بعد أسابيع من الصراع الدموي العنيف الّذي شنّته اسرائيل على قطاع غزّة على إثر بدء عمليّة طوفان الأقصى منذ قرابة 47 يوما، وارتكابها للمجازر من خلال الابادات الجماعية الّتي قام بها جيشها، تواجه الآن الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو قرارات وتحديات حاسمة، مع بدء وقف إطلاق النار الموقّت اليوم 23 تشرين الثاني 2023، استعدادًا لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، فكيف سيكون عليه الوضع السياسي الراهن بين الإسرائيليين والغزيين في اطار الجهود المستمرة لوقف الحرب ولجعل وقف اطلاق النار مستدام؟!.
كانت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء "المتهوّر" بنيامين نتانياهو، تحت ضغط هائل لما اصطلح على تسميته "حماية مواطني اسرائيل وضمان أمنها القومي"، وهي الكذبة الّتي يستعملها لرصّ صفوف مواطنيه وكأنّه المنقذ لهم، في حين لا يتورّع عند أدنى مناسبة بالطلب من جيشه بالاعتداء على الغزّيين المدنيين العزّل في ظلّ طوق محكم على القطاع حتّى بات الهواء الّذي يتنشّقه الفلسطينيون هناك تحت رحمته. وقد اختبرت اسرائيل نوعًا جديدا من الحرب ولا سيما الجارية مع حماس، لأنّ حروبها السابقة كانت على أرض الآخرين، فأتى هذا الاختبار بلا شك ليضع قدرة الحكومة الاسرائيلية على المحكّ حول كيفيّة التعاطي مع ما حصل، وفي ظلّ تشتّت وضياع كامل للقيادة الاسرائيلية، الّتي استعملت الابادات الجماعية بقتل النساء والاطفال وعمد جيشها الى الاعدامات المباشرة للعزّل.
في هذا الوقت كانت الحرب على الأرض تصارع المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار لتبادل الأسرى بين الجانبين، مع ضغوط دوليّة كانت في البداية لصالح الدولة العبريّة والّتي انقلبت عليها في ظلّ شهوة الدماء لنتانياهو. فهل درست تل أبيب خطواتها بعناية أم أنّ واشنطن "قرصت الاذن الاسرائيليّة" على الأقل لضمان سلامة اسرائيل والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة؟!.
أحد التحدّيات الرئيسية التي تواجه الحكومة الإسرائيلية في المقبل من الأيام هو التوازن الدقيق بين الأمن والدبلوماسية. فقد تعرضت إسرائيل لانتقادات حادّة من المجتمع الدولي بسبب إجراءاتها العسكرية الاجرامية الوحشية في غزة الّـذي لم يسبق لها مثيلا مع عمليّات القتل والابادة، مما أثار مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والاستخدام المفرط للقوة، حسب ما يحب أن يسمّيها الغرب للهروب من المحاسبة، على الرغم من أنّ أمثلة الكيل بمكيالين حيال جرائم اسرائيل بالمقارنة عمّا يحصل في أمكنة عدّة بالعالم لا تعدّ ولا تحصى، ممّا أخضع نتانياهو بالرغم من انزلاقاته للتعامل مع هذه الانتقادات وفقًا لضغوط مارستها الادارة الاميركية بمعيّة قطر ومصر.
في هذا السياق يُعدّ تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس جانبًا حاسمًا من المعالجة. فالإفراج عن السجناء مسألة شديدة الحساسيّة، فهل يتحمل رئيس الوزراء الاسرائيلي وإدارته مسؤولية التفاوض على تبادل عادل ومتوازن يحمي مصالحه قبل مصلحة بلاده مع إظهار استعداده للانخراط في حلول سلميّة، وهو يعرف تمام المعرفة أنّه قضى على حياته السّياسية بسبب رعونته، وسيحاسبه شعبه مع بدء الحديث عن وقف اطلاق النار؟!.
بالإضافة إلى التحديات الفورية، يجب على الحكومة الإسرائيلية أيضًا التركيز على استراتيجيات طويلة الأجل لمنع الصراعات المستقبليّة. وهذا يشمل معالجة الأسباب الجذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مثل التباين الاقتصادي والمظالم السياسية وعدم وجود حل عملي لدولتين. ويحتاج نتانياهو وحكومته أو أي حكومة تأتي بعده إلى إعطاء الأولوية للجهود الراميّة إلى تعزيز الحوار وبناء السلام والتنمية الاقتصاديّة لتعزيز الاستقرار ومنع المزيد من التدهور وتصعيد العنف.
من ناحية أخرى، تواجه حماس مجموعة خاصة بها من التحديات. باعتبارها "منظمة إرهابية" حسب العديد من الدول، ويجب عليها التنقل في المجالات الدبلوماسيّة والسّياسية مع الحفاظ على دعمها الشعبي بين الفلسطينيين. كما تحتاج الحركة إلى الحكم بفعاليّة وتلبية احتياجات الناس ومعالجتها الفورية في غزّة والعمل على حلول طويلة الأجل. كما عليها البحث عن نمط جديد للانخراط في حوار مثمر مع المجتمع الدولي لتأمين شرعيّتها وضمان التعايش السلمي مع إسرائيل في حال كانت نوايا الأخيرة سليمة بالتعاطي من منطلق آخر ونظرة حديثة لقبول حلّ الدولتين.
ختامًا، تواجه الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مفترق طرق حاسم بعد الحرب المستمرة مع حماس في غزة. وقد يوفر وقف إطلاق النار الموقّت وتبادل الأسرى السجناء اللاحق فرصًا للجانبين لإعادة تقييم استراتيجياتهما والعمل على مستقبل أكثر استقرارًا وسلامًا.
كما أن من الضروري للحكومة الإسرائيلية الموازنة بين المخاوف الأمنيّة والدبلوماسيّة ومعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع، وعليها التذكّر دائمًا أنّها ليست بصاحبة الأرض وهي تمثّل احتلالا دائمًا للأراضي الفلسطينيّة، وبالمثل، يجب على حماس أن تظهر التزامها بالحوكمة، والانخراط في حوار هادف، والعمل للتعايش السلمي. ومما لا شك فيه أن الطريق أمامها ستكون مليئة بالصعوبات، لكن مع النهج الصحيح، هناك أمل في مستقبل أكثر إشراقًا اذا قصد الفريقان ذلك.