لا تتساوى الحياة بين البشر، إذ ثمة بينهم فوارق مادية واجتماعية وعلمية وعملية، ولكل شخص طريقته وأسلوبه وإنجازاته وخيباته وانتصاراته.
ولكن هناك من يقارن نفسه بالآخرين طوال الوقت، فما أثر ذلك في حياته العملية والاجتماعية؟ وكيف يمكن للمرء أن يكون أكثر ثقة بنفسه؟
المقارنة بالآخرين فخ متعب ترى الباحثة المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة فاديا إبراهيم أن المقارنة بالآخرين فخ مُتعب قد يقع فيه بعض الأفراد، مما يسبب لهم قلقا وتعبا وعدم رضا. وتقول فاديا للجزيرة نت إن "مقارنة النفس بالآخرين يمكن أن تصنع منك شخصا حاقدا وحاسدا، مما يولد لديك شعورا بالغيرة واليأس والإحباط، فقط لأن بعض الأشخاص قد سبقوك في الإنجاز. وهذا يدل طبعا على قلة الثقة بالنفس، وعدم الوصول إلى مرحلة الرضا عن الذات".
قارن إنجازاتك بطموحاتك
للتخلص من هذا الشعور، يجب على الأشخاص وضع الأهداف الخاصة بهم فقط من دون أي مقارنة، لا بالأشخاص الأكثر حظا ولا بالأقل حظاً. فقط قارن نفسك بنفسك، قارن إنجازاتك بطموحاتك وأهدافك وحتى أحلامك، إذ يجب السعي الدائم إلى العمل الجاد الحقيقي والطبيعي الذي يوصلنا إلى أهدافنا نحن، لا إلى ما حققه الآخرون، بحسب ما تقول الدكتورة التي تضيف: "علينا أن نكون دائماً فخورين بإنجازاتنا، مهما كانت صغيرة أو بسيطة، ونسعى من خلال الرضا والعمل وتطوير الذات إلى تحقيق أهدافنا". وتحذّر إبراهيم من الشكل الذي وصلت إليه حياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا وسلوكنا الاستهلاكي الذي يحدد قيمة الإنسان بما يملك أو بمقدار استهلاكه، "وهذا ما ساعد على تعزيزه الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض لنا كل دقيقة ما ينجزه الآخرون وما يمتلكونه، فترانا من غير قصد نضع أنفسنا في مقارنة مع الآخرين، وننظر إلى الحياة بأنها غير عادلة، فتصبح ثقيلة وصعبة علينا".
وتتابع إبراهيم أنه "إن كان فعلا هناك ضرورة للمقارنة، فلتكن المقارنة الإيجابية التي من خلالها نصنع حافزاً لنطوّر أنفسنا ونكون مثل الآخرين بإنجازاتهم ونجاحاتهم".
حب الذات واحترامها وتقول المختصة في علم الاجتماع إن "الإنسان ابن بيئته، لذلك نحرص على توفير بيئة سليمة لدى أطفالنا من خلال التربية، فنغرس فيهم حب الذات واحترامها والثقة بالنفس، ونُبعدهم عن المقارنة بين إخوانهم أو زملائهم بالدراسة، لأن هذا يغرس بذرة النظر إلى حياة الآخرين دائماً، والانشغال عن تطوير حياتنا". وتضيف: "حتى بيئة العمل يجب أن تكون سليمة وخالية من التنافس السلبي. وعلى المديرين والقادة دائما إشاعة جو من التضامن والمساعدة والاحتفاء بالإنجازات الجماعية على حساب الإنجازات الفردية. وإن كان أحدٌ مُتأخراً فيجب دعمه باستمرار والوقوف إلى جانبه حتى يُظهر أفضل ما لديه. وإن كان هناك شخص ناجح ومُتميز فيجب أيضاً الفرح لنجاحه ودعمه للمضي قدماً من دون حسد أو غيرة، لأن الإنجازات الفردية تصب في النهاية في المصلحة الجماعية، سواء للمؤسسة أو المجتمع أو حتى الوطن". مقارنة "إيجابية وسلبية" من جانبه، يرى المتخصص في علم النفس الدكتور علي الغزو أن مقارنة النفس مع الآخرين تكون على نوعين: الأول، المقارنة الإيجابية، عندما يقارن الفرد نفسه بالآخر من خلال النظر إلى ما يمتلك من مهارات وقدرات وطاقات، والتي تنعكس إيجاباً على مسيرة حياته. هنا، يكون الفرد قادراً على الإنجاز والتطوير وينظر إلى نفسه نظرة احترام وتقدير للذات، وهذا في الواقع يزيد من ثقته بنفسه.
أما النوع الآخر، فهي المقارنة المعاكسة تماما، وهي "سلبية". هنا، تكون نظرة الفرد إلى نفسه دونية، بمعنى أنه يرى مهاراته وقدراته ضعيفة ولا يستطيع أن يصل إلى ما يصل إليه الآخرون. ويبدأ بهذه الحالة الدخول في لوم النفس وتأنيب الضمير. وما يخشى في هذه الحالة، أن يقل تقدير المرء واحترامه لذاته، وقد يتطور الأمر ويتفاقم إلى حالات نفسية، كالاكتئاب والتوتر والقلق في موقف يواجهه بمجالات الحياة. ويشرح الغزو: "هنا ننصح هؤلاء الأشخاص بالابتعاد عن هذه المقارنة، وإذا كان لا بد منها، فيجب أن تكون بدافع التغيير والتطوير". ويضيف: "الإنسان السوي والطبيعي والذي يرى أنه يمتلك مهارات وقدرات ما، ينشغل بنفسه ولا يقارنها بمهارات الآخرين وقدراتهم، بل يعمل دائماً على تحقيق الذات من خلال الإنجازات التي يحققها، ولا يكرر القول، سواء مع نفسه أو أمام الآخرين: أنا عملت… أو أنا أنجزت؛ فيبقى الدافع داخلياً والإنجاز شخصياً". كيف تكون أكثر ثقة بنفسك؟ تحت عنوان "كيف تزيد ثقتك بنفسك"، ذكر موقع "فري ويل مايند" (Very Well Mind) أن الثقة بالنفس تشير إلى الشعور العام بالثقة في قدراتك على التحكم بحياتك، أو قد تكون أكثر تحديداً للموقف، فقد تكون لديك ثقة عالية بالنفس في مجال معين من الخبرة، ولكنك تشعر بثقة أقل في مجالات أخرى. ويمكن أن يساعدك التمتع بمستوى صحي من الثقة بالنفس على أن تصبح أكثر نجاحاً في حياتك الشخصية والمهنية. ووجدت البحوث مثلاً، أن الأشخاص الأكثر ثقة يميلون إلى تحقيق مزيد من النجاح من الناحية الأكاديمية. 3 نصائح مهمة وقدم الموقع نصائح لجعل المرء أكثر ثقة بنفسه، أهمها: توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين: عندما تلاحظ أنك تجري مقارنات، ذكّر نفسك أولاً أن القيام بذلك ليس مفيداً، فالحياة ليست منافسة. وإذا كنت تشعر بالحسد لحياة شخص آخر، فمن المفيد أيضاً أن تتذكر نقاط قوتك ونجاحاتك. احتفظ بدفتر يوميات للامتنان ولتتذكر بشكل أفضل مناطق الحياة التي تنعم فيها. أحط نفسك بأشخاص إيجابيين: توقف لحظة، وفكر في ما تشعر به تجاه أصدقائك. هل يرفعونك أم يحبطونك؟ هل يحكمون عليك باستمرار أم أنهم يقبلونك على ما أنت عليه؟ يمكن للذين تمضي الوقت معهم التأثير على أفكارك ومواقفك تجاه نفسك، ربما أكثر مما تدرك. لذا عليك التنبّه إلى ما يشعر به الآخرون. وعليه، أحط نفسك بأشخاص يحبونك ويريدون الأفضل لك، وابحث عن الآخرين الإيجابيين الذين يمكنهم مساعدتك في بناء ثقتك بنفسك. اهتم بجسمك: تستند هذه النصيحة على قاعدة أنه من الصعب الشعور بالرضا عن نفسك إذا كنت تسيء إلى جسدك. وعندما تمارس الرعاية الذاتية، ومنها النظام الغذائي والتمارين البدنية والتأمل والاسترخاء والنوم الجيد، فأنت تفعل شيئاً إيجابياً لعقلك وجسدك وروحك، وستشعر بطبيعة الحال بمزيد من الثقة نتيجة لذلك.