يشتد الغضب في روسيا من قرار الرئيس فلاديمير بوتين بإعلان التعبئة الجزئية الصادر يوم الأربعاء الماضي، والهادف لجمع 300 ألف مقاتل وإرسالهم إلى ميادين القتال. وأثار القرار احتجاجات واسعة في أنحاء روسيا، قابلتها السلطات بقمع وحملات اعتقالات طالت مئات الرافضين، فيما سارع الآلاف لمغادرة البلاد خوفاً على حياتهم، وتجنباً للانخراط في نزاع دموي مستمر منذ 6 أشهر، وأسفر عن مقتل آلاف الجنود الروس في أوكرانيا. وأمس السبت وقع الرئيس الروسي على تعديلات جديدة خاصة بقرار التعبئة، غلظ فيها عقوبة الفارين من الخدمة العسكرية أو الرافضين للمشاركة في الحرب استجابة لقرار التعبئة. ونصت التعديلات على إقرار عقوبة السجن 10 سنوات لكل من يعارض أو يفر من المعارك في أوكرانيا، إضافة لتسهيل منح الجنسية الروسية للأجانب الذين ينضمون الى صفوف الجيش لفترة لا تقل عن عام، في وقت تسعى موسكو بكل السبل الى تجنيد أكبر عدد من العناصر للقتال في أوكرانيا. لم تثن القرارات الجديدة المحتجين عن الاستمرار في المظاهرات الرافضة للتعبئة. وقالت منظمة "او في دي-انفو" غير الحكومية، والمتخصصة في إحصاء عمليات التوقيف، أن "710 أشخاص أوقفوا في 32" مدينة، نحو نصفهم في موسكو. "لسنا وقوداً للمدافع" وقالت شابة فيما كان عناصر من شرطة مكافحة الشعب يقتادونها، "لسنا وقوداً للمدافع"، في تكرار لأحد الشعارات التي رفعها رافضو التعبئة العسكرية للقتال في أوكرانيا. وفي سان بطرسبورغ (شمال غرب) ثاني مدن البلاد، اقتاد عناصر من الشرطة نحو 30 شخصاً إلى حافلة للشرطة. ويوم أعلن الرئيس فلاديمير بوتين قرار التعبئة الأربعاء، أوقف نحو 1400 متظاهر في مختلف أنحاء روسيا.
هجرة ومن أجل التملص من قرار التعبئة الذي أصبح مثيراً للقلق، خاصة وأنه يشمل من تزيد أعمارهم عن 35 عاماً، كذلك الذين يملكون خبرات قتالية بسيطة، سارع آلاف الروس نحو الحدود هرباً إلى الدول المجاورة. وأقرت السلطات الروسية السبت بتدفق "كبير" من السيارات الساعية للتوجه إلى جورجيا. وأحصيت نحو 2300 سيارة عند معبر حدودي واحد.
مركبات روسية على الحدود مع جورجيا
كذلك، شهدت الحدود مع كازاخستان ومنغوليا تدفقاً للروس. وأشار شهود أحياناً إلى ساعات طويلة من الانتظار تمهيداً للعبور. واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الخميس، أن المعلومات عن "هجرة" للروس "مبالغ فيها الى حد بعيد". وعقب صدور القرار مباشرة، تدفق آلاف الروس نحو مطارات البلاد التي شهدت أزمة غير مسبوقة وتهافتاً كبيراً على تذاكر السفر نحو وجهات تسمح بدخل مواطني الاتحاد الروسي بدون تأشيرات مسبقة. ويوم الأربعاء الماضي، أشارت مواقع بيع الرحلات الجوية في روسيا إلى أن جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى البلدان التي لا تتطلب تأشيرات دخول للروس قد بيعت حتى يوم الجمعة، في الحد الأدنى.
وكانت الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى إسطنبول، ويريفان في أرمينيا، وباكو في أذربيجان، بين تلك الممتلئة. وأظهر موقع شركة الطيران الروسية الحكومية "إيرلوفت"، أن جميع تذاكر الدرجة الاقتصادية إلى أرمينيا قد بيعت حتى 28 سبتمبر (أيلول). إحباط وغضب كما أثار القرار المفاجئ حفيظة عدد من المقربين من الكرملين، وعبرت رئيسة تحرير قناة "روسيا اليوم" الإخبارية الحكومية مارغريتا سيمونيان، والموالية للكرملين بشدة، عن غضبها أمس السبت من قيام مسؤولي التجنيد بإرسال أوراق استدعاء إلى الرجال الخطأ، مع تزايد الإحباط من التعبئة العسكرية العامة. وقالت رئيسة تحرير روسيا اليوم عبر قناتها على تيليغرام، "تم الإعلان عن إمكانية تجنيد الأفراد حتى سن 35 عاماً، في حين تصل استدعاءات لمن هم في عمر 40 عاماً". وأضافت، "إنهم يثيرون حنق الناس، كما لو كانوا يقصدون ذلك، وكأنها نكاية. كما لو أن كييف أرسلتهم". تعتبر روسيا رسمياً ملايين المجندين السابقين جنود احتياط، وهم معظم السكان الذكور في عمر القتال. ولم يورد مرسوم الأربعاء الذي أعلن "التعبئة الجزئية" أي معايير لمن سيتم استدعاؤهم. وظهرت تقارير عن تلقي رجال ليس لديهم خبرة عسكرية أو تجاوزوا سن التجنيد، أوراق استدعاء مما زاد من الغضب الذي أعاد إحياء المظاهرات المحظورة المناهضة للحرب. من جهته، أعلن رئيس مجلس حقوق الإنسان في الكرملين، فاليري فادييف، أنه كتب إلى وزير الدفاع سيرغي شويغو يطلب "حلاً عاجلاً" للمشكلات. وانتقد منشوره على تيليغرام الطريقة التي يتم بها تطبيق الإعفاءات من التجنيد وتحدث عن حالات تجنيد غير مناسبة، منها لممرضات وقابلات لا خبرة عسكرية لديهن. وقال، "بعض (مسؤولي التجنيد) يسلمون أوراق الاستدعاء في الساعة الثانية صباحاً، كما لو كانوا يعتقدون أننا جميعاً متهربين من الخدمة العسكرية"، وفقاً لما ذكرته رويترز. إعلان حرب وبحسب المحللين، فإن معظم هؤلاء المطالبين بالانخراط في الحرب بأوكرانيا ليسوا محاربين على الأرض وبعضهم لم يتلق تدريباً عسكرياً، وسيحتاجون أشهر لدخول الميدان. ويؤكد الخبراء أيضاً، أن استدعاء الاحتياط ليس ورقة قوة يلعبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل دليل إحباط وتخبط له ولجيشه في أوكرانيا. تسمي روسيا الحرب في أوكرانيا بالعملية العسكرية الخاصة، ولكن بعد صدور قرار التعبئة شكك الكثيرون بأن موسكو رفعت سقف هذه العملية إلى الحرب، دون إعلانها بشكل مباشر، وذلك من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة أو الحد الأدنى منها في أسوأ الأحوال. من جهة أخرى، يؤكد عدد من المحللين والخبراء، أن قرار التعبئة قد يطيل أمد الحرب في أوكرانيا. وقالت الخبيرة في الشأن الروسي في مركز "راند كوربوريشن" للأبحاث، دارا ماسيكوت، "لن يتمكنوا (المقاتلين الجدد) من فعل ذلك جيداً". وأضافت على تويتر "سيجمعون أشخاصاً ويرسلونهم إلى الجبهة مع تدريب غير كافي وإدارة لا تتمتع بالكفاءة وأجهزة في حال أسوء من مثيلاتها لدى القوات العاملة". ولكن يرى مايكل كوفمان من مركز أبحاث "سنتر فور اي نيو أمريكان سيكوريتي"، أنه لا يجب الاستخفاف بالخطر الذي يمثله وصول قوات روسية جديدة إلى خط المواجهة على إطالة أمد الصراع الدامي. وأضاف، "يمكن لذلك أن يزيد قدرة روسيا على متابعة الحرب دون أن يغير على أي حال بمسارها أو نهايتها"، معتبراً أن أوكرانيا تحافظ على تفوقها في الميدان، وفقاً لما ذكره موقع "يورو نيوز".