بينما تنتظر أن يجهز الطعام أو في طريقك إلى العمل أو قبل النوم قد تحاول ملء الفراغ وتقتل الملل بمشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأبرزها تيك توك ويوتيوب وفيسبوك.
تعتقد أن المقطع الواحد لا تتعدى مدته دقيقة واحدة فلا بأس من ذلك، لكن ينتهي الأمر بمكوثك ساعات في هذه الحالة دون أن تشعر.
وإلى جانب إهدار الوقت الشديد الذي تسببه هذه المقاطع القصيرة فإن الإفراط في مشاهدتها يؤثر سلبا على الصحة العقلية والنفسية للأطفال والبالغين على حد سواء. تعرّف على تأثير المقاطع القصيرة ومدى أهمية التحكم في مشاهداتك. السعي وراء المتعة السريعة أشارت دراسة نشرتها دار النشر "سبرينغر" (Springer) إلى أن التكنولوجيا بشكل عام يمكن أن تلحق الضرر بقدرة الشباب على تقدير الأشياء التي تحقق شعور الإشباع بعدما اعتادوا على مشاهدة مقاطع مدتها دقائق معدودة وأحيانا مجرد ثوان.
وقالت جيسيكا جريفين الأستاذة المساعدة في الطب النفسي بكلية الطب في جامعة ماساشوستس لموقع "فري ويل هيلث " (Very Well Health) إن "مقاطع الفيديو القصيرة مثل الحلوى تعطي دفعة من هرمون الدوبامين تطلقه مراكز المتعة في الدماغ وتعزز الشعور بالرضا، وغالبا ما تتسبب هذه الدفعة في رغبتنا بفعل المزيد من هذا الأمر مثل الأطفال في متجر الحلوى". ووجدت دراسة أجريت عام 2021 ونشرتها منصة "ساينس دايركت" (Science Direct) أن مشاهدة المقاطع المختارة والمنسقة خصيصا لك بواسطة الخوارزميات تنشط مراكز المكافأة في الدماغ بصورة أكبر من مشاهدة مقاطع الفيديو العشوائية. أفلام لا تحتمل أطلق الباحثون مصطلح "عقل تيك توك" (TikTok Brain) للإشارة إلى تأثير الإفراط في مشاهدة المقاطع القصيرة على الإدراك البشري والأداء العقلي العام، حتى أصبحت الأفلام غير ممتعة للأطفال وباتوا يعتبرونها بطيئة ومملة بشكل لا يطاق.
وفي هذا الصدد، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) أن الإفراط في مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة على موقع تيك توك يضر أدمغة الأطفال، مشيرة إلى أن هذا التأثير السلبي ينعكس على قدراتهم المعرفية وتركيزهم خلال الدراسة. ووجدت دراسة أن ازدياد الشعور بالملل لدى الأطفال والمراهقين يرتبط بزيادة التعرض للتكنولوجيا والذي يؤدي لاحقا إلى الإدمان الرقمي. انتباهك يتقلص
بدورها، ذكرت الطبيبة النفسية جريفين أن الانغماس في كم لا نهاية له من مقاطع الفيديو القصيرة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الانتباه والتركيز والذاكرة قصيرة المدى. وأظهر مسح استقصائي قامت به منصة تيك توك ونقله موقع "وايرد" (Wired) حجم الضرر الذي تسببه المقاطع القصيرة، إذ أبلغ ما يقارب 50% من مستخدمي المنصة أنهم لم يعد بإمكانهم مشاهدة المقاطع التي تزيد مدتها على دقيقة، ووصفوها بأنها "مرهقة وضاغطة" رغم اهتمامهم بموضوع الفيديو. كما أشار باحثون من جامعة الدانمارك التقنية في دراسة إلى أن الهاشتاغ في عام 2013 كان يستمر في الصدارة بمتوسط 17.5 ساعة، لكن في عام 2016 بقي الهاشتاغ الأعلى تفاعلا لمدة 11.9 ساعة فقط في المتوسط. أعراض تشبه إدمان المخدرات تدفق المقاطع التي لا نهاية لها يسبب إدمانا في حد ذاته، ذلك أن المستخدمين يتوقعون مصادفة مقاطع ممتعة في أي ثانية فلا يستطيعون التوقف عن التصفح. وقد وجدت دراسة نشرت عام 2015 أن إدمان الإنترنت يسبب أعراضا تشبه الإدمان على المخدرات، ومنها فقدان السيطرة وأعراض الانسحاب وعدم القدرة على تقليل الاستخدام وعواقب سلبية الأخرى. كما يؤدي هذا الإدمان إلى انكماش الدماغ تدريجيا، وقد أظهرت دراسة نشرتها "المجلة الأوروبية للأشعة" (European Journal of Radiology) عام 2013 أن إدمان الألعاب عبر الإنترنت يؤدي إلى ضمور هيكلي في القشرة الأمامية للدماغ. التأثر على مهارات القراءة يتفوق المحتوى المرئي دائما على النصوص المكتوبة عبر الإنترنت، ذلك أن أدمغتنا تستطيع معالجة البيانات المرئية أسرع من النصوص الطويلة.
ومع مشاهدة المقاطع المصورة طوال الوقت تضعف مهارات القراءة بشكل ملحوظ، خاصة عند الأطفال، وتحديدا لدى من يستخدمون المنصات التي لا تحتوي على أي محتوى مكتوب، مثل تيك توك. كيفية تحسين القدرة على الانتباه بعد التعرف على جزء من تأثير المقاطع القصيرة عليك قد يتضح لك الآن لماذا عليك التحكم في مشاهداتك ومحاولة تخفيف تأثيرها السلبي عليك، ولمساعدتك على استعادة تركيزك وتحسين مدى انتباهك إليك هذه النصائح: قلل المشتتات تجنب أي شيء قد يؤثر على تركيزك خلال القيام بمهمة معينة، اجلس في مكتبك وأغلق إشعارات هاتفك وابتعد عن أي مشتتات أخرى، مع الممارسة تصبح هذه طريقة فعالة لزيادة مدى انتباهك. تجنب تعدد المهام على الرغم من أن تعدد المهام يجعلك تشعر وكأنك تعمل بكل جد فإنه في الواقع يزيد مستويات الضغط، ويمكن أن يؤدي إلى المزيد من الأخطاء. لذلك، فإن التركيز على مهمة واحدة يضمن أن تظل جميع قواك العقلية منصبة على شيء واحد بدلا من العديد من الأشياء التي تشتت انتباهك، وهذا يساعدك على تحسين انتباهك. اشرب الماء أو امضغ علكة يساهم شرب الماء والحفاظ على رطوبة جسمك في تعزيز مهارات التفكير والإدراك العام. ووجد بحث نشره موقع "ساينتفك أميركان" (Scientific American) أن مضغ العلكة يرفع مستويات التركيز، وقال الباحثون إن العلكة تزيد تدفق الأكسجين إلى مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه، مما يؤدي إلى زيادة اليقظة والانتباه. الرياضة يبدو أن الرياضة حل مثالي لأغلب المشاكل، إذ لا تحسن صحتك الجسدية والنفسية فقط، بل تؤثر إيجابا أيضا على الأداء المعرفي والصحة العقلية وتساعد على تنمية مهارات ضبط النفس.