كان صيف الحرب في أوكرانيا وحشيًا بالنسبة للجنود والمدنيين على الخطوط الأمامية، إلا أنه شهد حالة من الجمود. هذا الأمر، بالإضافة إلى المعارك المتشابهة، دفع بالصحف الأجنبية عامة، والأميركية خاصة، إلى عدم إعطاء الأولوية القصوى لهذه الأحداث كي تتصدر الصفحات الأولى، وذلك منذ بعض الوقت.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، "سيكون فصلا الخريف والشتاء مختلفين، وسيجيبان على السؤالين اللذين من شأنهما تحديد أمد الحرب.
الأول، ما هي مساحة الأراضي التي يمكن لأوكرانيا تحريرها من الاحتلال الروسي؟ والسؤال الثاني، إلى أي مدى سيكون الشتاء الأوروبي قاتمًا ويائسًا مع انقطاع إمدادات الطاقة الروسية العادية، وما هي العواقب السياسية التي ستتبع ذلك؟ نحن في بداية كلتا القصتين. بدأ الهجوم المضاد الأوكراني الموعود منذ فترة طويلة أخيرًا.
في أحد طرفي الخط الأمامي، اندفاع مفاجئ ودراماتيكي باتجاه الشرق من حول خاركيف التي تسيطر عليها أوكرانيا، وفي الطرف الآخر تقدم أبطأ نحو خيرسون المحتلة، الموقع الدفاعي البحري الوحيد لروسيا غرب نهر دنيبرو.
يبدو أن هجوم خاركيف قد جعل المحتلين في حالة من الفوضى، وحرر المدن والأراضي المهمة وزرع الفزع والغضب في الجانب الروسي.
في الوقت عينه، فإن الرد الروسي على الشجاعة الأوكرانية والتسلح الغربي على وشك أن يسري مفعوله بالكامل.
تم إغلاق خط أنابيب نورد ستريم 1، وتسعى الشركة الرائدة في أوروبا للاستعداد لارتفاع محتمل في تكاليف الطاقة بقيمة 2 تريليون دولار، والجميع يحاول التنبؤ بالعواقب - من الركود الضحل إلى "التوقف الكامل" الذي يهدد بالتراجع عن التصنيع، ومن الدعم القوي لأوكرانيا إلى التمرد الشعبوي".
وتابعت الصحيفة، "في زمن الحرب، هناك علاقة ديناميكية بين الأحداث على الجبهة والوضع السياسي وراء الخطوط. يتوقع بعض المتشائمين الغربيين أن تكون الجبهة الداخلية الأوروبية هي المسرح الحاسم، المكان الذي تولّد فيه الغطرسة المتشددة تمردًا داخليًا ضد التزام مفتوح تجاه أوكرانيا.
هذا بالتأكيد ما يأمل به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن من المتوقع أن التفاعل سوف يسير في الاتجاه الآخر - أن الأحداث في ساحة المعركة ستكون حاسمة، وستحدد كيفية تجربة الحرب سياسياً في ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا في عهد الملك تشارلز الثالث.
إذا استمرت أوكرانيا في إحراز تقدم عسكري، وإذا بدت الهزيمة الروسية الصريحة في متناول اليد، فستكون أوروبا قادرة على تحمل الشتاء من دون تمرد مناهض للحرب. من ناحية أخرى، إذا توقف التقدم الأوكراني وبدا أن الحرب متجهة إلى طريق مسدود متعدد السنوات، فإن المؤسسة السياسية الغربية ستضطر إلى الضغط بقوة من أجل السلام، وإلا ستجد نفسها مجبرة على الانخراط في الحرب".
وأضافت الصحيفة، "كانت هناك بالفعل أسباب وجيهة للأمل في إحراز تقدم قبل الاختراقات الأوكرانية الواضحة. على الرغم من أن حكومة بوتين تبدو وكأنها قادرة على تخطي العقوبات، إلا أن موسكو غير راغبة أو غير قادرة على إطلاق تعبئة عامة، ولديها نقص واضح في الذخائر والروح المعنوية، والميزة الروسية التقليدية في القتال الشتوي لا تنطبق على الوضع الذي يكون فيه الروس أنفسهم هم القوة الغازية.
لذلك من المعقول أن نتخيل حلقة ردود فعل عسكرية سياسية إيجابية، حيث تدعم المكاسب الأوكرانية الثابتة التصميم الأوروبي وتحمل التحالف الفعلي خلال الشتاء إلى عام أفضل في 2023.
ولكن هناك مجموعة من السيناريوهات ضمن هذا المستقبل المأمول، وكل معضلة من المعضلات الحالية قد تكون فيها الواقعية والتشاؤم بنفس أهمية التفاؤل والعزم. في أفضل السيناريوهات العسكرية، حيث ينتهي الأمر بالروس إلى التراجع عن الخطوط الأمامية الحالية، يكمن الخطر في أن اليأس قد يدفع موسكو نحو سياسة حافة الهاوية النووية - خاصة بالنظر إلى الموقف الاستراتيجي الروسي الذي يتصور استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لعكس الهزائم في ساحة المعركة". وبحسب الصحيفة، "عوضاً عن ذلك، هناك سيناريو ،حيث يقطع الهجوم المضاد الأوكراني بعض المسافة ولكنه يبقى متوقفًا عن خطوط السيطرة قبل الحرب.
على سبيل المثال، قد يدفع الأوكرانيون الروس للعودة إلى نهر دنيبرو، لتحرير خيرسون، لكنهم يجدون أنفسهم غير قادرين على استعادة الأراضي الواقعة على الجانب الشرقي من النهر.
في مثل هذا النوع من المواقف، مع الانتصارات التي تليها العودة إلى حالة الجمود، سيتم تعزيز الحجج من أجل السعي إلى وقف إطلاق النار - ليس من منطلق أي تفاؤل بشأن موسكو كشريك في السلام، ولكن للحفاظ على الدعم الغربي على أساس مستدام ومتوازن، وإعطاء أوكرانيا مساحة للتعافي الاقتصادي والديموغرافي. طوال فترة الحرب، تم تبرير السياسات الفورية لصقور أوكرانيا في الغالب حتى مع استمرار الشك في استراتيجيتهم طويلة الأجل. من المحتمل أن يكون هذا هو الفصل الذي تغلق فيه هذه الفجوة، حيث تصبح المضاربة حقيقة واقعة، ونتعلم المزيد حول ما ستعنيه الحرب على المدى الطويل". وختمت الصحيفة، "في هذه الحالة، يجب أن نأمل في تقدم أوكراني سريع، والحكمة والعناية والحذر لمرافقة أي انتصارات قد تفوز بها اوكرانيا".