يشكل إلغاء المؤتمر الصحفي السنوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين علامة أكيدة بأن الأمور ليست على ما يرام داخل بلاط القيصر. ودائماً ما اعتبر بوتين هذا المؤتمر من أهم الأحداث البارزة في تقويم الكرملين.
وبحسب صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، "عادةً ما يوفر لقاء بوتين الاحتفالي مع وسائل الإعلام العالمية فرصة مثالية لعرض إنجازاته.
بعد فحص الأسئلة مسبقاً بعناية للتأكد من ان الرئيس لن يفاجأ بأي سؤال غير منتظر، تسمح الجلسات الماراتونية، التي غالباً ما تستمر لمدة أربع ساعات ونصف الساعة لبوتين بإلقاء نظرة فاحصة على كافة المعلومات المضللة. وفي أحد العروض التي لا تنسى في العام 2020، وذلك حين تم استجوابه بشأن مزاعم أن قوات الأمن الروسية كانت وراء محاولة قتل المنشق أليكسي نافالني، أجاب بوتين بمرح أنه لو أراد الروس فعلاً قتله، لكانوا "أنهوا" المهمة. كما ونفى نفياً قاطعاً الاقتراحات التي تشير إلى أن
قراصنة روس قد تدخلوا في العملية الانتخابية الأميركية، مدعيا أن الاتهامات وجهها معارضو موسكو "للإضرار بالعلاقات الأميركية الروسية".
وتابعت الصحيفة، "إنه لأمر مؤسف للغاية، بعد الحلقات التي مر بها بوتين في أوكرانيا، أن يتم إلغاء هذا الحدث بشكل غير متوقع، لانه كان من الرائع سماع رأي الزعيم الروسي حول كيفية تقدم "عمليته العسكرية الخاصة"، أو كيف تتمتع الأراضي التي تم ضمها حديثًا في شرق أوكرانيا بالحياة تحت الحكم الروسي. على الرغم من عدم تقديم أي تفسير من الكرملين حول سبب إلغاء المؤتمر الصحفي، فإن الشكوك العامة هي أنه، نظرًا للنكسات المهينة العديدة التي عانى منها الروس خلال هجومهم الذي استمر عشرة أشهر على أوكرانيا، فإن بوتين لا يريد المجازفة بالظهور العام، ولا حتى في حدث مصمم بعناية مثل عرضه الإعلامي السنوي".
وأضافت الصحيفة، "على الرغم من التدقيق، فلا يزال من المتوقع أن يعالج بوتين عددًا من القضايا الصعبة، سواء أكان الأمر يتعلق بتقديم تعازيه لعائلات ضحايا القتال الروسيين الذين يقدر عددهم بنحو 100 ألف قتيل، أو بتقديم تفسير لماذا لم تعد المدن الاستراتيجية الرئيسية مثل خيرسون تحت السيطرة الروسية.
فالكرملين على علم أنه حتى منافذ الدعاية المتطورة الخاصة به لا يمكنها إخفاء حقيقة أن عام 2022 شكل كارثة كبيرة لبوتين والجيش الروسي، لدرجة أن الشعب الروسي الآن يدرك جيدًا الهزائم التي عانوا منها، حيث أظهرت أحدث استطلاعات الرأي أن واحداً فقط من بين كل أربعة روس يدعم الآن هذه "الحرب الوطنية العظمى" الجديدة".
وبحسب الصحيفة، "في ظل النص الكبير بالعتاد والعتيد، اضطر الروس إلى اللجوء إلى استخدام مسيرات إيرانية الصنع لاستهداف البنية التحتية لأوكرانيا، وهو التكتيك الوحيد المتبقي للكرملين لاستخدامه في هجومه المستمر. ومع ذلك، فإن فعالية هجمات المسيرات أصبحت أقل قوة يومًا بعد يوم حيث أصبح الأوكرانيون أكثر مهارة في اعتراضها قبل أن تصيب أهدافهم. كما وستتعزز قدرة الأوكرانيين على الدفاع عن أنفسهم بشكل كبير قريبًا مع تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بنشر أنظمة الدفاع الصاروخي "باتريوت". بوتين لا يجد نفسه في موقف دفاعي فقط في ساحة المعركة.
مهما كانت الروايات التي قد يستحضرها مؤيدوه في كافة أنحاء العالم، فإن العقوبات الغربية لها تأثير مدمر على الاقتصاد الروسي، ويأمل الكرملين في تحقيق أرباح مالية بسبب ارتفاع أسعار النفط. في الواقع، تراجعت أسعار النفط العالمية في الوقت الذي تواجه فيه الدول الصناعية انكماشًا اقتصاديًا".
وتابعت الصحيفة، "مع نفاد خيارات بوتين بسرعة، هناك اقتراحات بأن الزعيم الروسي قد يكون مهتمًا بالتفاوض على إنهاء الأعمال العدائية. ويضغط عدد من الزعماء الغربيين، بمن فيهم بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أجل تسوية تفاوضية. وأشار البعض إلى أنهم قد يضغطون على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لفتح محادثات سلام مع موسكو.
ومن المؤكد أن تركيا كانت تضغط على موسكو وكييف للدخول في مفاوضات. من وجهة نظر بوتين، فإن جولة جديدة من المفاوضات حول الأراضي الأوكرانية المتنازع عليها ستساعد في تخفيف بعض مشاكله المباشرة، وهو ما يفسر سبب إعلانه مؤخرًا أنه "منفتح" على الفكرة.
لكن في حين أن أي مبادرة تؤدي إلى إنهاء إراقة الدماء هي موضع ترحيب، فمن الضروري ألا يقع القادة الغربيون في فخ بوتين. فقبل غزو أوكرانيا، شاركت روسيا في محادثات سلام مع كييف كجزء من اتفاقية مينسك، ولكن تم تحقيق القليل بسبب رفض موسكو التخلي عن أي من الأراضي التي احتلتها بشكل غير قانوني في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014. إن موقف روسيا لا يزال كما هو اليوم".
وختمت الصحيفة، "علاوة على ذلك، يجب أن تتصدى أي تسوية سلمية مستقبلية لجرائم الحرب العديدة التي ارتكبتها قوات بوتين منذ الغزو. قد تبدو المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الصراع فكرة جيدة، ولكن ليس إذا كانت تعني السماح لبوتين بالذهاب من دون عقاب".