بينما يركز العالم على الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال عمليات الدعاية التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عالمية بطبيعتها.
وبحسب صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، "من أميركا الجنوبية إلى إفريقيا، يعمل المحرضون الروس على زعزعة استقرار وتقويض الحكومات التي يعتبرونها غير مفيدة لأهداف موسكو. وظهر تأثير هذه العمليات لفترة وجيزة في بطولة أستراليا المفتوحة، حيث ظهر والد نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش في فيديو مصور مع متظاهرين مؤيدين لروسيا، ويقال إنه كان ينادي قائلاً "عاش الروس".
ما سبق لا يشكل مفاجأة للمراقبين في المنطقة منذ فترة طويلة. لقد أوضح بوتين هذه النقطة من خلال تأجيج التوترات بين صربيا وكوسوفو، مما جعل بلغراد أقرب إلى فلك موسكو. والآن، بعد ثلاثة عقود من الانهيار الدموي ليوغوسلافيا، أعادت الاشتباكات الأخيرة بين صربيا وكوسوفو إشعال التوترات العرقية المستمرة وأثارت القلق في الغرب".
وتابعت الصحيفة، "في أواخر كانون الأول، وضعت صربيا قواتها في حالة تأهب قصوى، حيث وصف رئيس الوزراء الصربي البلدين بأنهما "على شفا صراع مسلح".
وزار المبعوث الخاص للمملكة المتحدة، السير ستيوارت بيتش، صربيا لتهدئة التوترات، لكن خطر حدوث اشتباكات في المستقبل لا يزال حقيقياً - لا سيما بالنظر إلى عمل روسيا وراء الكواليس كمستفز لإلهاء الغرب عن الحرب في أوكرانيا. فحملات التأثير الروسية في صربيا لها تاريخ طويل.
تحتفظ موسكو بنفوذ ثقافي وسياسي عميق في صربيا من خلال مؤسسات مثل الكنيسة الأرثوذكسية، في حين أن وكالة سبوتنيك، وهي وكالة أنباء روسية مملوكة للدولة، لها وجود كبير في بلغراد كما وأن "روسيا اليوم" قامت بافتتاح مكتب لها مؤخرًا هناك".
وأضافت الصحيفة، "ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إعلان مجموعة فاغنر عن وجودها في صربيا في كانون الأول عبر "مركز الثقافة والمعلومات الروسية الصربية للصداقة والتعاون". هذه المنظمة شبه العسكرية السيئة السمعة، التي يديرها يفغيني بروغوزين، مساعد بوتين، متخصصة في عمليات المعلومات التي من شأنها إثارة التوترات.
إن أنشطة الكرملين في صربيا مثيرة للقلق بشكل خاص، بالنظر إلى أن صربيا عينت مؤخرًا سياسيًا مواليًا لروسيا مديراً لوكالة الاستخبارات التابعة لها والذي دعا إلى إنشاء "عالم صربي" - منطقة بلقانية موازية لـ"عالم بوتين" الروسي - مصمم لتوحيد جميع الصرب في إطار ثقافي مشترك".
وبحسب الصحيفة، "لم تعترف صربيا أبدًا باستقلال كوسوفو وشجعت الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، والذين يشكلون أغلبية في الشمال، على مقاومة توجيهات بريشتينا.
وتصاعدت التوترات في آب، بعد أن أعلنت كوسوفو عن مطالبة الصرب الذين يعيشون هناك بالتسجيل للحصول على لوحات تسجيل ووثائق من كوسوفو، مما دفع العديد من الصرب إلى ترك وظائفهم.
وأدى اعتقال ضابط شرطة سابق في كانون الأول إلى تفاقم التوترات، حيث وضع الصرب حواجز على الطرق حتى أطلق سراحه".
وتابعت الصحيفة، "تستفيد كل من صربيا وروسيا من الفوضى المتقطعة التي تسببها هذه التوترات. بالنسبة للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، فإن التصعيد يصرف انتباه الصرب عن القضايا الداخلية. على سبيل المثال، وضع فوتشيتش الجيش الصربي في حالة تأهب قصوى في أواخر كانون الأول في نفس اليوم الذي حدث فيه تسرب للأمونيا من قطار شحن خرج عن مساره بسبب سوء صيانة المسارات التي تسببت بنقل أكثر من 15 شخصًا إلى المستشفى. كما أن إستراتيجية فوتشيتش "التصعيد لنزع التصعيد" تسمح له بتصوير نفسه على أنه منارة للاستقرار في المنطقة. في النهاية، السؤال هو، لماذا يسعى بوتين لدفع كوسوفو إلى حافة الهاوية؟".
بحسب الصحيفة، "لأن القيام بذلك سيسمح له بتحقيق العديد من أهداف السياسة الخارجية: تشتيت انتباه الغرب عن أوكرانيا، إلغاء صلاحيات الناتو ووضع روسيا كوسيط إقليمي وحيد، وإعطاء بوتين نفوذاً على القوى الغربية التي لا تريد للعنف في المنطقة أن يتصاعد أكثر. يصر السفير الروسي في صربيا على أن بلغراد يمكن أن تعتمد على دعم موسكو ووصف الوضع في كوسوفو بأنه "على وشك أن يتطور إلى صراع أوسع".
إلى حد ما، يعد هذا خطابًا رخيصًا، حيث إن موسكو ليست في وضع يسمح لها بمساعدة صربيا عسكريًا في حالة نشوب صراع مفتوح. وكما يوضح إيغور ستريلكوف، وهو من قدامى المحاربين في الجيش الروسي ووزير الدفاع السابق في دولة دونيتسك العميلة، "روسيا غارقة في مستنقع عميق في أراضي أوكرانيا. كيف يمكننا مساعدة صربيا؟ إذا كان ذلك فقط من خلال الدخول في حرب واسعة النطاق مع الناتو، فنحن غير مستعدين لها تمامًا".
وتابعت الصحيفة، "ومع ذلك، وبغض النظر عن القيود التي تفرضها روسيا كحليف لصربيا، فإنها ستستمر بلا شك في إثارة التوترات التي تبقي الزخم السريع في كل من صربيا وكوسوفو.في غضون ذلك، أعلن فوتشيتش، في خطاب للأمة يوم الاثنين، أن صربيا تتعرض لضغوط غربية بسبب رفضه قبول الاقتراح الفرنسي الألماني لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، ما يعني أن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والاستثمارات الغربية في صربيا ستتوقف.
ولكن كما رأينا في أوكرانيا، لا شيء تخططه موسكو محتوم. الكرملين ليس في وضع يسمح له بمساعدة بلغراد عسكريًا أو اقتصاديًا، ويمكن للغرب أن يتدخل بسهولة لنزع فتيل الموقف".
وأضافت الصحيفة، "كل ما هو مطلوب هو تطبيق كافٍ للرافعة المالية؛ باستخدام أساليب الحرب المضادة الهجينة لإعاقة عمليات المعلومات الروسية، تزيل بعثات حفظ السلام التابعة للناتو حواجز الطرق الجديدة لتوضيح أن الغرب سيتدخل في أي تصعيد حقيقي. إن نجاح فوتشيتش في تعزيز سلطته يعني أنه من بعض النواحي أنه من الأسهل عليه التراجع. على وجه الخصوص، تسمح سيطرة فوتشيتش على وسائل الإعلام بتدوير أي معلومات يريدها بسهولة؛ كما ويمكنه وضع شروط إعلامية لتطبيع العلاقات مع بريشتينا دون أي خوف من انتقام الجماعات اليمينية المتطرفة". وختمت الصحيفة، "إن نزع فتيل هذا الوضع الآن من شأنه أن يقوض هدف الكرملين المتمثل في تأجيج تصعيد جديد لجذب الانتباه عن أوكرانيا".