قد تكون أهداف إسرائيل في حربها الحالية واسعة النطاق للغاية بحيث لا يمكن تحقيقها. لن يتطلب أي توغل بري يسعى إلى إضعاف "حماس" بشكل دائم مجرد دخول القطاع فحسب.
إنه يتطلب البقاء هناك وإعادة احتلال القطاع. ولذلك تواجه إسرائيل معضلة. من دون وجود قوات على الأرض، لا يمكنها أن تتمكن من إيقاف "حماس". لكَّن الوجود على الأرض لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة من المال نتيجة لتحمُّل المسؤولية عن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الصراع، بل يعني حتمًا خسارة الكثير من الأرواح على كلا الجانبين.
* * *
قال حاييم ريغيف، سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لمجلة "فورين بوليسي" من مكتبه في بروكسل: "أستطيع أن أقارن هجومهم فقط بـ’داعش‘". وكان يشير بذلك إلى مئات الإسرائيليين الذين قتلوا وعشرات الذين اختطِفوا -بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن- عندما تسلل مسلحون فلسطينيون إلى جنوب إسرائيل في وقت مبكر من صباح السبت، السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وقال ريغيف أنه يجب على العالم أن يضغط على "حماس" لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من دون قيد أو شرط.
ومن جانبه، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإطلاق العنان للغضب. وقام باستدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط، وألمح إلى توغل بري وشيك في القطاع الفلسطيني. وحذر نتنياهو سكان غزة في مناطق "حماس" طالبا إليهم الخروج منها، بينما احتشدت القوات المسلحة الإسرائيلية على الحدود الفعلية مع غزة استعدادًا لعمل وشيك. والمهمة الظاهرية لهذه الحشود، انطلاقا من التصريحات النارية التي صدرت عن المسؤولين الإسرائيليين، سوف تتمثل في قطع رأس "حماس" وإنهاء التهديد الذي تشكله على إسرائيل بشكل نهائي.
لكنّ الأقل وضوحًا هو ما قد يعنيه ذلك في الممارسة العملية. هل إسرائيل في وضع يسمح لها بالقضاء على "حماس"؟ هل سيكفي إجبار قادة "حماس" على مغادرة غزة؟ هل يجب قتلهم؟ أم أن "حماس" أصبحت بشكل حتمي عنصرًا ثابتًا في السياسة الفلسطينية، طالما لم يكن هناك حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
على الرغم من أن نتنياهو قد لا يعترف بذلك، يبقى من المرجح أنه يدرك أن لدى "حماس" شريان حياة يتمثل في الرهائن الإسرائيليين الذين تحتفظ بهم لديها. وطالما بقي المواطنون الإسرائيليون في أيدي "حماس"، فإن نتنياهو سيتعرض لضغوط للتفاوض في نهاية المطاف على إطلاق سراحهم. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أطلقت في العام 2011 سراح أكثر من 1.000 سجين فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي كان قد أسره مسلحون فلسطينيون دخلوا إسرائيل عبر نفق.
في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، قال أحد كبار قادة "حماس" أن الحركة أسرت عددًا كافيًا من الإسرائيليين للمطالبة بالإفراج عن جميع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وقال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس": "الذي لدينا في أيدينا سوف يُطلق سراح جميع أسرانا". وذكرت قناة "الجزيرة" أن هناك أكثر من 5.000 أسير فلسطيني يقبعون في السجون الإسرائيلية. ويشمل هذا العدد 33 امرأة و170 قاصراً، وفقاً لمنظمة "الضمير"، وهي منظمة غير حكومية معنية بحقوق السجناء.
وفقًا لتقرير نشرته لأول مرة وكالة الأنباء الصينية، "شينخوا"، تقوم دولة قطر بالتوسط في اتفاق بين إسرائيل و"حماس" لإطلاق سراح الرهائن من النساء الإسرائيليات مقابل الأسيرات الفلسطينيات.
وقال مصدر مجهول لوكالة أنباء "شينخوا"، أنه "بدعم أميركي، تسعى قطر إلى إنجاز اتفاق عاجل". ولكن، لا توجد حتى الآن أي أخبار رسمية بشأن أي صفقة من هذا القبيل. وحتى الآن، نجحت قوات الدفاع الإسرائيلية في تحسين موقف إسرائيل من خلال اعتقال أحد كبار قادة "حماس"، محمد أبو غالي، نائب قائد الفرقة الجنوبية من القوة البحرية التابعة لـ"حماس". كما أنها تمارس الضغوط على قيادة "حماس" من خلال منع وصول إمدادات الغذاء والوقود والكهرباء إلى القطاع.
يشكل إنقاذ الرهائن الإسرائيليين أولوية بالنسبة لإسرائيل، لكنّ هذا ليس سوى واحد من الأسباب العديدة التي تمنع إسرائيل من القيام بتنفيذ التوغل البري النهائي الذي فكرت في تنفيذه منذ فترة طويلة وقررت عدم القيام به. لطالما اعتقدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ فترة طويلة بأن قطع رأس "حماس" سوف يتطلب ما هو أكثر من مجرد عملية عسكرية قصيرة الأمد ولمرة واحدة، كما أن شن حملة أوسع نطاقاً يطرح مجموعة من التحديات على السلطات الإسرائيلية. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تقرر إسرائيل، من جانب واحد، إخلاء مستوطنيها وقواتها من قطاع غزة في العام 2005، بعد عقود من احتلالها القطاع في العام 1967.
ومع ذلك، فإن الضغوط مرتفعة في إسرائيل -ليس لضرورة الانتقام من "حماس" فقط، بل أيضاً من أجل تحقيق انتصار استراتيجي مهم. وقال العقيد المتقاعد عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لمجلة "فورين بوليسي": "لقد ذُبح مدنيونا. لا يمكننا أن نعيش في ظل هذا التهديد المدمر". وقبل عامين، في صراع سابق بين الجيش الإسرائيلي و"حماس"، كان ليرمان قد دعا إلى رد فعل أكثر حذرا. وقال لي ليرمان في ذلك الحين: "يجب تدمير قدرات "حماس"، ولكن ليس إلى الصفر، كانت هذه فكرتنا. إيران وحزب الله هما التهديد الأكبر، ويجب أن نواصل التركيز عليهما".
حتى الإسرائيليون الليبراليون نسبياً والمطالبون بالسلام بدأوا يعبِّرون عن تحول في وجهة نظرهم في أعقاب الهجوم الأخير الذي شنته "حماس". لقد صدم حجم هذه العملية وقسوتها إسرائيل، وعملت على توحيد المشهد السياسي المتنوع والمتخاصم، حيث أصبح الكثيرون يسعون الآن إلى إيجاد حل دائم لمشكلة "حماس".
وبالنسبة للكثيرين، يعني هذا إخراج الجماعة بالكامل من ملاذها في غزة. وقال ليرمان أن إسرائيل لم تعد قادرة على السماح لـ"حماس" بالعمل في غزة، ليس بعد "الهجوم القاتل" الأخير على شعب إسرائيل. وقال السفير ريغيف أن إسرائيل "لا يمكنها التسامح" مع مثل هذه الهجمات.
مع ذلك، لن يتطلب أي توغل بري يسعى إلى إضعاف "حماس" بشكل دائم مجرد دخول القطاع فحسب. إنه يتطلب البقاء هناك وإعادة احتلال القطاع. ولذلك تواجه إسرائيل معضلة. من دون وجود قوات على الأرض، لا يمكنها أن تتمكن من إيقاف "حماس". لكَّن الوجود على الأرض لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة من المال نتيجة لتحمُّل المسؤولية عن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الصراع، بل يعني حتمًا خسارة الكثير من الأرواح على كلا الجانبين.
كما كان الحال في الماضي، تستطيع إسرائيل أن تقصف المباني والبنية التحتية الأخرى في غزة التي تستخدمها "حماس"، مثل شبكة الأنفاق تحت الأرض. لكن الأحداث التي وقعت الأسبوع الماضي هي دليل على أن هذه التدابير لم تكن كافية لردع "حماس" عن ممارسة العنف ضد إسرائيل. وللعثور على القدرات غير الظاهرة للعيان وتدميرها وتدمير القيادة، سوف يحتاج "جيش الدفاع الإسرائيلي" إلى التوغل في داخل غزة -بدعم من الاستخبارات والقوة الجوية- وتمشيط كل حي، وكل منزل، في القطاع المتنازع عليه بشدة. ويمكن أن تكون التكلفة الإنسانية وحدها لمثل هذا العمل كافية لردع إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاطف الذي اكتسبته إسرائيل الأسبوع الماضي، على الرغم من النظر إليها في كثير من الأحيان باعتبارها دولة معتدية في الصراع عازفة عن تقديم التنازلات اللازمة وإحلال السلام، قد ينضب قريباً إذا لم يجد سكان غزة غير المسلحين مكاناً يذهبون إليه ويموتون بأعداد كبيرة جراء القصف الإسرائيلي. ومن الممكن أن يؤدي الصراع المسلح داخل الأراضي الفلسطينية الذي يهدد حياة سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة إلى اندلاع صراع أوسع نطاقًا مع إيران أو وكيلها "حزب الله"، الذي استجاب بالفعل لدعوة "حماس" وقام بشن بعض الهجمات على إسرائيل في الأسبوعين الأخيرين. بل وربما يؤدي ذلك إلى تأجيج المشاعر في الشارع العربي النائم، مما يجبر أصدقاء إسرائيل الجدد في العالم الإسلامي على الوقوف إلى جانب إخوانهم المسلمين وضد إسرائيل.
وبالفعل، خرج الناس إلى الشوارع للتظاهر في كل البحرين والمغرب وتركيا واليمن وتونس والكويت والأردن وغيرها. وقُتل سائحان إسرائيليان في مصر. وقال عبد المجيد عبد الله حسن، الذي انضم إلى مسيرة ضمت مئات الأشخاص في البحرين، لصحيفة "نيويورك تايمز": "هذه هي المرة الأولى التي نفرح فيها بهذه الطريقة لإخواننا الفلسطينيين". وفي سياق الاحتلال والحصار الإسرائيليين، فإن عملية "حماس" "أثلجت قلوبنا"، كما قال، واصفًا مشاركة حكومته في اتفاقيات إبراهيم بـ"المخزية".
يمكن أن يكون التوغل البري المحدود أحد السبل للخروج من المأزرق. يستطيع الإسرائيليون أن يدخلوا القطاع بسرعة وأن يدمروا المخزون الحالي والمصانع التي تُصنع فيها الصواريخ الكبيرة ومتوسطة الحجم. ولكن، للتأكد من أن لا تقوم "حماس" بتصنيع أي أسلحة أخرى في المستقبل، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يبقى في غزة.
فقد أثبتت "حماس" مرارًا وتكرارًا أنها قادرة على التكيف وبناء الصواريخ في ورش العمل المحلية باستخدام المواد العادية المستخدمة يوميًا. على سبيل المثال، تقوم المجموعة بتجميع صواريخ القسام البدائية -وإنما الفعالة- باستخدام الأنابيب المعدنية الصناعية ووقود محلي الصنع من سماد نترات البوتاسيوم والمتفجرات التجارية.
لا شيء من هذا ينبغي أن يكون مفاجأة. كان صحيحاً دائمًاً أنه ما لم يتمركز جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل دائم داخل غزة، فإن إسرائيل لن تتمكن من احتواء تهديد "حماس" بشكل فعال. في العام 2021، بينما كنتُ أبحث في قدرات "حماس"، أخبرني مايكل أرمسترونغ، الأستاذ المشارك لأبحاث العمليات في جامعة بروك في كندا، والذي كتب عن الأداء التشغيلي والعملياتي للأسلحة التي تصنعها "حماس"، أنه ما لم يرغب الإسرائيليون في البقاء في غزة واحتلالها، فإنه لا يستطيع أن يرى حقًا كيف سيتمكنون من نزع سلاح "حماس".
بالإضافة إلى ذلك، سوف يتطلب استهداف أعضاء "حماس" داخل غزة، حيث قد يدعم الكثير من الناس الجماعة، خاصة في مثل هذا الوقت، معلومات استخباراتية جيدة للغاية، والتي ربما لا تكون متاحة بسهولة كما يريدنا تراث الموساد السردي الشعبي أن نصدق.
قلل ريغيف من أهمية نوايا إسرائيل تجاه "حماس" عندما تحدث مع مجلة "فورين بوليسي"، واصفًا إياها ببساطة بأنها "تدمير قدراتهم"، بدلاً من احتلال غزة.
لكنّ من الآمِن في الوقت نفسه افتراض أن إسرائيل لا تمارس الخداع هذه المرة. وحتى لو تم إطلاق سراح الرهائن بموجب عملية تبادل، فإن قيادة "حماس" تواجه تهديداً لم يسبق له مثيل. ويوجد بعض قادتها بالفعل في لبنان وقطر، في حين أن المجموعة كانت تعمل في الماضي من تركيا أيضًا. وربما يخطط المزيد من أعضائها الآن للخروج مع اشتداد الهجوم الإسرائيلي المضاد.
*أنشال فوهراAnchal Vohra: مراسلة صحفية أجنبية وكاتبة عمود في مجلة "فورين بوليسي" تقيم في بروكسل وتكتب عن أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. قامت بتغطية شؤون الشرق الأوسط لصحيفة "التايمز" اللندنية، وكانت مراسلة تلفزيونية لقناة "الجزيرة" الإنجليزية وصحيفة "دويتشه فيله" الألمانية. كانت تقيم سابقًا في بيروت ودلهي وأعدّت الكثير من التقارير عن الصراعات والسياسة في أكثر من عشرين دولة. *نشر هذا التحليل تحت عنوان: Can Hamas Be Destroyed؟