فئات ضعيفة تدفع الثمن الأكثر مأساوية لاتساع رقعة حرب السودان

عربي ودولي
قبل 11 أشهر I الأخبار I عربي ودولي
بصعوبة بالغة تمكنت العشرينية سارة عثمان من وضع طفلها الأول بعد ساعات من وصولها إلى إحدى القرى الواقعة جنوب مدينة ود مدني في وسط البلاد والتي تشهد للأسبوع الثاني على التوالي تدهورا كبيرا في أوضاعها الأمنية.

 

سارة وغيرها من النساء الحوامل في الأشهر الأخيرة هن ضمن 5 فئات تتعرض لمخاطر كبيرة في ظل الحرب الحالية المستمرة منذ نحو 9 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي اتسع نطاقها الجغرافي بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة. ويواجه المصابون بإعاقات جسدية وبصرية وسمعية إضافة إلى أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال وكبار السن مخاطر حقيقية مع خروج أكثر من 80% من المؤسسات الصحية والخدمية عن الخدمة وشح المأوى ووسائل النقل.

 

وتقول منى، شقيقة سارة، لموقع سكاي نيوز عربية إن شقيقتها نجت من الموت بأعجوبة بعد أن تدخلت إحدى القابلات المحليات في توليدها بصعوبة بالغة في قرية لا يوجد بها مستشفى أو طبيب متخصص.

 

 

ومنذ اندلاع الأحداث الأخيرة في مدينة ود مدني كانت أسرة سارة تسعى بشكل متواصل للبحث عن طريقة آمنة لإخراجها من المدينة قبل أن يداهمها المخاض في ظل انعدام تام لسيارات الإسعاف؛ لكنها اضطرت في النهاية إلى إخراجها على ظهر سيارة نقل صغيرة وعبر طرق وعرة رغم أنها كانت حامل في نهاية شهرها الثامن.

 

 وتقول هويدا محمد الحسن، استشارية التوليد وأمراض النساء لموقع سكاي نيوز عربية إن هناك مخاطر كثيرة تتعرض لها المرأة عند الولادة خصوصا في حالة الحمل الأول حيث تتزايد احتمالات الحاجة لعملية قيصرية أو قد تتعرض المرأة الحامل لتمزقات في عنق الرحم أو قناة الولادة مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات أو وفاة المولود. وتنبه الحسن إلى المضاعفات والمخاطر التي تتعرض لها المرأة عند الولادة في حال كان لديها أمراض مصاحبة للحمل مثل ارتفاع السكر والضغط حيث تكون أكثر عرضة لمشاكل طارئة قد تتطلب إدخالها لعملية قيصرية لضمان سلامة الطفل أو الأم.

 

 

وعند وصولها إلى ود مدني قبل نحو 7 أشهر، هاربة مع مئات الآلاف من السودانيين من القتال الذي اندلع في الخرطوم منتصف أبريل الماضي؛ كانت سارة حاملا في شهرها الثاني ولم تكن تتوقع أن تجبرها الظروف الأمنية على البحث عن مكان آمن آخر لوضع مولودها المنتظر؛ لكن بعد مرور أكثر من 9 اشهر على اندلاع القتال دخلت معظم مدن السودان في دائرة المناطق غير الآمنة.

 

 وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية في معظم انحاء السودان؛ تجد العديد من الفئات الضعيفة صعوبة كبيرة في الخروج من مناطق القتال أو الأماكن غير الآمنة مما يعرض حياتهم للخطر. ويتزايد الخطر أكثر بسبب ما تتعرض له فرق الإنقاذ والمنظمات والهيئات الدولية العاملة على الأرض من مصاعب حقيقية في عمليات الإجلاء.

 

 

وقبل نحو 3 أسابيع تعرضت قافلة نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء عدد من العالقين من المرضى والأطفال وكبار السن في مناطق القتال بجنوب الخرطوم لهجوم مسلح من أحد طرفي القتال مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المستهدفين بعملية الإجلاء.

 

ومنذ اندلاع الحرب، توفي نحو 20% من المصابين بالفشل الكلوي المقدر عددهم بأكثر من 13 ألفا، بحسب ما ذكرته نازك أبو سن رئيسة منظمة أطباء السودان لحقوق الإنسان - مكتب الخرطوم - لموقع سكاي نيوز عربية.

 

 وقبل تدهور الأوضاع الأمنية فيها كانت مدن، مثل ود مدني وسنار وكوستي، تأوي آلاف المرضى الباحثين عن استكمال جرعات غسيل الكلى أو جلسات علاج السرطان أو خدمات العناية بالقلب التي توقفت بسبب النقص الحاد في المحاليل والأدوية في المستشفيات والمراكز القليلة المتوافرة خارج الخرطوم والتي لجأ إليها آلاف المرضى بعد اندلاع القتال.

 

وبسبب الضغط الكبير تم تقليص عدد جلسات غسيل الكلى في بعض المراكز إلى واحدة فقط بدلا من اثنتين. كما ارتفعت تكلفة الغسلة الواحدة في بعض المراكز الخاصة إلى اكثر من 200 ألف جنيه "نحو 200 دولار" وهو ما يشكل عبئا ماديا كبيرا على أسر المرضى في بلد يعيش فيه أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر. وتضاعفت خلال الفترة الأخيرة أسعار بعض الأدوية المكونة لجرعات علاج السرطان بأكثر من 10 مرات.

 

وفي الجانب الآخر؛ يدفع اكثر من 20 مليون طفل ثمنا باهظا للتدهور الأمني المتزايد الانتشار في معظم مناطق البلاد. وبعد عملية إجلاء محفوفة بمخاطر كبيرة من الخرطوم إلى ود مدني أنجزت قبل نحو 6 أشهر، أعلنت منظمات وهيئات إنسانية الاثنين عن عملية معقدة لإخراج أكثر من 400 طفل من فاقدي السند من مدينة ود مدني بعد تدهور الأوضاع الأمنية فيها.

 

وخلال الأسابيع الأولى من الحرب؛ بذلت منظمات طوعية جهود مضنية لإجلاء أولئك الأطفال بعد وفاة 30 منهم بسبب انعدام الرعاية الصحية في الدار التي كانوا يقيمون فيها في إحدى أخطر مناطق الاشتباكات في وسط الخرطوم.

 

ويواجه الأطفال الموجودين في دور الرعاية الاجتماعية في ود مدني حاليا مخاطر كبيرة بسبب عدم قدرة المرضعات والأمهات البديلات من ممارسة عملهن. وخلال الأسابيع الأولى من اندلاع الفتال؛ قال الناشط المجتمعي ناظم سراج لموقع سكاي نيوز عربية إن عدد الضحايا من أطفال دور الرعاية تزايد بشكل مقلق؛ مشيرا إلى الجهود التي بذلت لإجلاء من تبقى منهم إلى أماكن آمنة وذلك بمساعدة منظمات دولية.

 

 ورسم جيمس الدر، المتحدث الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، صورة قاتمة عن مستقبل 24 مليون طفل في السودان بسبب التداعيات الناجمة عن الحرب.

 

وقال الدر في رد على أسئلة بعث بها موقع سكاي نيوز عربية عبر البريد الإلكتروني إن هنالك ارتفاعا كبيرا في وفيات الأطفال بسبب الاشتباكات المسلحة وسوء التغذية؛ مشيرا إلى أن مخاطر كبيرة تواجه مستقبل أكثر من 19 مليون طفل بسبب إغلاق مؤسسات التعليم وعدم القدرة على الالتحاق بالمدارس.

 

ووفقا للمتحدث باسم اليونيسف فإن التجاهل القاسي للمدنيين والهجمات المتواصلة على الخدمات الصحية والتغذوية؛ يعرض حياة آلاف الأطفال حديثي الولادة لخطر الموت.

 

وأوضح "يحتاج مئات الآلاف من المواليد الجدد إلى رعاية ماهرة عند الولادة وهو أمر تتضاءل إمكانية حدوثه بسبب وقوع الملايين في الحصار في مناطق الحرب أو اضطرارهم للنزوح في ظل نقص خطير في الإمدادات الطبية".