بسرعة كبيرة، تشهد اليابان وألمانيا خطوات متسارعة باتجاه تغيير عقيدة تسليح جيشيهما، وهو ما يثير الكثير من القلق عند خصوم الدولتين في الصين وروسيا وكوريا الشمالية، في الوقت الذي تلقى هذه الخطوات ترحيبا كبيرا داخل واشنطن.
ويقول خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز ستيف بايفر، تعليقا على هذا التحول إن هناك "تفهما أميركيا ودعما واسعا للقرارات المتخذة في طوكيو وبرلين لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز قدرات جيشيهما". وتتطلع اليابان إلى تعزيز قدرتها العسكرية وتعزيز إنفاقها الدفاعي منذ وصول رئيس الوزراء فوميو كيشيدا للحكم في تشرين الأول 2021. وبسبب القرب الجغرافي لتايوان التي لا تبعد عن اليابان إلا حوالي 100 كيلومتر من جزيرة يوناغوني اليابانية، يرى الكثير من الخبراء أن أمن مضيق تايوان يعد مصدر قلق طبيعي لطوكيو.
كذلك لدى اليابان نزاعات مع الصين بشأن سلسلة جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. وبالإضافة إلى "المخاطر" التي تشكلها الصين، أطلقت كوريا الشمالية في وقت سابق من العام الجاري صواريخ باليستية بعيدة المدى فوق اليابان. وبموجب المادة 9 من دستور اليابان، تعهدت طوكيو بـ"نبذ الحرب إلى الأبد" بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، على نحو لا يسمح لقوتها المسلحة بالحرب إلا للدفاع عن البلاد. إلا أنه قبل عامين، أصبحت اليابان أحد أركان تحالف رباعي يضم أستراليا والهند والولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين المتزايد. ويقول بايفر إنه "على مدار العقدين الأخيرين، راقبت اليابان الصين وهي تبني قواتها العسكرية بشكل مطرد تتخذ معه موقفا أكثر تهديدا تجاه تايوان، بينما أطلقت كوريا الشمالية هذا العام عددا قياسيا من الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى مر بعضها من فوق الأراضي اليابانية".
من ناحية أخرى، وعلى الساحة الأوروبية، يؤمن بايفر بأن "الحكومة الألمانية أدركت أن روسيا ليست الشريك الذي كانت تأمل أن تكون عليه، وأن طموحات الكرملين قد تمتد إلى ما وراء أوكرانيا". واتخذت ألمانيا خطوات عسكرية غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ مدت أوكرانيا بأكثر من ألف صاروخ مضاد للدبابات و500 صاروخ ستينغر المضاد للطائرات. كما أوقفت الحكومة الألمانية الكثير من القيود المفروضة على الأسلحة الألمانية الصنع التي يتم إرسالها إلى مناطق الصراع، مما مكّن المزيد من دول ثالثة من إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أيضا. وتصب القرارات اليابانية والألمانية لتعزيز قدراتهما الدفاعية التقليدية في مصلحة الولايات المتحدة إلى حد كبير. واعتبر روبرت بيرسون، أستاذ العلاقات الدولية في ويست بوينت، وهي أشهر أكاديمية عسكرية أميركية، أنه فيما يتعلق بإعادة تسليح اليابان وألمانيا، وهما من أهم حلفاء أميركا في شرق آسيا وأوروبا، فإن "هذا يعد تطورا إيجابيا بالنسبة لواشنطن، فنحن في عصر تتزايد فيه منافسة القوى العظمى، حيث تشكل القوى الاستبدادية الرجعية مثل روسيا والصين تهديدات متزايدة لجيرانها، وكثير منهم حلفاء ديمقراطيون للولايات المتحدة".
وأشار بيرسون إلى أن "التحالف الغربي يكون أقوى عندما يتقاسم جميع الشركاء عبء الدفاع عن مصلحتنا المشتركة في الاستقرار والأمن العالميين، من هنا فالاستثمارات المتزايدة التي تقوم بها ألمانيا واليابان تشكل مساهمة إيجابية في تلك المهمة المشتركة". من جانبه، يقول بايفر إن "وجود حلفاء أقوى يخفف بعض العبء عن الولايات المتحدة ويمكن أن يعزز ردع الخصوم المحتملين". ويضيف أن من المرجح أن تتأثر قرارات إنفاق المزيد على الدفاع في كل من طوكيو وبرلين إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض، خاصة أن الرئيس السابق دونالد ترامب تبنى سياسة "أميركا أولا"، وهم ما تم ترجمته في عاصمتي الدولتين على أنه تخلٍّ أميركي عن التزاماتها بالدفاع عنهما. (الجزيرة)