من الطبيعي أن يمر الإنسان بتجربة سيئة "فالدنيا يومان: يوم لك، ويوم عليك"، ولكن ليس طبيعيا أن يبقى عالقًا في آثارها.
هناك من يتحرك ليستعيد توازنه بوضع خطة محكمة ليومه، واستثمار كل دقيقة من وقته، ويعيد ترتيب أفكاره ويبتعد عن كل ما يذكره بأي تجربة سيئة حتى يتعافى.
وهناك من تحبطه التجربة ويبقى غارقًا في تحليل الأمور، بل يبحث عن عصا سحرية للنسيان. فكيف يتخطى الفرد التجارب السيئة؟
يقول المستشار الأسري الدكتور أحمد عبد الله إن للتجارب السيئة في حياة الأشخاص قوتها وعمقها في الذاكرة والنفس البشرية، كونها تضم عددًا كبيرًا ومتنوعًا من الانفعالات ذات المنشأ نفسه، وهو الغضب أو القهر أو العجز، أو غير ذلك من أنواع الانفعالات الكبيرة. وهذه الميزة تجعل التجربة السيئة ذات عمر أطول في الذاكرة، وتجعل محاولة نسيانها مطلبا ملحّا لدى البعض. في المقابل، برأي عبد الله، ليس من وظائف الذاكرة الإنسانية "النسيان"، ومن ثم يطلب الإنسان من نفسه ما لا يستطيع فعله من حيث المبدأ.
إذن، كيف يمكن التعامل مع التجارب السيئة؟ وهل من الصواب أن يترك الإنسان ليكون فريسة تجارب سيئة لعلها تتكرر أو تتجدد أو تتجدد انفعالاتها؟ كلمة السر هي "التكيف"، وهي عملية نفسية عقلية جسمية تهدف إلى تعايش الإنسان مع ما يمر به من تجارب، بحيث تبقى في حدود تأثيرها الأدنى على الإنسان، كما يقول المتحدث ذاته. والتكيف بحد ذاته مجهد ويتطلب الاستمرار في أدائه إلى أن تتوالد لدى الإنسان عادات نفسية جديدة قائمة على التكيف، وهذا ما يجعل بعض الناس غير قادرين على فعله، وفق الدكتور عبد الله. مهارات التكيف
يصف المستشار عبد الله مهارات التكيف بأنها "مهارات معرفية، تعمل على تعديل الفهم المعرفي للحدث من خلال مراجعته وفهم ظروفه، فضلًا عن توزيع المسؤوليات في الحدث. هذه المرحلة تمهّد لما بعدها، وهي تقبّل الانفعالات الصادرة عن الحدث من حيث الكمية والنوع، وهذا التقبل بحد ذاته تمهيد للمرحلة التي تليها وهي مرحلة تبديل الانفعالات من خلال سلوك جديد يقوم به الإنسان بهدف تغيير الانفعال. هذه العملية، وإن كانت مكتوبة في سطور قليلة، إلا أنها على أرض الواقع تتطلب وقتًا وجهدًا نفسيا كبيرين". ويشير إلى أن من طرق التكيف أيضًا الحديث المدروس، ولا يُقصد به هنا أي حديث، فهناك فرق بين الفضفضة العشوائية والتفريغ النفسي المدروس الذي يشرف عليه متخصص يعرف عما يسأل وكيف يسهم في التفريغ الانفعالي. عدم إطالة عمر التجربة السيئة يرى عبد الله أن التجربة السيئة تترك أحيانًا مجموعة من المشاعر حبيسة النفس، هذه المشاعر تسهم في وجود مستوى من مستويات الاحتراق النفسي لدى الشخص صاحب التجربة. لذلك، وجب تفريغ هذه الانفعالات ليعود الإنسان في مستوى مقبول من الصحة النفسية. وعليه، فإن الفضفضة العشوائية قد تسهم في تكرار التجربة "نفسيا" في داخل الإنسان، ومن ثم تتجدد مشاعره، وهذا يزيد الأمر سوءًا.
ويلفت إلى أن التجارب السيئة تُلحق الضرر بالحياة الزوجية، إذ من الممكن أن تتحول التجربة السيئة إلى "مسطرة معيارية" يُقاس عليها سلوك الزوجين تجاه بعضهما بعضًا. ومن الممكن تعميم أثر التجربة السيئة لتصبح توجهًا في داخل الشخص، بحيث يفقد ثقته بالمحيط كاملًا، أو بعموم الرجال أو بعموم النساء. وقد تصبح التجارب السيئة تصوّرات عامة عن الزواج ككل. لذلك، من الضروري عدم إطالة عمر التجربة السيئة والتعامل الفوري معها، ليحافظ الإنسان على أغلى ما يملك، وهي صحته النفسية، وفق الدكتور عبد الله. النسيان لا يعني التجاوز يقول المستشار في الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة "كثيرًا ما يقع الخلط بين مصطلحات النسيان والتجاوز والتخطّي، باعتبارها تحمل الدلالة ذاتها، لكن ذلك غير صحيح في علم النفس".
النسيان: هو انتقال المعلومات في عقل الإنسان من الوعي إلى اللاوعي في شكل ذكريات مقترنة بأحاسيس ومشاعر بسبب الانقطاع عن التعرّض المستمر لها، أو لأنها فقدت أهميتها مقارنةً بالماضي. لذلك، فإن النسيان يعتمد اعتمادا رئيسا على عامل الوقت، وتبقى الذكريات موجودة، وإن لم نستحضرها حاليا، وتُسترجع تلقائيا بالتعرض لأي عامل منشط لها.
ومن ثم، فإن النسيان ليس حذف المعلومات المخزنة أو اختفاءها، كما هو الحال في أمراض الخرف بمختلف أنواعه، والتي تكون جراء تلف أو موت الخلايا العصبية في الدماغ أو عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات إذا كانت صادمة ومفجعة للإنسان، عن طريق آليات الدفاع النفسي التلقائي، مثل الكبت أو القمع أو الانفصال. ويلفت المستشار مقابلة إلى أن النسيان لا يعني التجاوز، إذ يُمكن نسيان شخص أو شيء أو حدث معين، لكن يمكن أن يبقى أثره فينا طوال الحياة، حتى إن لم نكن نعي ذلك، فتصبح خطواتنا في الحاضر والمستقبل مقيدة أسيرة الماضي، ونصبح نرى العالم من منظور أو زاوية واحدة، كما ندور في أنماط متكررة تزيد من معاناتنا وإحباطنا من أنفسنا أو العالم من حولنا.
التجاوز/التخطّي: هو فصل الماضي وذكرياته عن أحداث الحاضر والمستقبل وعدم التأثر بها، سواء كانت تجارب سيئة أو صدمات شكّلت عُقدًا نفسية. ومن ثم تصبح الذكريات مجرد معلومات خالية من المشاعر والتأثير العاطفي، كأنها حكاية مجردة. لذلك، يعتمد التجاوز اعتمادًا أساسيا على فهم الذات وتقبّلها والتصالح معها عن طريق العلاج النفسي والكلام من خلال الطبيب أو المتخصص النفسي، وفق مقابلة.
نصائح لتجاوز التجارب السيئة وعن كيفية التغلب على التجارب السيئة بسلاسة، نشر موقع "تربيون لينينغ" (tribuneonlineng) النصائح التالية: اسمح لنفسك بالحزن والتسامح: الخطوة الأولى في التغلب على تجربة سيئة هي السماح لنفسك بالحزن. لا تحاول التستّر على عواطفك: إذا قمت بذلك فأنت في طريقك إلى تجاوز أي تجربة سيئة. القبول: لتجاوز تجربة سيئة، عليك أن تتقبل حدوث مثل هذه التجارب. لا يمكنك إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
لا يمكنك تغيير ما حدث لك في الماضي: ولكن يمكنك اتخاذ القرار إذا كان ذلك سيحدد هويتك، أو إذا كنت ستفعل أفضل شيء في المستقبل من خلال الإدارة والتصميم والشجاعة.
لا تحتفظ بالذكريات: عليك تجاوز التجارب السيئة وتجاهل الذكريات التي تحتوي على تجارب مؤلمة، واسمح لنفسك بالشفاء. لا تفعل ذلك بمفردك: شارك ما تمر به مع الأشخاص الذين تثق بهم، وشارك العبء الخاص بك. لا تمر به بمفردك، وإلا فإن ذلك لن يختفي أبدًا.