شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا ملحوظا في حدّة الصراع في اليمن. وبينما كسرت عودة التوتّر إلى عدد من جبهات المواجهة العسكرية بين الحوثيين وخصومهم المنتمين إلى معسكر الشرعية نسق الهدوء النسبي القائم منذ أكثر من عامين، احتدمت المعركة الاقتصادية والمالية بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بعد أن بادرت الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات هادفة إلى حرمان جماعة الحوثي من موارد مالية كانت تحصل عليها بطرق غير مشروعة، وفقا للحكومة.
وأثارت تلك الإجراءات غضب الحوثيين الذين وجّهوا غضبهم مباشرة صوب المملكة العربية السعودية واتهاماتهم لها بالوقوف وراء قرارات وإجراءات الشرعية المضادّة لهم، الأمر الذي خلق أجواء مضادّة تماما لمزاج التهدئة ومعاكسة لمحاولات البحث عن حلّ سلمي للصراع اليمني.
ورأى مراقبون في أجواء التصعيد القائمة حاليا تهديدا حقيقيا لمسار السلام الذي أبدت الرياض حرصا على إطلاقه وانتهجت في سبيل ذلك سياسة مرنة تجاه الحوثيين أنفسهم شملت قبولها بالتواصل المباشر معهم ومشاركتهم الجلوس إلى طاولة الحوار. لكنّ مصادر سياسية يمنية قلّلت من شأن التصعيد معتبرة أنّه محاولة من الشرعية والحوثيين لتحسين مواقعهما التفاوضية قبل خوض جولة مفاوضات من المرتقب أن تحتضنها العاصمة العمانية مسقط برعاية السلطنة.
واستدلّت المصادر على ذلك بما اعتبرته إصرارا سعوديا على المضي في طريق السلام، قالت إنّه برز مجدّدا خلال استقبال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي. وفي مظهر على التصعيد الميداني، قتل خمسة جنود في اشتباكات بين القوات الحكومية اليمنية ومهاجمين حوثيين في جنوب غرب البلاد أسفرت كذلك عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة عشر مقاتلا حوثيا، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس الخميس عن مسؤولين عسكريين.
وقال المتحدث باسم القوات الجنوبية المنضوية تحت لواء الحكومة العقيد محمد النقيب إن الاشتباكات وقعت إثر هجوم شنه الحوثيون على جبهة الشريجة الفاصلة بين محافظة لحج التي تسيطر الحكومة على أجزاء منها ومناطق سيطرة الحوثيين في محافظة تعز. وأكد أنّ القوات نجحت في صد الهجوم، مشيرا إلى مقتل خمسة جنود وجرح آخرين.
وفي المقابل، قال مصدر عسكري في جماعة الحوثي بتعز إنّ الهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة عشر شخصا بينهم قائد ميداني خلال تقدمهم في تلك المنطقة. ونددت الحكومة المعترف بها دوليا بـ"هجوم غادر"، وأشار وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني في بيان على منصة إكس إلى أنّ المقاتلين "في جبهة جبال الضواري بمنطقة كرش بمحافظة لحج، تصدوا للهجوم الغادر الذي شنته ميليشيا الحوثي، وكبدوا عناصرها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد".
وفي مظهر تصعيدي آخر، تحوّل القطاع المالي في اليمن ميدانا لمعركة ضارية بين جماعة الحوثي والسلطة الشرعية التي بادرت إلى اتّخاذ إجراءات لإجبار عدد من المصارف على نقل نشاطها من مناطق الحوثيين إلى مناطق الشرعية.
وفي أحدث حلقة من هذه الحرب قررت وزارة النقل في حكومة رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك تحويل كافة إيرادات شركة الخطوط الجوية اليمنية إلى حساباتها البنكية في عدن أو في الخارج. وقال وزير النقل عبدالسلام حميد إنّ الهدف من هذا القرار "هو إبعاد الإيرادات عن سطوة الميليشيات الحوثية".
ولا يستهين متابعون للشأن اليمني بما يمكن أن تحدثه تلك القرارات من آثار على الوضع الاقتصادي والمالي للحوثيين الذين يواجهون بدورهم صعوبات في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لا تقلّ عن الصعوبات الكبيرة التي تواجهها الشرعية في توفير ضروريات العيش وضمان استمرار تقديم الخدمات للسكان في مناطقها.
ولاحت بوادر الإرباك في صنعاء من خلال توجيه الحوثيين لسهام غضبهم صوب السعودية التي لا يبدو أنّها في وارد التراجع عن إصرارها على طي ملف الصراع اليمني سلميا. وجدّد الأمير خالد خلال استقباله العليمي "موقف المملكة الراسخ والداعم لكل ما يضمن أمن واستقرار الجمهورية اليمنية، ويحقق آمال شعبها".
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنه جرى خلال اللقاء بحث مستجدات الأوضاع في اليمن، والمساعي المبذولة لدعم السلام، وإحراز تقدم بشأن خارطة الطريق لإنهاء الأزمة اليمنية والوصول إلى حل سياسي شامل تحت رعاية الأمم المتحدة، يتوحد به الصف اليمني وتتحقق به تطلعات شعبه.