منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل على أوكرانيا في شباط، قدم الغرب مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى كييف. لكن الدعم من حلفاء الناتو الآخرين، أهمها ألمانيا وفرنسا، كان متباينًا.
وبحسب مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، "يتحول التقدم الروسي في أوكرانيا الآن إلى حرب استنزاف طويلة يحاول فيها كل جانب إرهاق الآخر. ستتطلب مساعدة أوكرانيا في هذا النوع من الحرب نهجًا مختلفًا: ستحتاج البلاد إلى العديد من الأسلحة الثقيلة، خاصة أنظمة الدفاع الجوي، التي يتم تسليمها بشكل أسرع ومن قبل المزيد من الحلفاء الأوروبيين. وسيحتاج أعضاء الناتو في أوروبا الشرقية الذين سحبوا مخزوناتهم من الأسلحة إلى إعادة إمداد مستمرة. نظرًا لأن الحلفاء يرسلون أنواعًا ومستويات مختلفة من المساعدة الأمنية إلى أوكرانيا ويستنزفون مستودعاتهم الخاصة، فقد أصبح تنسيق الإمدادات وتوزيعها عملية لوجستية ضخمة. يقود الجيش الأميركي هذا الجهد، حيث يتلقى الإمدادات من أكثر من 50 دولة ويوزعها على أوكرانيا. على المدى القصير، تعمل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة بشكل فعال على الرغم من التأخيرات المتقطعة. ولكن على المدى الطويل، يجب أن يتولى الناتو هذا الدور بصفته المؤسسة التي أُنشئت صراحةً لغرض التعاون الأمني الجماعي والتنسيق بين أعضائه في المنطقة الأوروبية الأطلسية".
وتابعت المجلة، "تم تكليف حلف الناتو بتنفيذ الإرادة المشتركة للدول الأعضاء فيه، وبوجود 30 عضوًا (والعد مستمر)، فإن التوصل إلى توافق سريع ليس بالمهمة السهلة. ومع ذلك، يمكن للدول الأعضاء منفردة أن تتصرف بشكل أسرع بكثير خارج حدود صنع القرار في حلف الناتو. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل جهود التنسيق بقيادة الولايات المتحدة فعالة على المدى القصير: بدون الحاجة إلى الحصول على اتفاق من جميع الحلفاء، يمكن أن تكون شحنات الأسلحة أكثر استجابة للاحتياجات الفورية في ساحة المعركة. كان حلفاء الناتو حريصين أيضًا على الحفظ على توازنهم بين دعم أوكرانيا وعدم الظهور في مواجهة مباشرة مع روسيا. إن قيام دولة عضو بتقديم الأسلحة شيء، كما أن قيام التحالف بذلك شيئٌ آخر. يتمتع التحالف بالقدرة التشغيلية والتفويض السياسي للقيام بالمزيد لدعم أوكرانيا الآن وعلى المدى الطويل. في قمتهم التي عُقدت في مدريد في حزيران ، وافق حلفاء الناتو على مفهوم استراتيجي جديد، وثيقة تعمل بمثابة بيان مهمة للتحالف وتعيد إلزامه بثلاث مهام أساسية: الردع والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها، والأمن التعاوني. كما صنفت روسيا بأنها "التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية". تمنح هذه الرؤية الاستراتيجية الجديدة حلف الناتو تفويضًا سياسيًا واسعًا للقيام بأكثر مما يفعله حاليًا لدعم أوكرانيا وردع روسيا".
وأضافت المجلة، "وبالتحديد، على المدى القريب، ينبغي أن يضطلع الناتو بدور قيادي في تدريب القوات الأوكرانية؛ إعطاء الأولوية لأمن البحر الأسود، الذي تهدف روسيا للسيطرة عليه وعسكرته بشكل كامل؛ وتعزيز التعاون السيبراني مع أوكرانيا. على المدى الطويل، يجب على الناتو، وليس الولايات المتحدة أو الدول الأعضاء الأخرى، تنسيق عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا وتوزيع الإمدادات على الحلفاء عبر الحلف. إذا لم يتقدم الحلف، فسوف يشير ذلك إلى عدم وجود التزام طويل الأجل تجاه أوكرانيا، مما يشجع روسيا على مواصلة هجومها الوحشي. ويعد التدريب الفعال والسريع للجيش الأوكراني أمرًا أساسيًا لتقليل الفاصل الزمني بين أنظمة الأسلحة الملتزمة والوقت المستغرق لوضعها موضع التنفيذ، خاصة وأن المعدات أصبحت أكثر تطوراً. يجب أن يأخذ الناتو زمام المبادرة في تنسيق الجهود الحالية وتحديد الاحتياجات المستقبلية. ستكون بولندا المكان الأكثر منطقية لمركز تدريب الناتو. هذا العام، التزمت الولايات المتحدة بتأسيس وجود دائم للجيش الأميركي في بولندا. وسيكون بمثابة مركز قيادة جديد للقوات البرية الأميركية التي تدافع عن الجناح الشرقي للتحالف. مع تطور الحرب، قد يكون الحلفاء الغربيون أكثر استعدادًا لتقديم أسلحة لم يتم النظر فيها قبل بضعة أشهر فقط. والأوكرانيون يجب أن يكونوا مستعدين".
وبحسب المجلة، "يعد تأمين البحر الأسود أمرًا بالغ الأهمية للعمليات العسكرية لأوكرانيا ومرونة الاقتصاد على المدى الطويل. كما أنه نقطة محورية للعديد من التطلعات الاستراتيجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: فقد تسبب الحصار الروسي للصادرات الزراعية الأوكرانية عبر البحر الأسود بالفعل في أزمة غذاء عالمية، مما سمح لموسكو باحتجاز الحبوب الأوكرانية كرهينة. ومع وجود ثلاثة أعضاء في الناتو - بلغاريا ورومانيا وتركيا - يتمتعون بوصول مباشر إلى البحر الأسود وأهم طرق التجارة في أوكرانيا التي تمر عبرها أيضًا، يجب على الحلف أن يعتبر البحر أولوية إستراتيجية. يمكن لحلف الناتو تعزيز وجوده في البحر الأسود من خلال العمل مع بلغاريا ورومانيا وتركيا لتأسيس وجود على مدار العام هناك، وزيادة عدد قوات الناتو المتمركزة على أساس دوري أو دائم داخل هذه البلدان. كما ويجب أن يعمل الحلف أيضًا على تعزيز تعاونه مع الدول غير الأعضاء في الناتو والتي تعد جزءًا من البيئة الأمنية الإقليمية للبحر الأسود، وعلى الأخص مولدوفا وجورجيا. فكلا البلدين حريصان على إقامة شراكات أوثق مع الناتو. كما ويلعب الناتو أيضًا دورًا مهمًا في دعم وتعزيز قدرات الدفاع الإلكتروني والهجوم في أوكرانيا".
وتابعت الصحيفة، "خلال الأشهر العديدة الماضية، تحملت الولايات المتحدة عبء إمداد أوكرانيا بالأسلحة وتنسيق توزيعها. لكن صناعة الدفاع الأميركية ليست مستعدة للقيام بذلك على المدى الطويل، لأن ذلك سيتطلب محورًا كبيرًا نحو الإنتاج الضخم لأسلحة معينة، بعضها لم يقم الجيش الأميركي بشرائها منذ عقود، مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات. في غضون ذلك، يمكن لحلف الناتو، بالعمل مع الدول الأعضاء، توفير التوجيه الاستراتيجي لشركات الدفاع عبر التحالف للمساعدة في تحديد الثغرات. على المدى الطويل، يتمتع التحالف بتفويض لتولي دوره القيادي باعتباره أهم تحالف دفاعي جماعي يستجيب للتهديد الروسي. لا تزال الولايات المتحدة تنظر إلى الصين باعتبارها التحدي الأكبر على المدى الطويل، مما يعني أن المزيد من عبء تأمين أوروبا سيقع في النهاية على عاتق 29 دولة أوروبية أعضاء في الناتو. تلتزم الإدارة الأميركية الحالية بدعم أوكرانيا والاستثمار في الأمن الأوروبي الأوسع، لكن نافذة تغيير مسار الحرب تضيق".
وختمت الصحيفة، "كلما أسرع حلف الناتو في تولي تفويضه السياسي لدعم أوكرانيا، زادت فرصة ضمان مستقبله باعتباره أقوى تحالف أمني فعال وقوي".