فورين بوليسي: أميركا السبب الرئيسي بالحرب بين "إسرائيل" وفلسطين

عربي ودولي
قبل سنة 1 I الأخبار I عربي ودولي

سلط أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية، ستيفن إم والت الضوء على الجولة الأخيرة من الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، معتبرا أن واشنطن كانت السبب الرئيس في اندلاعها بسبب انتهاجها على مدار 3 عقود سياسات تفتقر للحكمة والموضوعية لتحقيق نتائج إيجابية في الشرق الأوسط.

وقال والت إن أسباب الحرب الحالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي رجح استمرار صداها لفترة طويلة بعد توقف القتال الحالي- تبدأ في عام 1991، عندما برزت الولايات المتحدة كقوة خارجية بلا منازع في شؤون الشرق الأوسط وبدأت مساعيها الرامية لبناء نظام إقليمي يخدم مصالحها.

وأوضح أن هناك ما لا يقل عن خمس أحداث رئيسية أو عناصر حاسمة كانت ورائها واشنطن، ساعدت في إيصالنا إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في الأسبوعين الماضيين.

استبعاد إيران من مؤتمر مدريد للسلام

وفق والت فإن اللحظة الأولي لهذه الأحداث بدأت في حرب الخليج في عام 1991 وتداعياتها المتمثلة في مؤتمر مدريد للسلام.

وأشار إلى أن حرب الخليج كانت بمثابة عرضا مذهلا للقوة العسكرية الأمريكية والبراعة الدبلوماسية التي أزالت التهديد الذي كان يشكله صدام حسين على توازن القوى الإقليمي.

ومع اقتراب الاتحاد السوفييتي من الانهيار، أصبحت الولايات المتحدة حينها تجلس بثبات على مقعد قائد مركبة الشرق الأوسط، وهي فرصة اغتنمها الرئيس جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بيكر لعقد مؤتمر للسلام في أكتوبر/ تشرين الأول 1991، ضم ممثلين عن إسرائيل وسوريا ولبنان ومصر ووفد أردني- فلسطيني مشترك.

ولفت إلى أنه بالرغم من أن المؤتمر وضع أساسا لبناء نظام إقليمي سلمي، لكنه في الوقت ذاته تضمن خللا قاتلا زرع بذور الكثير المتاعب في المستقبل، وتمثل ذلك في عدم دعوة إيران التي كانت ترى نفسها قوة إقليمية جديرة بالمشاركة.

وذكر أن إيران ردت على استبعادها من المؤتمر بتنظيم اجتماع لقوى "الرفض" وتواصلت مع الجماعات الفلسطينية - بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي - التي تجاهلتها في السابق.

وحسبما ذكر الباحث الإيراني المولد السويدي الجنسية تريتا بارسي في كتابه "التحالف الغادر"، فإن "إيران اعتبرت نفسها قوة إقليمية كبرى وتوقعت الحصول على مقعد على الطاولة"، لأن مؤتمر مدريد "لم يكن يُنظر إليه على أنه مجرد مؤتمر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل كلحظة حاسمة في تشكيل نظام الشرق الأوسط الجديد".

وأوضح والت أن الرد الإيراني كان استراتيجيا في المقام الأول وليس أيديولوجيا.  

وأضاف أن إيران حاولت أن تثبت للولايات المتحدة والمجتمع الدولي قدرتها على عرقلة جهودهم لإنشاء نظام إقليمي جديد إذا لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار.

وعقب " "هذا هو ما حدث على وجه التحديد، حيث أدت التفجيرات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف المتطرف إلى تعطيل عملية مفاوضات اتفاقيات أوسلو وتقويض الدعم الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.

وبمرور الوقت، ومع بقاء السلام بعيد المنال وتدهور العلاقات بين إيران والغرب بشكل أكبر، أصبحت العلاقات بين حماس وإيران أقوى.

تداعيات هجمات 11 سبتمبر وغزو العراق

ورأى الأكاديمي الأمريكي أن يمكن اعتبار أن الحدث الثاني هو مزيج نتائج هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 والغزو الأمريكي اللاحق للعراق في عام 2003.

ولفت إلى أن قرار غزو العراق لم يكن مرتبطا إلا بشكل عرضي بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من أن العراق بقيادة حزب البعث وزعيمه الراحل صدام حسين دعم القضية الفلسطينية بعدة طرق.

وأشار إلى أن إدارة جورج دبليو بوش اعتقدت أن الإطاحة بصدام من شأنها القضاء على التهديد المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية، وتذكير الخصوم بقوة الولايات المتحدة، وتوجيه ضربة ضد الإرهاب على نطاق أوسع، وتمهيد الطريق لتحول جذري في الشرق الأوسط بأكمله إلى الاقتراب من أسس الديمقراطية

وعقب والت أن النتيجة التي حصلت عليها واشنطن للأسف في المقابل كانت تحول العراق إلى مستنقع مكلف، وتحسناً هائلاً في موقع إيران الاستراتيجي.

ولفت إلى أن هذا التحول في ميزان القوى في الخليج أثار قلق السعودية والدول الخليجية الأخرى، وبدأت تصورات التهديد المشترك من إيران في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية بطرق مهمة، بما في ذلك عن طريق تغيير علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل.

في المقابل، شجعت المخاوف من قيادة الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة، إيران على السعي للحصول على قدرة كامنة في مجال الأسلحة النووية، مما أدى إلى زيادة مطردة في قدرتها على التخصيب وعقوبات أكثر صرامة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

الانسحاب من الاتفاق النووي

ورأي والت أنه بعد فوات الأوان فيما يتعلق بزيادة طهران قدراتها النووية، كان الحدث الرئيسي الثالث إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة على طهران، وتبنيه سياسية ما أطلق عليه اسم "الضغط الأقصى".

وذكر والت أن القرار الأحق الذي اتخذه ترامب ترتب عليه العديد من الآثار المؤسفة: فقد سمح لإيران بإعادة تشغيل برنامجها النووي والاقتراب أكثر من القدرة الفعلية على تصنيع الأسلحة، وأدت حملة الضغط الأقصى إلى قيام إيران بمهاجمة شحنات النفط والمنشآت في الخليج والسعودية، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.

وكما هو متوقع، زادت هذه التطورات من مخاوف السعوديين وزادت اهتمامهم بالحصول على بنية تحتية نووية خاصة بهم. وكما تتنبأ النظرية الواقعية، فإن تصورات التهديد المتزايد من إيران شجعت أشكالاً هادئة ولكن مهمة من التعاون الأمني بين إسرائيل والعديد من دول الخليج.

اتفاقات التطبيع مع إسرائيل

وبحسب والت فإن الحدث الرابع كان هو اتفاقات التطبيع التي أبرمتها دول عربية مع إسرائيل في السنوات الأخيرة والتي كانت في بعض النواحي امتداد منطقي لقرار ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة.

وذكر أن اتفاقات التطبيع التي كانت من بنات أفكار الاستراتيجي الهاوي (وصهر ترامب) جاريد كوشنر، عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان.

وأشار النقاد إلى أن الاتفاقيات لم تفعل سوى القليل نسبيا لتعزيز قضية السلام لأن أيا من الحكومات العربية المشاركة لم تكن معادية لإسرائيل أو قادرة على إيذاءها.

وحذر آخرون من أن السلام الإقليمي سيظل بعيد المنال طالما ظل مصير سبعة ملايين فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية دون حل.

وبالرغم من ذلك واصلت إدارة الرئيس جو بايدن السير على نفس المسار تقريبًا، ولم تتخذ أي خطوات ذات معنى لمنع حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة بشكل متزايد من دعم أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون، والتي أدت إلى ارتفاع عدد القتلى والتشريد بين الفلسطينيين على مدى العامين الماضيين.

بعد الفشل في الوفاء بوعد حملته الانتخابية بالانضمام مرة أخرى على الفور إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ركز بايدن ورفاقه جهودهم الرئيسية على إقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل نوع من الضمانات الأمنية الأمريكية وربما الوصول إلى التكنولوجيا النووية المتقدمة.

ومع ذلك، فإن الدافع وراء هذا الجهد لم يكن له علاقة تذكر بإسرائيل وفلسطين، وكان يهدف في الغالب إلى منع السعودية من الاقتراب من الصين.

وكان ربط الالتزام الأمني تجاه السعودية بالتطبيع في المقام الأول وسيلة للتغلب على إحجام الكونجرس الأمريكي عن التوصل إلى صفقة جيدة مع الرياض.

ويبدو أن كبار المسؤولين الأمريكيين افترضوا أنه ظل وجود شخصيات مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، فإنه لا يوجد شيء يمكن لأي مجموعة فلسطينية القيام به لعرقلة هذه عملية التطبيع السعودي مع إسرائيل أو إبطائها أو لفت الانتباه مرة أخرى إلى محنتهم.

لكن والحديث لوالت "ولسوء الحظ، فإن الصفقة التي ترددت شائعات أعطت حماس حافزاً قوياً لإظهار مدى خطأ هذا الافتراض" معقبا أن " قرار حماس بالقيام بشيء ما (يقصد هجمات طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول) وخاصة توقيتها؛ كان استجابة للتطورات الإقليمية التي كانت مدفوعة إلى حد كبير بمخاوف أخرى.

فشل إنهاء عملية السلام

وذكر الأكاديمي الأمريكي أن العامل الخامس لا يتمثل في حدث، بل يتمثل في فشل الولايات المتحدة المستمر في إنهاء ما يسمى بعملية السلام.

وذكر أن واشنطن احتكرت إدارة عملية السلام منذ اتفاقيات أوسلو، ولم تؤدي جهودها المختلفة على مر السنين إلى أي نتيجة في نهاية المطاف.

أعلن الرؤساء الأمريكيون السابقون بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة - أقوى دولة في العالم في ذروة ما يسمى بلحظة الأحادية القطبية - ملتزمة بتحقيق حل الدولتين، ولكن هذا النتيجة الآن أبعد من أي وقت مضى وربما مستحيلة.

ورأي والت أن العناصر الأساسية الخمسة التي أوردتها مهمة؛ بالنظر إلي أن طبيعة النظام العالمي المستقبلي يمكن الاستيلاء عليها من قبل العديد من الدول المؤثرة التي تتحدى "النظام القائم على القواعد" الليبرالي الذي دافعت عنه الولايات المتحدة لعقود من الزمن.

وذكر أن الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وإيران ودول أخرى تدعو علناً إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث يتم تقاسم السلطة بشكل أكثر توازناً.

وأضاف إنهم يريدون أن يروا عالماً حيث لم تعد الولايات المتحدة تتصرف باعتبارها القوة التي لا غنى عنها، عالماً يتوقع من الآخرين أن يتبعوا قواعده مع الاحتفاظ بالحق في تجاهلها كلما ثبت أنها غير ملائمة.

وأشار إلى أنه من المؤسف بالنسبة للولايات المتحدة إلى أن الأحداث الخمسة التي وصفتها للتو وتأثيرها على المنطقة توفر ذخيرة قوية للموقف الدولي الحالي الذي تريد الصين وروسيا والهند.. وغيرها تعديله.