفقيرة هي التي تؤوي عددا أكبر من اللاجئين مقارنة بالدول الأغنى، أضاف حسني عبيدي ملخصا أن "الدول الفقيرة ترحب أكثر باللاجئين لأسباب تضامنية قبل كل شيء". وأردف: "لا توجد في الدول الفقيرة تيارات سياسية وإيديولوجية كثيرة (أحزاب وجمعيات) مناهضة للاجئين ولا تقوم بتوظيف مسألة اللاجئين سياسيا. عكس الدول الغنية التي تحولت مسألة اللاجئين فيها إلى رهان وطني وإلى حديث حول الهوية". وأنهى: "الدول الغنية لديها أجنداتها الإنسانية الخاصة. فالطريقة التي استقبلت بها اللاجئين الأوكرانيين كشفت أن الغرب لديه الخبرة لوضع سياسة سخية عندما يتعلق الأمر بتقديم الدعم لمجموعة معينة من اللاجئين وليس للجميع. هذا ما أسميه التضامن الانتقائي". أما كاميل رومان ديبوسك، المديرة التنفيذية لمنظمة "رؤية العالم"، فقالت لفرانس24: "مهما كانت العقبات التي تواجهها منظمات الإغاثة، فإنها لا تتخلى عن مهمتها الأولى والأساسية، ألا وهي تقديم يد الدعم والمساعدة للاجئين حيثما كانوا". وأضافت: "فوق الميدان لاحظنا أن 70 بالمائة من اللاجئين يفضلون الذهاب إلى الدول المجاورة لأنهم يتمنون دائما العودة إلى وطنهم الأصلي".